إذا ضاق الصدر وتوجّع الفؤاد واُثخن القلب بالجراح ، ولاذت الروح بربّها الكريم ، بأوليائها الطاهرين ، بحجّة الله على العالمين ، بأخيارها الصالحين ، بحكمائها العلماء العارفين ، تستلهم العبر ، تتروّض بالأناة وجميل الصبر ، تقتبس صحيح المعنى من رفيع السِّيَر ، فإنّها تفلح بالسكينة والأمان والثقة والاطمئنان بفعل غوالي درر بصائر اُولي النهى والإيمان ؛
إذ هم بلسم الجراح ومسبار الآلام ومشفى الأسقام ، هم الكهف والملجأ والملاذ من كلّ الأخطار وعوادي الأيام ، تهفو لهم القلوب وترقى بهم العقول ، في قاع الضمير لهم منازلُ وئامٍ وفي خبايا الروح لهم معاقلُ هيام .
آه لو لذنا بهم كلّما آلمتنا ذواتنا ، بفعل جهلنا وإصرارنا على غيّنا ، نشكو غرورنا وتصاعد خطايانا ؛ علّنا نستفيق ونتّخذ إلى ربّنا سبيلاً فيغفر لنا ذنوبنا ويمحو سيّئاتنا .
آه لو لذنا بهم كلّما آلَمْنا غيرَنا ، بفعل سوء أخلاقنا وقلّة أدبنا ، نشكو تقصيرنا وإسرافنا في مساوئنا ؛ علّنا نندم ونُرضي ربّنا و الآخرين عنّا .
آه لو لذنا بهم كلّما الغيرُ آلَمَنا ، نشكو حيفنا وظلامتنا ؛ علّنا بمراجعتنا أنفسنا نعرف مواطن الخلل فينا فنسعى لإصلاح مافسد من اُمور ديننا ودنيانا.
ولكنّ الآه كلّ الآه من إيلام الصاحب الصديق وجفاء العضيد الرفيق ، فإنّه جرحٌ في الصميم أليم .
أمّا : " اُسلوب الإشغال والضرب رأساً برأس " ، و : " تصفية الحساب في موعدٍ لايُخلَف أبداً "و : " مصادرة الابتكار والعطاء ، أو لا قيمة لهما مهما عظما دون مَظهرٍ وحَسَب ونسب " و: " الاسم والرسم والغنيمة للذيول دون الاُصول " ، و : " تخزين الهفوة والفجوة لساعة النقد والاحتجاج " ، و : " الإذلال والتلهيث لقضاء الحاجات وتلبية الطلبات " ، و : " الإرقاء لمن يُهوى وإن قَرُب من صفر الميسرة وإبقاء ماسواه على ماهو عليه وإن زاد على الميمنة ألفا " ، و: " التلويح بسلاح التفضيل والتمييز في مجال الاستعانة بهذا على ذاك، هنا وهناك " ، و : " إبقاء العناصر في دوّامة إثبات أرقى مراتب الطاعة والولاء " و : " سريان منهج حلقات الصراع أو صراع الحلقات " و : " رواج سوق التمثيل والتملّق والتلوّن والتصنّم " ، و : " التهميش " ، و :" المنّة والتحامل والاستعلاء " و : " الترف والبذخ والإسراف " و: " العبد الخادم الذليل أرجح من العالم الفاضل العزيز " و : " الظنّ والشكّ والتهمة وتزلزل الثقة " و: " جعل القشور والمظاهر هي الملاك والعنوان دون الكفاءة والتخصّص والإيمان "... إلخ ..
فهي اُمورٌ باب البحث فيها صعب خطير والنقاش بتفاصيلها واسع مثير والوقوف على مناشئها محزن مرير.
رغم ذلك ، يبقى الصاحب صاحباً والرفيق رفيقاًويظلّ الحبّ عنواناً باسقاًومحتوىً ضارباً في عمق الحنايا والوجدان ؛ إذ القناعة والإيمان والمواقف الغرّ الحسان أشمخ من أن تُنكَر أو يذهب بها النسيان ، بل نصيبها الخلود أنّى طال الزمان وبَعُدَ المكان ؛ حيث قسم الإناء المليان سرمديٌّ مهما كانت طوارق الحدثان .
ولعلّ هذه اللواعج كشقشقةٍ كان لابدّ لها أن تهدر يوماً ما ؛ كي تقرّ سريعاً فلاتُطفئ في القلب نوراً و لاتنشر في الجنان عتمةً تلد فتنةً وأحقاداً يأنس بهما الشيطان ويعزف على أوتارهما أنغاماً وألحاناً .
ولعلّها شكوى مَن يحيا الوحدة بفضاءٍ فيه عشقه وهيامه ، يحيا الغربة بين صحبه ورفاقه ، بين أقرانه واُناسه ، بين قومٍ طاب له المقام معهم حيث طابوا والرحيل حيث ارتحلوا وساروا .. إلّا أنّ النفس إلى اُفق الكرامة ترنو وإلى ألق العزّة تسمو ؛ فترفض سؤالاً يُذَلُّ به سائله ، وتشجب ذالًاّ يأنس بإذلاله ، أو عَلِمَ حاجةَ أخيه المتعفّف ؛ لكن منعه عن أدائها إليه مافيه من الحسّ المستنكف .
نعم ، إذا ضاق الصدر وتوجّع الفؤاد واُثخن القلب بالجراح ، ولاذت الروح بربّها الكريم ، بأوليائها الطاهرين ، بحجّة الله على العالمين ، بأخيارها الصالحين ، بحكمائها العلماء العارفين ، فإنّها عسى ولعلّ أن تُريح وتستريح . |