الرئاسات الثلاث والمحاصصة المقدسة
حسين فرحان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين فرحان

لم يعد واضحا إذا كان لأصحاب هذه الكتل السياسية نفق يربط بين الأذنين يمر منه كلام الناصحين والمتذمرين قادما الى الأذن اليمنى ومغادرا من الأذن اليسرى باتجاه رفوف النسيان أم أن بالقوم صمم لاينفع معه الترياق المجرب .
المضحك المبكي - مع كتل التناقضات - دعوتهم الى نبذ المحاصصة لكن القوم في السر غير القوم في العلن ، فالبدعة التي أحدثوها ونعمت عندهم هي أن يكون تقسيم الأدوار ابتداء من الرئاسات الثلاث بشكل محاصصة طائفية عرقية قومية جاهلية .... سمها ماشئت فالنتيجة في نهاية المطاف ( نمط متفق عليه ) لايراعي دستورا ولا منطقا ولا إرادات خيرة .
لرئاسة البرلمان زعيم سني وعلى الكرد والشيعة التنحي جانبا حين تبدأ عمليات الغربلة والتمحيص داخل احزاب المكون السني حتى تنتهي بمراسيم تتويجه .
ولرئاسة الجمهورية زعيم كردي وعلى السنة والشيعة الترقب وانتظار النتائج حتى تنتهي عملية التوافق الكردي وتنتهي بمراسيم التتويج .
ولرئاسة الوزراء زعيم شيعي وعلى السنة والكرد أن ينتظروا ماستتفق عليه الكتل الشيعية والتزام جانب الصمت وعدم التدخل بحسب الاتفاق والتزاما بمقررات البدع السياسية حتى تنتهي مراسيم تتويج الزعيم .
الشيعة .. الكرد .. السنة .. على المستوى الحكومي ، هل يتحقق لهم الاستقرار النفسي والاطمئنان بامتلاكهم لواحدة من الرئاسات الثلاث ؟
الشيعة .. الكرد .. السنة .. على المستوى الجماهيري ، هل يشعرون بضرورة أن يكون لمن يمثلهم واحدة من الرئاسات الثلاث ؟
على المستوى السياسي والحكومي لايوجد مايشير الى وجود حالة من حالات الحرص على ضرورة أن يكون التمثيل بهذا الشكل خدمة للجهة التي يمثلونها لأن الواقع مغاير تماما لهذه الادعاءات فالمنفعة والرخاء هي للطبقة المتنفذة صاحبة الشعارات وللشعب فتات الخبز وبقايا المائدة ، هذا ماأثبتته التجارب .
وعلى المستوى الجماهيري لم يعد خافيا على هذا الشعب المبتلى بتعدد الزعامات أن المحاصصة سرقت من الديمقراطية روحها وجوهرها وحرفت مسارها باتجاه دكتاتورية الأقطاب الثلاثة .
فالتمثيل البرلماني في ظاهره يشير الى وجود نتائج افرزتها صناديق الاقتراع وقد مر بمراحل متعددة تتجه بمجملها الى حالة من النضج والثقافة الانتخابية لكنها لم ترتقي بعد الى مستويات متقدمة تغلق على المتنفذين أبواب المنفعة باستغلالهم لأزمة الثقة التي صاحبت العملية الانتخابية في السنوات التي تلت فترة سقوط النظام البعثي وما رافقها من عنف وتدهور للوضع الأمني والذي تم القضاء عليه بحكمة المرجعية الدينية العليا واستجابة العقلاء من أبناء هذا الشعب .
لقد لوحظ في الانتخابات الاخيرة وضع مختلف عن سابقاتها فالشعب لم يعد ملتفتا - ولو بشكل نسبي - الى ضرورة التمثيل الطائفي او القومي بل أن البعض لم يشارك بالانتخابات وفق ما أملته عليه قناعاته بالوجوه المرشحة ، والذين شاركوا بدت عليهم الرغبة في تغيير الوجوه ومراعاة أن يكون المرشح كفوءا نزيها فكانت النتيجة برلمانا تغيرت فيه الوجوه بنسبة كبيرة رغم انتماءها لنفس الجهات السياسية .
رغم أن النتائج ليست بمستوى الطموح لكنها في نهاية المطاف ستكون كذلك لأن الشعب بدأ يدرك جيدا أنه هو المتضرر من اختياره لأشخاص على أسس لاتمت لواقع متطلباته بصلة ..
هذا النضج وهذه الثقافة الانتخابية عقدت المرجعية الدينية العليا عليهما الأمل ( ولكن مايزال الأمل قائما ... ) بعد دعوتها ( دعوا الوجوه التي لم تجلب الخير لهذا البلد ... ) والقضية برمتها قضية نضج ووعي وثقافة لطالما أكدت عليها في خطبها ودعت الى أن يكون الاختيار صحيحا وقوامه الاسس المنطقية لاختيار الاشخاص ..
الكثير من الدول مرت بتجارب ديمقراطية تلت عقودا من الحروب والدكتاتوريات واستغرقت تجربتها وقتا لكي تنضج فهذه اليابان التي كانت متخندقة محاربة تعيش اليوم انتعاشها الاقتصادي والامني وكذلك الحال مع المانيا النازية وغيرها من الدول التي تعيش اليوم اوضاعا مغايرة لاوضاعها السابقة لم تنضج تجربتها بالحكم في ليلة وضحاها بل تدرجت وتطورت حتى وصل الجميع فيها الى القناعة النهائية بنوع الحكم وطريقة تشكيل الحكومة فيها .
أن مشكلتنا اليوم هي هذه التعددية الحزبية التي لاتتلائم مع نسبة السكان فالبلد لم يبلغ تعداد السكان فيه رقما يضاهي أرقام الصين والهند لكنك تشاهد فيه مئات الاحزاب والحركات والتيارات تدعي كل منها أنها الاصلح والأقدر على الادارة والحكم ، ومشكلتنا أيضا هذه المحاصصة المقيتة التي تعقد بها الصفقات و تتاجر بحاضر ومستقبل أبناء هذا الشعب ، ولكن مثلما شهدنا نضجا انتخابيا ولو بشكل نسبي لا بد أن نشهد ذات يوم واقعا سياسيا مغايرا ستفرضه الارادة الجماهيرية وتسقط آخر قلاع المحاصصة المقدسة عندما يكون للمشهد وجه آخر مختلف .
...................
حسين فرحان
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat