مر المنبر الحسيني بعدة أدوار حفظ خلالها دين وعقيدة الناس عبر تحقيق الهدف الرئيسي من وجوده وهو عرض الاعتقادات الصحيحة والحقة ورد شبهات المبطلين وضلالات المنحرفين وكذلك بيان الأحكام الشرعية كل هذا يندرج تحت مهمته الأساسية وهي إستدرار الدمعة على سيد الشهداء (عليه السلام) وهذا فصل آخر من فصول بقاء الدين وتعاليمه ، فبأسم سيد الشهداء (عليه السلام) يتم الدعوة إلى هداية الناس والأخذ بهم إلى حافات النجاة
وشخصية الخطيب تكونها دراسته في الحوزات الدينية ومدى إتقانه للمطالب العلمية وتهيئته للأدوات اللازمة لهذه المهمة المباركة وقد ورد : عن أبي جعفر الثاني(الجواد )عليه السلام قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس.(١)
وورد أيضا في الحادثة المشهورة عندما جاءوا بالامام زين العابدين (عليه السلام) إلى الشام واراد أن يخطب بعد مقدمات تطول قال: يا يزيد، إئْذَنْ لي أن أصعد هذه الأعواد (أي المنبر) فأتكلّم بكلماتٍ للهِ فيهنّ رضىً ولهؤلاء الجلساء فيهن أجرٌ وثواب(٢)
فعندما لايكون المنبر مهيئا لاستدرار الدمعة على الإمام الحسين (عليه السلام) ولا بيان العقيدة الصحيحة أوالحكم الشرعي أوبيان مكارم الأخلاق وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) التي تشكل بمجموعها خطاب ديني خالص ، تكون اعوادا خالية من المحتوى الرئيسي وكذلك فارغا عن المضمون والغاية فيكون بلا روح تنفعل وتتفاعل مع الغاية الأسمى
ولنتأمل في طبيعة أعواد الشام بماذا كانت تصدح ؟ كانت وزارة إعلام تابعة لجهاز الطاغية بضاعتها السياسة والمواضيع الخارجية التي لا تتناسب مع أصل وجوده لذلك أطلق الإمام (عليه السلام) عليها تسمية الاعواد فهي ميتة دينيا
حتى مسألة معالجة قضايا المجتمع ينبغي أن تكون من نافذة دينية وتحت عناوين مرتبطة بالتأسي بآل محمد (عليهم السلام) وأخذ مضامينها من النهضة الحسينية المقدسة ، لا التعرض بأسلوب سوقي غير متعارف لدى أهل الدين والإيمان وكأن المتحدث من عامة الناس الذين يطلقون الكلام المبتذل العشوائي الغير منضبط بسلوكيات أهل العلم
بدأت للأسف هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بالظهور وشخصياتها ممن لاعهد لهم بتحصيل أو اشتغال أو درس في حوزات العلم فيكون مدعي ماليس فيه، وهي نظير قضية الاعواد التي أشار إليها الإمام (عليه السلام) فأولئك أيضا أدعوا ماليس لهم وغصبوا العناوين من أصحابها فهناك شبه كبير بين الحالين
فالشهرة الزائلة الفانية لاتجلب رفعة بل عاقبتها الهلاك فالرفعة الحقيقية مع آل محمد (عليهم السلام) ومنهجهم القويم وسلوكهم المستقيم الذي هو طوق النجاة في الدنيا والآخرة، أما طلب الشهرة الخداعة بطريقة الترندات الرائجة في أيامنا والتي غالباً ما تؤدي إلى السفاهة والانحدار مما يجعل هؤلاء يسرفون بالكذب وتزييف الحقائق وتارة القول عن جهل تام وبلا دليل أو حجة أو برهان يُستند إليه هذا وحدة مؤشر على انتكاسة هؤلاء بمستنقع يصعب الخروج منه ، أما أصحاب العزاءات (أيدهم الله وحرسهم) كما يختاروا أجود مقتنيات الخدمة كذلك واجبهم أن يختاروا الافضل من الخطباء وهم كثيرون ولكن قد شغلهم دينهم عن طلب مثل هذه المهلكات
كما أن من أهم وظائف المنبر الحسيني هو إحياء ذكر آل محمد (عليهم السلام) والحسين الشهيد المظلوم (عليه السلام) على وجة الخصوص فاستغراق الكلام عن غيرهم غير لائق ومذموم ، فعلينا عدم الخروج عن جادة وطريقة سلفنا الصالح من علماء الطائفة الحقة وكيف تُحيا المجالس في وصاياهم وسيرتهم ، وأهم مايمكن الحرص عليه هو أن يكون الخطيب ممن يلتزم بوصايا المرجعية الدينية العليا وارشاداتها وهذه العلامة مهمة في اختياره .
وفق الله جميع خدمة الحسين (عليه السلام) ونسأل الله أن نكون منهم
__
(١)تحف العقول
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي
|