• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الشرق في عيون الغرب .
                          • الكاتب : د . حميد حسون بجية .

الشرق في عيون الغرب

 الشرق في عيون الغرب

 السكن الحضري في بلاد ما بين النهرين ونشأة أوائل المدن في العالم
                                                            عن موسوعة 
مايكروسوفت|انكارتا
             يبدو أن ثورة السكن الحضري كانت قد حدثت بادئ ذي بدء في الفترة من 
 5500 إلى 3500 قبل الميلاد تقريبا في بلاد ما بين النهرين، التي تشكّل حاليا 
العراق والجنوب الشرقي من إيران وشرق سوريا. ويمكننا استخدام التطورات التاريخية في 
بلاد ما بين النهرين كدراسة حالة  لتقصّي العمليات التي رافقت نشأة الحياة الحضرية 
بشكلها المبكر. فقد كان سهل بلاد ما بين النهرين قاحلا من الناحية الطبيعية، لذلك 
كان القليل من الناس قد سكنوا هناك قبل تطور تقنية الري عام5500 قبل الميلاد. وخلال 
الـ 2000 عاما التالية، وضمن فترة طويلة يسميها علماء الآثار فترة (العُبَيدUbaid 
)، وهم ذلك الشعب الذي تقدمَ بأناة، ولكنه وبرغم كل شيء، وضع الأسس الأولى للمجتمع 
الحضري العالمي. ويعتقد الكثير من الباحثين أنه خلال تلك الفترة جاء الشعب الذي 
يسمى حاليا السومريونthe Sumerians  ليقطن بلاد ما بين النهرين.
          إن المواقع التي تعود إلى فترة ( العُبَيد) جرى اكتشافها في العراق في 
التلال المحيطة الواقعة عند سفوح الجبال الواقعة في إيران وتركيا الحاليتين. وتشترك 
هذه المواقع في العديد من السمات الحضارية، وقد أسهم كل منها كثيرا في عملية فهم 
طبيعة المجتمع الحضري المبكر. بيد أن الموقع الأول  الذي جرى التنقيب فيه، أي موقع 
أريدوEridu ، لا زال يبدو أكثرها تزويدا بالمعلومات. إذ يبدو أن هذا الموقع الذي 
يقع إلى أقصى الجنوب من سهل بلاد ما بين النهرين، وصل إلى أعلى مستوى من التطور من 
بين كل تلك المواقع. وربما لم تكن هذه المستوطنة في الأصل من حيث الحجم أكبر كثيرا 
من أية قرية من القرى التي انتشرت في وديان الجبال الواقعة في المناطق المرتفعة منذ 
عدة ألاف من السنين. بيد أن سكان أريدو عرفوا عن كثب مبادئ الري، وكان التطرف الذي 
يسود مناخ بلاد ما بين النهرين يناسب ما مارسوه من زراعة للقمح والشعير ورعي 
الأغنام والماعز والماشية.
          وفي أريدو أكتشف علماء الآثار أبنية تشبه المعابد يعود تاريخ بنائها إلى 
فترة 3500 قبل الميلاد تقريبا. إن مثل تلك الأبنية في ذلك الوقت المبكر توحي بأن 
المجتمع كان عندئذ قد ازداد نسبيا- بما يقدّر في بعض التقديرات، بأنه أصبح يغطي 
عشرة هكتارات(أي 25 فدانا) ويؤوي 2000 نسمة على أقل تقدير. إن وجود مثل هذا العدد 
الكبير من الناس في مستوطنة واحدة يعني فيما يعنيه تطور العلاقات الاجتماعية إلى 
مستوى جديد من التكامل(أو جمع الشمل) ضمن ذلك المجتمع، إضافة إلى إمكانية الاعتماد 
على المستوطنات المحيطة في الحصول على مستلزمات العيش الأساسية. وفي الفترة الممتدة 
ما بين 3500 و2900 قبل الميلاد، التي تدعى فترة التعلم البدائية، وتشمل فترتي 
أوروكUruk   وجمدة نصر Jemdet Nasr، ازداد عدد المستوطنات التي  تتسع كل واحدة منها 
لسكن أكثر من 1000شخص. وتبين الأواني الفخارية التي تعود لتلك الفترة أن الإنتاج 
الزراعي والحِرَفيّ أصبح أكثر تنظيما.  فقد كانت الأواني الفخارية في تلك الفترة 
تُصنع باستخدام دواليب أو قوالب، وتلك عمليات تسمح بتقديم إنتاج أكبر و تقنين أفضل، 
وتوحي هذه العمليات بوجود اقتصاد  معقد  معتمد على التجارة. وحدث اكتشاف مهم آخر 
يعود إلى تلك الفترة مما يمكن اعتباره دليلا على الجهود المبكرة للكتابة على الحجر 
والطين. وقد استخدم قَدر كبير من تلك الكتابة المبكرة للتدوين، كما يمكن اعتبار ذلك 
دليلا آخر على ما شهده اقتصاد بلاد مابين النهرين من تطور. يضاف إلى ذلك أن 
البنايات التي تعود إلى هذه الفترة والتي حددها علماء الآثار على أنها معابد، تكشف 
عن التعقيد المتزايد لتلك المجتمعات وتصاعد سلّم الرقي فيها. ويبدو أن بعض المعابد 
كانت على شكل مجاميع، وربما كانت تُستخدم كأفنية مقدسة، كما أن العديد منها أُنشئ 
على منصات مرتفعة، سميت فيما بعد بالزقورات(الأبراج المدرجة) ziggurats . وقد يعكس 
تزايد ارتفاع تلك المباني القوة المتنامية  للقيادة الدينية في تلك المجتمعات.
ويكشف الدليل الوارد إلينا من الفترة بين 2900 و2350 قبل الميلاد، وهي الفترة 
المسماة بعهد فجر السلالات، عن تطور جسيم في نمو سكان ما يقارب من أكثر من عشرين من 
تلك المستوطنات، التي إذا ما أخذنا حجم سكانها بنظر الاعتبار، يحق لنا أن نعتبرها 
مدنا. وخلال هذه الفترة أصبح إنتاج الأواني الخزفية والمعادن والمنسوجات  أكثر 
تنظيما، إذ كان يقوم بصناعتها حرفيون مهرة منظمون على شكل مجاميع. فقد كانت الأحجار 
والأخشاب وخامات المعادن وكذلك المواد الغريبة الأخرى المنقولة من أماكن بعيدة 
تُنقل إلى المدن في أراضي السهل المنخفضة حيث يجري صنعها على شكل سلع بشكلها 
النهائي ليستخدمها النخبة من الأعيان المحليين. وعند 2500 قبل الميلاد تقريبا أصبحت 
الكتابة موحدة عبر سهل بلاد مابين النهرين بكامله. وفي نفس الوقت بدأت مواطن تلك 
المجتمعات تتّخذ شكل المدن الحالية: مناطق مكتظة بالسكان مع شوارع قصيرة متعرجة 
وبيوت متعددة الأدوار. ففي السابق كانت المعابد هي أعلى البنايات في المدن، وذلك 
يبيّن أهمية المؤسسات الدينية في حضارة بلاد ما بين النهرين. وعند نهاية هذه 
الفترة، يبدو أن بنايات فسيحة جرى تمييزها على أنها قصور توحي بالسلطة الدنيوية(في 
مقابل السلطة الدينية)، بينما يشير التخصص في الإنتاج وتعدد المنافذ للمصادر 
الاقتصادية إلى طبيعة تركيب المجتمع على شكل طبقات.
ومن الواضح أنه عند نهاية فجر السلالات كانت القرى التي كانت تسودها المساواة بين 
بني البشر– والتي كانت قد تشكلت في الأصل وفق علاقات القرابة- تطورت إلى هرمية 
المدن و الحواضر التي تتسم بوجود طبقات اجتماعية محددة بين مجاميع تنظّمها المِهَن. 
وحين ازداد وجود الطبقات ظهر حكام الدول المدينية(دويلات المدن) و بدأوا الإعلان عن 
أنفسهم  على أنهم ملوك وقادة عسكريون. ورغم أن تفصيلات الصراع على السلطة آنذاك غير 
معروفة لنا الآن، فإن تكرار حالات الحروب بين دويلات المدن المستقلة سياسيا في بلاد 
ما بين النهرين توحي بأن ميزان القوى قد تحوّل إلى أولئك الذين كانوا يتحكّمون 
بقيادة الجيوش.
                                    عن موسوعة مايكروسوفت| إنكارتا 2007
                                                       ترجمة
                                                د. حميد حسون بجية
 
 
      



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=737
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13