من تابع الأعمال الوحشية التي قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة، ثم توسعت في أعمالها الإجرامية إلى داخل الأراضي المحتلة عام 48، ازداد تأكّدا ويقينا من خلال تكرار نفس أساليبها الهمجيّة، في قصف بنى الشعب الفلسطيني التحتية، بما فيها من مدنيين في جنوب لبنان وبيروت الضاحية، أن هذا الكيان آيل إلى زوال، مهما ارتكب من عدوان وقام بمجازر، ومهما لقي من دعم أمريكي أوروبي، وأعراب (منافقين) خضعوا لإرادة أسيادهم الغربيين في التطبيع مع إسرائيل، دائسين على حقوق شعب شقيق ظُلِم باحتلال أرضه، وانتهاك مقدّساته، وتشريد شعبه، وإبادة من رفض الخضوع للأمر الواقع، وشهد العالم كلّه مظلمته، فلم ينصره فيها أحد من قبل.
حتى الأنظمة العربية الوطنية منها والعميلة، لم تستطع أن تقدّم شيئا مفيدا للفلسطينيين، بقدر ما أضرّتهم أيّما ضرر، وفرّقت بين قواهم المناضلة، فلم يجتمعوا بعد ذلك على خير، وبقوا طعمة المحتلّ والعملاء يعرقلون جهودهم، ويتآمرون عليهم مع عدّوهم الغاصب، وهذا الأخير ينعم بالأمن والإستقرار، خصوصا بعد موافقته على نصب جهاز سلطة فلسطينية منزوعة السلاح، أفلحت في أداء دور خياني واحد، تمثل في قمع عناصر الحركات الفلسطينية المسلحة، خصوصا الإسلامية منها كحماس، والزج بمن ظفرت بهم في سجنها، وتعريضهم لسوء المعاملة والتعذيب، ومن لم تستطع له طولا، قدّمت إلى إسرائيل بشأنه، بيانات وافية عن هويّته، ومكان اقامته المفترضة، لتقوم أجهزتها بعد ذلك باغتياله اعتمادا على تلك المعطيات.
إسرائيل اليوم وهي في قمّة تهوّرها ووحشيتها، قد أظهرت بالأدلّة القاطعة التي لا تقبل الدّحض، أنّها كيان غريب عن الإنسانية قيما ومعاملات، وأنّها بما أظهرته من فظاعة كيان عنصري مجرم ليس في عقيدته مجال للتعايش حتى مع أهل الأرض التي اغتصبها، فكيف به مع جيران تعرّضوا منه لشتى أنواع الاعتداءات والانتهاكات، وها اليوم في برهنة جديدة على حقيقتها ككيان همجيّ، لا يأبه بما يفعله بحق غيره، مستنصرا بأمريكا ودول الغرب، الذين أعانوه بالعتاد والعباد، ونصّبوه بالقوة على أرض فلسطين، في بداية مشروع استعماري، لكنّه بصورة جديدة مختلفة عن الأسلوب الاستعماري القديم.
وجاء الإمام الخميني ليعلن بكل صراحة ووضوح، أنّ إسرائيل غدّة سرطانية، يجب أن تزول من على أرض فلسطين، وأنّ هذا التكليف واجب على كل مسلم، قادر على مقارعة هذا الكيان، بكل الوسائل المتاحة لديه، وبسّط هذه العملية بقوله: (لو سكب كل مسلم دلوا من الماء على إسرائيل لجرفتها السيول) في فكرة اختزلت عملية أساسية وهي انّ الهدف هو زوال إسرائيل تماما من فلسطين والمنطقة، فلا يبقى لها اثر في أنفس أولئك الذين رضوا بالذّل والخيانة فقاموا بالتطبيع معها.
لوم يلبث أن ظهر مشروع الامام الخميني في تحرير فلسطين فكان منظومة متكاملة إعلامية وثقافية وعسكرية أساسها الإسلام الذي يرفض بصورة قاطعة أن تكون بلاد المسلمين تحت سلطة غير إسلامية مهما كانت الدّواعي، فنشأت من أجل بلوغ ذلك الهدف السامي، حركات إسلامية مقاومة، وكان للحرس الثوري الإيراني دور بارز في دعم هذه الحركات، حتى وصلت اليوم إلى مستوى القوّة التي أهّلتها للوقوف في وجه القوات الصهيونية المعتدية، وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، لم تكن في حسابات إسرائيل ولا خطر على بالها أنها دخلت بتجبّرها واستكبارها مستنقع هلاكها الذي هيّأته لنفسها، وهذا من بركات الثورة الإسلامية الإيرانية، ونظامها الذي نجح في هذا العمل الإعدادي الهامّ، من أجل زوال إسرائيل من المنطقة.
لقد تبدّد اليأس اليوم من أنفس شعوب، ضاقت بهم من قبلُ سبل الأمل بتحرير فلسطين، وهم يرون أنظمة بلدانهم تتسابق إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، بعدما رأوا بأمّ أعينهم وعلى المباشر، كيف بدأ الكيان الدّخيل علينا يتلقى الضربات الموجعة، من حماس والجهاد، وأنصار الله، وحزب الله، والحشد الشعبي، فغدا مرتبكا قد انحطّت معنويات مستوطنيه وجنوده، بعد العجز الذي ظهر عليه في قطاع غزّة، وازداد وضوحا خلال العدوان الأخير على لبنان، حيث لم يظهر جيش الإحتلال قدرة أو نجاحا في إضعاف قوّة حركات المقاومة، ففي قطاع غزّة ورغم كل الدّمار البنيوي الحاصل فيها، بقيت حماس والجهاد في مواقع التصدّي والمواجهة مع القوات الصهيونية المعتدية، ومازالا يكبّدانه عدّو الأمّة خسائر في الأرواح والمعدّات، ويقصفان بالصواريخ غلاف غزة، مستوطنات خالية من مستوطنيها، بعدما فروا إلى مناطق وراءها، اعتبروها آمنة، ولكنه تبيّن لهم أنه ليس هناك مكان آمن في فلسطين.
ينطبق ذلك على المقاومة الإسلامية في لبنان، التي أثبتت أن أسلوب الإغتيالات، وتدمير البنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومدن وقرى الجنوب، لن يعطي القوات الصهيونية إمكانية اجتياح الجنوب اللبناني، فقد مرّ أسبوع على محاولات اختراق خط دفاع القوات المتصدّية، فلم تتنجح في تحقيق أيّ تقدّم يُذكر، ومُنِيت قواته التي زج بها في المعركة، بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وما زالت قواته تراوح مكانها هناك، الهدف المعلن هو إبعاد مدى الصواريخ وقوات حزب الله، عن مجال قصف المستوطنات في شمال فلسطين، وبالتالي إعادة من هرب بجلده من المستوطنين إلى أماكنهم التي كانوا يعيشون فيها بأمان، واليوم تغيّر كطل شيء فلا أمن ولا أمان مستقبلا لكلّ هؤلاء، وإن ركبوا رؤوسهم، فكسر تلك الرؤوس أصبح متاحا بيد محور مقاوم صادق، تدعمه ايران بكل عزم وإصرار، وقد صدقت ايران في تقديرها، بأن حركات المقاومة وحدها تستطيع الحاق الهزيمة بإسرائيل.
إيران تمسك اليوم بإدارة المعركة، وتبدو لي بأنّها ستكون فاصلة، في صورة مواصلة ناتنياهو حماقاته، فيقوم بالردّ على إيران، وهنا سيكون بعد أن تردّ عليه ايران بما وعدت به من 800 الى 1000 صاروخ فرط صوتي حاملة رؤوسا تصل أوزانها الى الطن تقريبا، بعد هذا المسح النهائي للقواعد، سيكون المجال متاحا لاقتحامات المقاومين الأبرار، وانهاء ما تبقى من قوات إسرائيل، فهل وعى المستوطنون ما ينتظرهم مستقبلا، في صورة اقدام رئيس حكومتهم على ارتكاب أيّ عدوان على ايران، والرّدّ سيكون مباشرا وسريعا، نعم لن يبقى لهم سوى البحر يركبونه، فيعودون من حيث جاؤوا، هذا بالنسبة للمستوطنين المُغرّر بهم، والذين لمن لم تتلطخ أيديهم بالدماء الإسلامية، أما من تورطوا في جرائم مع كيانهم، فسيكون حكمهم القصاص النفس بالنفس، ننتظر يوم التحرير بيقين الواثق بأنّه اصبح قريبا ( إنّهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) وما النصر الّا من عند الله العزيز الحكيم.
|