صفحة الكاتب : نجاح بيعي

مِن هُود ٍ إلى السيستانيّ .. التاريخ يُعيد نفسه !.
نجاح بيعي

خاص : كتابات في الميزان 

(التاريخ يُعيد نفسه) عبارة أطلقتها المرجعية العليا على لسان مُمثلها السيد "أحمد الصافي" عبر منبر جمعة كربلاء المقدسة في 27/4/2018م , تنتمي للمدرسة التي أرسى دعائمها الإمام "علي" عليه السلام . وتجلّت معالمها من خلال وصيّته (عليه السلام) إلى ولده الإمام "الحسن" (ع) : (أي بُنَّي ـ إنِّي وإن لم أَكُنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَنْ كانَ قبلي ، فقَد نظَرتُ في أَعمَالِهمْ ، وفَكَّرْتُ في أَخْبَارِهمْ وَسِرْتُ في آثَارِهمْ، حتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ، بلْ كَأنِّي بِما انْتَهى إلَيَّ مِنْ أُمُوِرِهمْ قد عُمِّرْتُ معَ أوَّلِهمْ إلَى آخِرِهمْ)(1)!
فحركة الإنسان داخل مُحيطه المجتمعي كما هو معروف ,تحكمها علاقات بنيوية طبيعية تسمى (السُنن التاريخية) تُعطي للحادثة التاريخية صفة العودة والتجلي في أمم ومُجتمعات لاحقة عنها إذا توفرت لها ذات الظروف . وتتميّز تلك (الحركة التاريخية) التي يقوم بها العظماء والقادة والزعماء في أممهم ومجتمعاتهم عبر أدوار التاريخ , بأن لها القدرة على أن تُحدث تغيير ـ أو طفرة الى أمام مُغايرة للمألوف المعاش سلبا ً كان أم إيجابا ً , ولها القابلية أيضا ًعلى أن تُعالج مُتطلبات واحتياجات الإنسان في مجالات عدة , كأن تكون دينية وفكرية واجتماعية واقتصادية وغيرها . ولا نغفل أن نذكر بأن حركة ومسيرة (الأنبياء والرسل والأوصياء) المبعوثين في أممهم ومجتمعاتهم لا تخرج من هذا الإطار مطلقا ً . و(التاريخ يُعيد نفسه) ينبغي أن يُفهم منها أنها ليست عودة لذات التفاصيل الجزئية التي تتشكل منها الحادثة التاريخية , وإنما هو تجلّي لمظاهرها ولآثارها على الفرد والمجتمع .
إذن بإمكاننا أن نقول بأن المرجعية العليا ومن خلال تناولها للقصة القرآنية (هود وقومه عاد) , كانت تهدف من ورائها توصيل موقف ما منها الى (الأمّة) وبالذات الى الطبقة السياسية :
ـ بسم الله الرحمن الرحيم "وإِلى عادٍ أَخاهُم هُوداً قَال يا قومِ اعْبُدُواْ اللّهَ ما لكُم مِنْ إِلَهٍ غيرُهُ أَفلا تتَقُونَ ﴿65﴾ قال الملأُ الَّذينَ كفرُواْ مِن قومهِ إِنَّا لَنَرَاكَ في سفاهةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبينَ ﴿66﴾ قال يا قومِ ليْس بي سفاهَةٌ ولَكنِّي رَسُولٌ مِن ربِّ الْعالَمينَ ﴿67﴾ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لكمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴿68﴾" الأعراف.
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=383
إنطلاقا ً من المُقدمة أعلاه بإمكاننا أن نستشرف بعض المقاربات الموضوعية بين ما جرى لنبيّ الله (هود) مع قومه (الملأ) منهم , وبين ما جرى ويجري على المرجعية الدينية العليا المُتمثلة بسماحة السيد (السيستاني) مع الأمة والطبقة السياسية المُتنفذة ومن هذه المقاربات :
1ـ مقام نبيّ الله (هود) في أمته آنذاك هو كمقام النيابة العامة عن المعصوم (عج) في الأمّة اليوم . ونحن نعيش (عصر الغيبة الكبرى) للإمام صاحب العصر والزمان ,وأنه آخر أوصياء خاتم الأنبياء والرسل (ص وآله) . ومقام النيابة اليوم ممثلة بالمرجعية الدينية في النجف الأشرف هو ذات الخط المتصل بالإمامة.
2ـ الإشتراك في ذات المهمة الإصلاحية (الإلهيّة) في والأمة والمجتمع (لكلا المقامين), واتخاذ طريقة النصح والإرشاد كأفضل وسيلة تربوية إصلاحية للإنسان .
3ـ أن نبيّ الله (هود) هو من قوم (عاد) ينتمي إليهم وينتسب لهم وهو واحد منهم على الأصعد كافة . والمرجعية العليا ممثلة بـ(السيستاني) لم تخرج من هذا الإطار أبدا ً. فهي بالأمّة ومن الأمّة والى الأمّة , هذا من غير انتسابه الشريف لرسول الله (ص وآله) .
4ـ دعوة نبي الله (هود) لقومه تعدّت عبادة (الواحد الأحد) , في مقابل كفرهم وعبادتهم الأوثان, الى دعوة اختزلت الطريق لمقارعة الطغمة الفاسدة المتحكمة بالنظام (السياسي ـ المجتمعي) المنحرف القائم بـ(قوم عاد) آنذاك . وهو ما تنبّأ به الكثيرون من أن هناك موقف مُشابه جديد ستتخذه المرجعية العليا في قابل الأيام , بحق الأمّة والطبقة السياسية الحالية , التي لم ترعوي توجهاتها , وأهملت نصائحها التقويمية للأداء السياسي وخصوصا ً استغلال دماء شهداء (فتوى الدفاع المقدسة) في الدعاية الإنتخابية لأغراض سياسية , بعد أن استنفدت جميع طرق النصح والإرشاد لهم . وأيّ موقف كان منها فهو سيكون في صالح المؤمنين وفي مصلحة البلد العليا , ولا يخرج من الإطار الدستوري والقانوني الذي لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية للدين الحنيف.
ومقطع الآية (ما لكُم مِنْ إِلَهٍ غيرُهُ) تشير الى خواء وهراء ما هم عليه من نظام سياسي لا يرجع بالفائدة لهم ولا لمجتمعهم كونهم لا يرون إلا مصالحهم وامتيازاتهم . و(أَفلا تتَقُونَ) هي دعوة واضحة لهم لمراجعة أنفسهم والإقرار بالخطأ والغيّ الذي هم عليه , كون دعوة النبيّ يحكم بصحتها العقل قبل كل شيء .
5 ـ إستشعارهم بخطر الدعوة النبويّة التي جاء بها (هود) عليهم وعلى مصالحهم , وهم يمثلون الطبقة الحاكمة المستفيدة والمستحكمة على رقاب الناس . وهذه الفقرة نفهم منها أمور منها :
أـ سرعة الرد من قبل (الملأ ـ الطبقة الحاكمة) دليل على مصادرة تلك الطبقة للحريات العامة وقمعهم للرأي الآخر وعدم إمكانية التعايش مع الدعوة الجديدة . واستكبارهم جعلهم يتكلمون نيابة عن المجتمع , لأنهم يمثلون الإرادة المتنفذة والمتربعة على قمة هرم الفساد فيهم .
ب ـ جاء ردّهم بالجمع (قال الملأُ) مقابل دعوة (هود) بالمفرد , التي أغرتهم لأن يتجبّروا أكثر ويتمادوا بالغيّ والطغيان وأن يشعروا بالغلبة . وهم لا يعلمون بأن القوّة الحقيقة تكمن بالواحد (الفرد) إذا كان سائرا ًعلى خط السماء .
ج ـ هناك مؤمنين لـ(هود) ولدعوته في قوم (عاد) , وهؤلاء يشكلون المعسكر المناوئ للكافرين والطغاة وإن كانوا قلة .
6 ـ أن رمي المُصلحين العظماء والأنبياء والرسل والأوصياء , بأقذع الأوصاف واتهامهم بـ(السفاهة والكذب) هو ديدن الطغاة والمنحرفين والجبابرة على طول خط مسيرة الإنسان على وجه البسيطة . وقوم (عاد) هنا كانوا أكثر فرعنة ووقاحة من نظرائهم من قوم نبي الله (نوح) لوجود المشابهة بينهما : (الكلام في الآية نظير الكلام في نظيره من قصة نوح غير أن عادا ً زادوا ـ وقاحة ـ على قوم نوح حيث إن أولئك رموا نوحا ً بالضلال في الرأي و هؤلاء رموا هودا بالسفاهة)(2). وهو ذات الشيء الذي تلقته المرجعية الدينية العليا من الأمة والطبقة السياسية . حيث تجلّى بهتانهم واتهامهم لها بالإعراض عنها وعن نصحها , وبعدم الإمتثال لوصاياها والإذعان لإرشاداتها , وما ذلك إلا تسفيها ً لرأيها وتكذيبا ً لها حفاظا ً على مكتسباتهم السياسية والحزبية وامتيازاتهم المالية والسلطوية وغيرها .
7ـ ردّ نبيّ الله (هود) على اتهام وتكذيب الطغمة الفاسدة والمنحرفة له , جاء بغاية الأدب والوقار الذي لا يتحمله إلا نبيّ . وقال ببساطة راقية (يا قومِ ليْس بي سفاهَةٌ) وهو دليل على أن المُخاطب هو السفيه الذي لا يعقل على نحو الحقيقة!. ومقطع الآية (ولَكنِّي رَسُولٌ مِن ربِّ الْعالمينَ) نفهم منها أمور :
أ ـ تأكيد على أن دعوته ورسالته هي دعوة ورسالة الله تعالى لهم .
ب ـ أن الذي يقف بالضدّ والندّ منّي (من هود النبيّ) فهو يقف حقيقة بالضدّ والندّ من الله تعالى .
ج ـ حرص نبيّ الله (هود) على نجاتهم وإنقاذهم ممّا هم فيه من الضلال والإضلال .
د ـ مبادرة للتذكير بأن دعوة (هود) هي من المربّي الأول (الله تعالى) ولا شيء غيره . وهذا ما جرى مع المرجعية العليا حيث دعواتها للأمّة والطبقة السياسية إنما تنطلق من كونها تمثل خط الإمامة المقدسة , وبالتالي فأن من يقف بوجهها وضد دعواتها الإصلاحية إنما يقف ضد الإمام المعصوم (عج) ذاته وبالتالي ضد (الله تعالى) . مع إبداء المرجعية العليا لحرصها في كل مرّة على نجاة الأمة (الشعب) بما في ذلك الدين والمذهب من الإضلال والتضليل والحفاظ على المصلحة العليا للبلد.
8 ـ آية (أبلغكم رسالات ربي و أنا لكم ناصح أمين) نفهم منها أمور :
أـ كشف للجهل المركب الذي عليه (الملأ) كون (هود) هو مُرسل من الله تعالى .
ب ـ إصرار (هود) على تبليغ الرسالة (النصح) من الله لقومه وتحمل المشاق مهما كبر حجم المعارضة وتنوعت ردّة فعلهم , فالله تعالى هو المُتكفل بالنتيجة باختيار العقوبة الرادعة لهم بعد أن تُستنفد جميع طرق النصح الإصلاحية .
ج ـ أنا (والكلام للنبيّ هود) لكم ناصح . والناصح أمين . والنصيحة والأمانة وحفظها عند شخص ما تقتضي أولا ً : التنزّه عن الصفات الرذيلة كالغش والكذب والخيانة وإضاعة الحقوق والتحلي بالأخلاق الفاضلة . وهذا الشخص لا يتوفر للمهمة الإلهيّة إلا عند المُصطفيْن ثانيا ً . وثالثا ً رجوع الفائدة العظمى والكبرى للنصيحة على من وقعت عليه النصيحة لا على الناصح .
وهذا ما وقع بالفعل مع المرجعية العليا . فعدم الإمتثال لرؤيتها الإصلاحية هو جهل مركب . وهي مستمرة بأداء وظيفتها التربوية والإرشادية للأمّة ولعموم المسلمين (الشعب العراقي). وتنطلق من كونها (ناصحة وأمينة ومُصطفاة) كيف لا والإسلام المحمديّ قد تجلّى فيها وبها .
ـ وأخيرا ً وليس آخرا ً .. لنا أن نعرف جزاء من لم يمتثل لنصائح وإرشادات المرجعية العليا سواء من (الأمة) أو الطبقة السياسية . من خلال المقاربة الموضوعية مع ما حصل مع (عاد) قوم (هود) النبيّ وعصيانهم وتمردهم عليه . حتى أتت عليهم في آخر المطاف سحاب أسود وريحا ً شديدة , سلطها الله تعالى عليهم سبعة ليال وثمانية أيام (حسوما ً). فأبادتهم وجعلت أجسامهم كأعجاز النخل الخاوية . فهلك كل من استكبر وعاند وعصى . وفي المقابل نجا المؤمنون الذين آمنوا بـ(هود) ودعوته .
ـــــــــــــــــــ
1ـ (موسوعة الإمام "علي بن أبي طالب" عليه السلام في الكتاب و السنة والتاريخ) للمؤلف : محمد الريشهري .ج 6 ص 447 .
2ـ تفسير الميزان للطباطبائي ج 8 ص 96.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/30



كتابة تعليق لموضوع : مِن هُود ٍ إلى السيستانيّ .. التاريخ يُعيد نفسه !.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net