علاء الدين الجويني أول حاكم في العراق بعد الاحتلال المغولي
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبد الهادي الطهمازي

علاء الدين عطا الملك الجويني أول حاكم في العراق بعد احتلال المغول لبغداد سنة 656 هـ، وقبل الحديث عن علاء الدين الجويني أريد أن أتحدث عن اسباب توجه المغول لفتح العراق وإسقاط الخلافة العباسية.
كان سلطة الخليفة العباسي في القرن الأخير من عمر هذه الخلافة لا تتجاوز العراق وخوزستان وبلاد الأحساء. أما باقي مناطق العالم الإسلامي فقد كان تحكم من قبل متسلطين عليها مستقلين تماما عن الخليفة العباسي لا تربطهم به إلا الدعاء له آخر الخطبة يوم الجمعة.
ثم أن المماليك الأتراك عادوا الى الظهور الى ساحة الأحداث بعد أن انحسر دورهم في عهد السلاجقة، فصاروا يتحكمون بالخليفة ويطمعون بالمزيد من المناصب والأموال والإقطاعيات الزراعية، ويضطر الخليفة للإستجابة لهم فأقطع قشتمر الكوفة، وسنقر الكوت، وأعطى الدجيل لآخر وهكذا وزرع الأراضي على القادة المماليك الأتراك.
لكن ضيق تلك المساحات الزراعية جعلت المماليك الأتراك يضغطون على الخليفة بتجريد حملة عسكرية على الدولة الخوارزمية التي كانت يوم ذاك تتسع مساحتها في إيران والمشرق الإسلامي عموما، فجرَّد الخليفة حملة على حدود الدولة الخوارزمية لكنها لم تحقق أهدافها باحتلال أراضي جديدة.
ولما يأس الخليفة والقادة المماليك الترك من أخذ الأرض بالقوة من علاء الدين محمد خوارزم شاه عمد الى الحيل السياسية، فوطد علاقة بغداد بالدولة النزارية في قزوين، وكان النزاريون على المذهب الإسماعيلي فرغم اختلافهم في المذهب مع المذهب الرسمي للدولة العباسية إلا أنهم ارتضوا أن يحالفوا الإسماعيليين على حساب الخوارزمية الأحناف.
في هذا الوقت كان انتصارات جنكيز خان القادم من منغوليا في الصين وما جاورها تتردد أصداؤها في العالم الإسلامي، فقرر الخليفة أرسال الرسل الى جنكيز خان يدعوه لمهاجمة الدولة الخوارزمية الإسلامية من الشرق.
ولم يكن جنكيز خان يومذاك يفكر بالعالم الإسلامي وليست له فكره عن المسلمين، لكن قادة الدولة الإسلامية المتمثلة بالخليفة العباسي هي من شجعت جنكيز على التحرش ببلاد المسلمين واحتلالها.
وهكذا أرسل جنكيز أخاه هولاكو لاحتلال المشرق الإسلامي، فسقطت على أيدي المغول الدولة الخوارزمية، ثم الدولة النزارية، وحينذاك أصبح الطريق مفتوحا أمام المغول للوصول الى بغداد.
كان علاء الدين كاتبا في الديوان للدولة الخوارزمية، وهو من عائلة معروفة بالعمل مع الملوك والسلاطين، بدءا بالسلاجقة ثم الخوارزميين ثم المغول.
وقد رافق علاء الدين الجويني هولاكو في حملاته العسكرية في إيران وغيرها من المناطق، وساهم بشكل فعال في إنقاذ الكثير من خزائن الكتب، خصوصا خزانة الكتب في قلعة ألموت حيث استماح هولاكو باستخراج الكتب النفيسة منها.
كما رافقه في الحملة على بغداد، وكان علاء الدين إضافة الى وظيفته السياسية مؤرخا ممتازا أرَّخ أحداثا دقيقة للفترة التي عاصرها، فكتب (تاريخ جانكشاه) أي فاتح العالم.
وبعد أن استتبت الأوضاع في العراق عيَّنه هولاكو حاكما على العراق ثم انصرف الى بلاده. فتولى حكم بغداد سنة 657 أي بعد سنة من احتلال المغول لبغداد وسقوط الخلافة العباسية، حتى سنة وفاته سنة 681، أي أنه حكم العراق 24 سنة.
كان علاء الدين الجويني من الأماجد والأشراف، ومن الذين جمع الله لهم الدين والدنيا، وحاز وأشرف الدارين وحبوا بالعلم الناجع والعقل الراجح، ومن الذين ازدهت بحسن سيرتهم وازدان بفضل تدبيرهم الأمور والبلاد. حكم بإقامة العدل وسياسة مرضية، ونشر الأمن ومداراة الرعية، وسهل اللقاء لهم سمح العطاء إليهم يفدون إلى سيبه الهامر ونداه الوافر ولا يخيَّبُ أمل آمل.
فتوجه لإعمار البلاد فبذل علاء الدين عطا ملك جهودا كبيرة في تعمير العراق من شق الأنهار وزراعة الأراضي البور وغير ذلك من الأعمال العمرانية التي درَّت بالخير الوفير على العراق وأهله.
فشق نهرا من الفرات عند الأنبار وأجراه في الصحراء الى الكوفة، وقد بلغت نفقات حفر النهر هذا مائة ألف دينار ذهب، وأنشأ على جانبي النهر 150 قرية. فجعل تلك الصحراء تتعانق فيها الأشجار.
كما قام ببناء مكان في واسط سماه المأمن بنى فيه ديوان وجامع وخان وسوق وانتقل إليه ناس كثيرون، وكان الهدف منه أن ينزل فيه التجار القادمون من البصرة ووضع أمتعتهم فيه.
كما اهتم الجويني بالعتبات المقدسة والمدارس الدينية، فبنى رباطا ومدرسة عند مشهد الإمام أمير المؤمنين ع في النجف ليسكنه الزوار والمجاورون وأوقف عليه وقوفا كثيرة.
وحفر نهرا من الفرات بلغت تكلفته مائة ألف دينار لإيصال الماء الى مسجد الكوفة ومنها الى النجف وبنى حوله قرى فحوَّل تلك الأراضي القاحلة الى جنة غناء. وعني بتعمير المشاهد في النجف وكربلاء والكاظمية.
كما أولى العلماء وتقديرا بالغا اهتماما كبيرا فشجع على الكتابة والتأليف، فصنف العلماء الكتب باسمه ككتاب (شرف إيوان البيان) للقاضي نظام الدين الأصبهاني (محمد بن إسحاق).
كما تشوق الى شرح نهج البلاغة فكتب لأجله الشيخ ابن ميثم البحراني كتابه المشهور (شرح نهج البلاغة). وكذلك كتاب (التذكرة الفخرية) الذي ألفه بهاء الدين الأربلي يوم كان في حاشيته.
واعتمد على آخرين منهم في الأمور السياسية والاجتماعية فعيَّن السيد رضي الدين علي بن طاووس نقيبا للسادة الأشراف. وعيَّن السيد تاج الدين ابن الطقطقي العلوي لإدارة الأمور في الحلة.
وكان علاء الدين مؤلفا له كتب منها (تسلية الإخوان) و(تاريخ جهانكشاه) المار ذكره كتبه باللغة الفارسية، كما كان أديبا شاعرا له شعر بالعربية والتركية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat