• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عليٌّ.. وتُجَّارُ الضلال! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

عليٌّ.. وتُجَّارُ الضلال!

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة111)
 
البيعُ والشراءُ من أكثر المعاملات المالية التي عرفها البشر، وأساسه طرفا العقد: المشتري والبائع، وطرفا المعاملة: الثَّمَن والمُثمَن، فيطلب المشتري ما لا يملك، ويعطي للمالك ثمنه.
 
لكنّ الآية المباركة تتحدَّثُ عن بيعٍ من نوعٍ خاص، المشتري فيه هو الله تعالى، وهو مالكُ كلّ شيء حقاً، فليس من شيءٍ خارجَ سلطانه تعالى، رغم ذلك يشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وهو المالك لها، لا يناله منها ولا منهم نفعٌ ولا ضرٌّ، رغم ذلك اشتراها منها، فيقدِّمون أنفسهم وأموالهم في سبيله رغم غناه عنها.
 
والبائع: هو المؤمن، يبيع (نفسه وماله) لله تعالى، وقد تمكّن المؤمن من التصرُّف بإقدار الله تعالى، لا على نحو الاستقلال، والثمن مقابل ذلك هو (الجنة).
 
هي تجارةٌ إذاً بين الله تعالى وبين المؤمنين، ويفسِّر الإمام زين العابدين عليه السلام المؤمنين هنا بأنّهم الأئمة (تفسير القمي ج‏1 ص306)، فهم مصداقُ من باع نفسه لله مطلقاً، ومَن سِواهم من المؤمنين دون ذلك.
 
وقد نزلت آيةٌ أخرى في أول الأئمة أمير المؤمنين عليه السلام: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) (البقرة207)
فعن الباقر عليه السلام: إنها أنزلت في علي بن أبي طالب ع حين بذل نفسه لله و لرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول الله ص لما طلبته كفار قريش (تفسير العياشي ج‏1 ص101).
 
ولمّا بلغ النبي والأئمة تلك المنزلة، صاروا جزءاً من التجارة بين الله والمؤمنين، فصار اتِّباعُهم بنفسه محلَّ بيعٍ وشراء بين الله تعالى وبين سائر العباد، فيشتري الله تعالى من المؤمن نفسَه بأن يتبع نبيَّه ووليَّه، ويحصل مقابل ذلك على الجنّة!
 
إن الإنسان لا يتمكن من التصرُّف بما لا يملك، والنفسُ ليست ملكاً للإنسان على نحو الإطلاق، وهو ليس مأذوناً بمطلق التصرُّف فيها، فليس له أن يقتل نفسه أو يوردها المهالك، إنما يملكُ منها ما ملَّكهُ الله تعالى، وما لم يكن تصرُّفه مأذوناً من المالك الحقيقي كان باطلاً.
 
هذا في نفسه وماله، فليس له أن يبيعها إلا بما يرضي الله تعالى..
 
لكن على المقلب الآخر، فئةٌ من الناس تبيع وتتاجر بدين الله! وآياته عزّ وجل!
 
فتنقلب التجارة عند هؤلاء من تجارة الحق مع الله، إلى تجارة الضلال مع الشياطين!
 
فَمَن هم تُجَّارُ الضلال هؤلاء؟!
 
ما تركت آيات الكتاب الأمر مُبهَماً، فذكَرَت نماذج منهم:
 
النموذج الأول: من يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً
 
قال تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتي‏ ثَمَناً قَليلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (البقرة41)
 
فُسِّرَت في الروايات بجحود آيات الله المنزلة لنبوّة محمد (ص) وإمامة عليّ والأئمة من عترته (تفسير الإمام العسكري ص229).
فجاحدُ النبوّة والإمامة ممّن اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً.
 
النموذج الثاني: الذين يشترون الضلالة
 
قال تعالى: (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ أُوتُوا نَصيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُريدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبيلَ) (النساء44)
 
وقد فُسِّرَت بأنهم الذين (ضلّوا في أمير المؤمنين) و(أخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين) (تفسير القمي ج‏1 ص140).
 
النموذج الثالث: الذين يكتمون ما أنزل الله
 
قال تعالى: (إِنَّ الَّذينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ في‏ بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ) (البقرة174)
 
وقد فُسِّرَت في الروايات بأنهم الذين يكتمون ما أنزل من: ذِكْرِ فَضْلِ مُحَمَّدٍ ص عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ، وَفَضْلِ عَلِيٍّ ع عَلَى جَمِيعِ الْوَصِيِّينَ (تفسير الإمام العسكري ص586).
 
هي فئاتٌ ثلاثة تجتمع في تجارة الضلال، محوَرُها مخالفة محمدٍ وآل محمد عليهم السلام، ومراتبها ثلاثة:
 
1. الجاحد للنبوة أو الإمامة.
2. الضال عن الإمامة والساعي لإضلال غيره عنها.
3. الذي يكتم فضل محمد (ص) على الأنبياء، وفضل عليّ (ع) على الأوصياء.
 
صار هؤلاء ممّن عصى الله في أحب الأشياء إليه بعد التوحيد، فخالفوا الفطرة التي فُطِرَ الناسُ عليها في الإيمان بالنبي والإمام، فهؤلاء (لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)، وفُسِّرت بأنه لا يكلمهم: بِكَلَامٍ خَيْرٍ، بَلْ يُكَلِّمُهُمْ بِأَنْ يَلْعَنَهُمْ وَيُخْزِيَهُمْ وَيَقُولُ:
بِئْسَ الْعِبَادُ أَنْتُمْ، غَيَّرْتُمْ تَرْتِيبِي، وَأَخَّرْتُمْ مَنْ قَدَّمْتُهُ، وَقَدَّمْتُمْ مَنْ أَخَّرْتُهُ، وَوَالَيْتُمْ مَنْ عَادَيْتُهُ، وَعَادَيْتُمْ مَنْ وَالَيْتُهُ (تفسير الإمام العسكري ص586).
 
هذا حالُ من غيَّرَ ترتيب الله تعالى، فَقَدَّمَ وأخَّرَ على هواه.
فكم هو خطيرٌ شأنُ هذا المذهب، وكم هو عظيمٌ عقابُ من يتلاعب بدين الله تعالى ويُبَدِّلُ فيه، فينتمي إلى (نقابة تُجّار الضلال)!
 
ما هو حال من يجحدُ منقبةً من مناقب آل محمد، أو يُخرج الناس عن ولايتهم، أو يكتم شيئاً من فضائلهم..
 
مِن هؤلاء التُجّار يحذرُ المؤمن، ولو خطّوا كُتُباً، وتظاهروا بالورع والخشوع، وتسربلوا بسربال العلماء، وتصنَّعوا الفقاهة، وادّعوا الشجاعة..
 
فإنّهم أعداء الله.. وأعداء محمدٍّ وعليّ..
نبرأ إلى الله تعالى وإلى نبيّه ووليه منهم..
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=177918
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 02 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28