من ملامحِ التطوّرِ الحضاري للدولةِ في عصرِ الإمامِ عليه السلام
التطوّرُ الحضاري، أُمنيةٌ صارَ لها واقعٌ في بعضِ جهاتها، ويعملُ الناسُ عمومًا على أنْ يُحقِّقوا أكبرَ ما يُمكِنُ أنْ يُحقِّقوه منها، ونسمعُ أنَّ هناك تطورًا حضاريًا، -في دولةِ الإمامِ المهدي-، لم يسبقْ له نظير، فما هي مؤشِّراتُ ذلك التطوّر هناك؟
يُمكِنُ تلمُّسُ الكثيرِ من الجوانبِ الحضاريةِ في دولةِ الإمامِ المهدي من خلالِ النقاطِ الآتية:
النقطة الأولى: العلاقات الاجتماعية:
تطوّرُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ بينَ بني البشر عمومًا، الأمرُ الذي يحكي عن تآلفٍ لم يسبقْ له نظيرٌ بين كُلِّ البشر على اختلافِ قومياتهم ولغاتهم، الأمرُ الذي يعني ذوبانَ كُلِّ الفروقِ العنصريةِ والمذهبيةِ والقوميةِ في بوتقةِ الإنسانيةِ العامة وفقَ نظامِ الإسلامِ الذي هو دينُ السلامِ والتعارفِ والتعاون، وهذا ما سينعكسُ على أمنٍ عامٍ تنعمُ به البشريةُ في كُلِّ أرجائها، وهو ما أكّدته العديدُ من الرواياتِ الشريفة، ومنها:
ما رويَ عنِ أمير المؤمنين أنّه قال: ولو قد قامَ قائمُنا لأنزلتِ السماءُ قطرها، ولأخرجتِ الأرضُ نباتها، ولذهبَ الشحناءُ من قلوب العباد، واصطلحتِ السباعُ والبهائمُ حتى تمشي المرأةُ بينَ العراقِ إلى الشام لا تضعُ قدميها إلا على النباتِ وعلى رأسها زينتها لا يُهيجها سبعٌ ولا تخافه.
وعن النبي قال: تأوي إليه أمّته كما تأوي النحلةُ إلى يعسوبها، يملأ الأرضَ عدلًا كما مُلئت جورًا، حتى يكونَ الناسُ على مثلِ أمرهم الأولِ، لا يوقظ نائمًا، ولا يهريق دمًا.
وعن أميرِ المؤمنين: فيسيرُ المهديبمن معه، لا يحدثُ في بلدٍ حادثةً إلا الأمنَ والأمانَ والبشرى.
وهذا ما سيُفرِزُ في نتيجتِه تآلفًا عامًّا واتحادًا قويًا وإنهاءً للخلافات أيًا كانت، فقد رويَ عن أميرِ المؤمنين علي بن أبي طالب، قال: قلتُ يا رسولَ الله، أمِنّا -آلَ محمدٍ- المهدي، أو من غيرنا؟ فقال رسولُ الله: «بل مِنّا، يختمُ اللهُ به الدين، كما فتحه بنا، وبنا يُنقذون من الفتن، كما أُنقذوا من الشرك، وبنا يؤلِّفُ اللهُ بين قلوبهم بعد عداوةِ الفتنةِ إخوانًا، كما ألّفَ بينَ قلوبِهم بعدَ عداوةِ الشرك، وبنا يُصبحون بعد عداوةِ الفتنة إخوانًا، كما أصبحوا بعدَ عداوةِ الشركِ إخوانًا في دينهم» .
النقطة الثانية: التطوّرُ التربوي والمعرفي:
وهو مما يكشفُ أسرارَ الكونِ وأنظمته، ومن ثمّ يؤدي إلى تجاوز العقباتِ التي تعترضُ الإنسانَ في علاقته مع الطبيعة، الأمرُ الذي يسبقه تطوّرٌ للعقولِ وطرقُ التحليلِ والمعرفةِ وجمعِ المعلوماتِ والاستنتاج منها، وغيرها من الأساساتِ والسياقاتِ العامةِ للمعرفة، وقد عبّرتِ الرواياتُ عن هذه المعاني بتعبيراتٍ بعضُها كنائيةُ وبعضُها صريحة، ومن ذلك ما رويَ عن أبي عبد الله قالَ: «العلمُ سبعةٌ وعشرون حرفًا، فجميعُ ما جاءتْ به الرسلُ حرفانِ، فلم يعرفِ الناسُ حتى اليوم غيرَ الحرفينِ، فإذا قامَ القائمُ أخرجَ الخمسةَ والعشرين حرفًا، فبثّها في الناسِ وضمّ إليها الحرفين؛ حتى يبثّها سبعة وعشرين حرفًا».
وما رويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللهُ يَدَه عَلَى رُؤُوسِ الْعِبَادِ، فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وكَمَلَتْ بِه أَحْلَامُهُمْ».
النقطة الثالثة: التطوّرُ الاقتصادي والعمراني:
لا شكَّ أنَّ من أهمِّ معالمِ الحضارةِ هو التطوّرَ العمراني، والوفرةَ الاقتصادية، إذ إنّ من أهمِّ ما يضفي على الحياةِ راحةً وطمأنينةً هو أنْ يُحرزَ أفرادُ المجتمعِ أرزاقَهم وما يدفعون به العوزَ عن أنفسهم، وكُلّما كانتْ طرقُ التوفيرِ مُريحةً انعكسَ ذلك على طمأنينةٍ نفسيةٍ واستقرارٍ روحي، فإذا أضيفَ له عمرانٌ مُتقَنٌ وبنى تحتيةٌ قوية، فإنّه ستزدادُ الراحةُ النفسيةُ بشكلٍ ملحوظ، الأمرُ الذي يُحقِّقُ إحدى مُفرداتِ الحضارةِ والتطوّر.
فإذا شملَ هذا الأمرُ كُلَّ مرافقِ الحياةِ واُستُثمرت الثرواتُ الزراعيةُ والصناعيةُ والثرواتُ المائيةُ والحيوانية والمعدنية، حينها سيكونُ التطوّرُ الحضاري في أعلى مُستوياتِ نشوته وعظمته.
وهو أمرٌ نلمسُه بوضوحٍ في الرواياتِ التي حكتِ الحياة زمنَ الظهور، ومنها:
ما رويَ عن أبي جعفرٍ يقول: القائمُ منصورٌ بالرعبِ مؤيدٌ بالنصر، تطوى له الأرضُ وتظهرُ له الكنوز، ويبلغُ سلطانه المشرقَ والمغرب، ويظهرُ اللهُ به دينَه ولو كره المشركون. فلا يبقى في الأرضِ خراب إلا عمر.
وعن أبي سعيدٍ الخدري (رضي الله عنه) قال: قالَ رسولُ اللهِ: «ينزلُ بأمتي في آخرِ الزمانِ بلاءٌ شديدٌ من سلطانهم، لم يسمعْ ببلاءٍ أشدّ منه، حتى تضيق عليهم الأرضُ الرحبة، حتى تملأ الأرضُ جورًا وظلمًا، لا يجدُ المؤمنُ ملجأ يلتجئ إليه من الظلمِ، فيبعث اللهُ رجلًا من عترتي، فيملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا، كما مُلئتْ جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكنُ السماءِ وساكنُ الأرض، لا تدّخرُ الأرضُ من بذرِها شيئًا إلا أخرجته، ولا السماءُ من قطرِها شيئًا إلا صبّه اللهُ عليهم مدرارًا».
وعن رسولِ الله يقول: «لا يزالُ بكم الأمرُ حتى يولد في الفتنةِ والجورِ من لا يعرفُ غيرَها حتى يملأ الأرض جورًا، فلا يقدرُ أحدٌ يقولُ: الله، ثم يبعثُ اللهُ رجلًا منّي ومن عترتي، فيملأ الأرضَ عدلًا كما ملأها من كانَ قبله جورًا، وتُخرج له الأرضُ أفلاذَ كبدها، ويحثو المالَ حثوًا ولا يعده عدًّا، وذلك حينَ يضربُ الإسلامُ بجرانه».
|