• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : عولمة المشروع الحسيني .
                          • الكاتب : السيد منير الخباز .

عولمة المشروع الحسيني

عولمة المشروع الحسيني تعني ان الحسين مشروع عظيم لطلب الإصلاح، ولكن لا ينبغي ان ينحصر الإصلاح بالصور التي نقوم بها سنويًا في مراسم إحياء ذكرى استشهاده عليه السلام.

فوجود المواكب والمجالس والقنوات الفضائية وجميع الألوان التي نحن نمارسها سنويًا أمر ضروري ومطلوب، لكن الإصلاح لا ينحصر بهذا، بل نحتاج إلى أن يتحوّل الحسين إلى رقم عالمي، لأنه أحق فرد بأن ينال هذا الرقم العالمي.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

صدق الله العلي العظيم

حديثنا انطلاقًا من الآية المباركة في عدّة محاور:

المحور الأول: العلاقة بين إرادة الله وإرادة العبد
ما هي العلاقة بين الإرادتين؟ الله تبارك وتعالى يقول في آية: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، ولكنه يقول في آية أخرى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾، ويقول في هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، فما هي العلاقة بين الإرادتين: الإرادة الإلهية والإرادة البشرية؟

هي علاقة المفيض مع واسطة الفيض، مثلًا: عندما يريد الإنسان أن يكتب قصيدة على ورق، وجود هذه القصيدة يحتاج إلى عنصرين: مفيض وواسطة في الفيض، المفيض هو أنا صاحب القصيدة، أنا الذي أنشأتها، أنا الذي تصورتها، أنا الذي أردت كتابتها، فأنا المفيض، يعني أنا الذي أعطي هذه القصيدة وجودًا وتحققًا، لكن لا أستطيع أن أكتب القصيدة على الورق إلا بقلم، إلا بحبر، إلا بورق، فأنا المفيض والقلم واسطة في الفيض، أنا أجسّد القصيدة وأوجدها لكن أوجدها عبر واسطة، وهي القلم والحبر. إذن، هناك مفيض، وهناك واسطة في الفيض، وبهما معًا وجدت القصيدة.

كل حادث مادي في هذا العالم الذي نحن نعيش فيه يتوقف وجوده على عنصرين: مفيض وواسطة في الفيض، مثلًا: تكونك جنينًا في بطن أمك يحتاج إلى مفيض وواسطة في الفيض، المفيض هو البويضة الملقحة، والواسطة في الفيض رحم الأم، أو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، بالنتيجة أنت تحتاج إلى عنصرين: مفيض وواسطة في الفيض.

نفس الكلام بين إرادة الله وإرادة العبد، العبد يريد عملًا من الأعمال، أنا أريد أن أصلي، أريد أن أذهب إلى مجلس القراءة مثلًا، وجود الصلاة حادث من الحوادث، يحتاج إلى عنصرين: مفيض يفيض الصلاة، وواسطة في الفيض، من هو المفيض ومن هو الواسطة في الفيض؟ المفيض هو الإرادة الإلهية، الوجود منه تعالى، هو الذي يعطي الوجود، هو الذي يعطي الفيض، فهو المفيض تبارك وتعالى، أما أنا إرادتي واسطة في الفيض، لولا أني أريد الصلاة ما أوجد الله الصلاة، أوجدها لأنني أنا أريد الصلاة، هو الموجد، هو المفيض، هو المعطي للوجود، لكن أنا الإنسان واسطة، إرادتي واسطة في الفيض.

لذلك، عندما يقول في آية: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ يعني مشيئتكم لا تكفي في الوجود، لأن مشيئتكم مجرّد واسطة، أما المفيض للوجود فهو الله، فمشيئتكم لا تكفي، وأيضًا مشيئة الله تبارك وتعالى ربطها الله بمشيئتك أنت أيها العبد، إذا أنت أردت الصلاة أفاض عليك الصلاة، إذا أنت أردت المشي أفاض عليك المشي، فهو المفيض وأنت الواسطة في الفيض، قال تبارك وتعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾، الذي يريد الدنيا، الذي يريد مناصب الدنيا، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾، هو المفيض لكن الإرادة بيدك، تريد الدنيا يفيض عليك الدنيا، تريد الآخرة يفيض عليك ثواب الآخرة، فإرادته هي المفيض، وإرادة العبد واسطة في الفيض، ولذلك قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ يعني لا تحصل إفاضة إلا إذا هم أرادوا هذه الإفاضة، لا يمكن الله أن يريد لهم التغيير إذا لم يريدوا هم التغيير، إذا لم تتحقق منهم إرادة التغيير، فإرادتهم تعالى رُبِطَت بإرادة العبد، وعلاقة إرادته بإرادة العبد علاقة المفيض بواسطة الفيض.

المحور الثاني: التغيير الاجتماعي والتغيير الفردي
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ هذا تغيير اجتماعي، ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ هذا تغيير ذاتي، هناك علاقة ترتّب بين التغيير الاجتماعي والتغيير الفردي، فهناك علاقة بين إرادة التغيير الاجتماعي وإرادة التغيير الفردي، التغيير الاجتماعي منوط بالتغيير الفردي. نحن نريد التغيير الاجتماعي، ولا يمكن أن نحصل عليه حتى يحصل تغيير فردي ذاتي. التغيير الفردي يعتمد على ركيزتين: ثقافة المسؤولية، والثقة بالقدرة على التغيير.

الركيزة الأولى: ثقافة المسؤولية
كثير منا يقولون: أنا لا يهمني المجتمع، أنا يهمني نفسي، أنا أصلح نفسي وأهذب نفسي، أما المجتمع كيف يكون، صلح أم فسد، هذا أمر لا يهمني، الذي يهمني نفسي وإصلاح نفسي، وأما المجتمع فكيفما كان فليكن. هذا غلط، لا بد أن تقوم بثقافة المسؤولية، لا بد أن يكون لك شعور بثقافة المسؤولية، أنت مسؤول عن التغيير الاجتماعي، أنت مسؤول عن رسالة تقوم بها، كل منا مسؤول، لا ينحصر الأمر في العلماء ولا في المنابر ولا في المساجد، كل مسلم فهو مسؤول، مسؤول عن نشر دينه، مسؤول عن نشر القيم الفاضلة التي دعا إليها دينه، كل مسلم منا مسؤول، لماذا؟

القرآن الكريم يقول: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، مسؤولة التواصي، أوصي صديقي، أوصي زميلي، أوصي جاري، أوصي عائلتي، أوصي قومي، هذه مسؤولية لا يمكن الفرار منها. قال تبارك وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، كل واحد منا له ولاية على الثاني، أنا لي ولاية عليك، يعني ولاية الأمر بالمعروف، أنت لك ولاية عليَّ، ولاية الأمر بالمعروف. وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.

إذن، أنت مسؤول، لا يصح أن تقول: أنا لا علاقة لي بالآخرين! أنت مسؤول عن صديقك، عن عائلتك، عن زميلك، عن كل شخص تستطيع أن تؤثر فيه، أنت مسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنت مسؤول عن الدعوة إلى الخير، يعني الدعوة إلى القيم الفاضلة، هذه مسؤولية لا يمكن الفرار منها. كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، يعني عليكم إصلاح أنفسكم، أيضًا قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، واجبك إصلاح نفسك وإصلاح غيرك، ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

إذن، الركيزة الأولى أن تحمل ثقافة المسؤولية، هذا معنى ﴿يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، كيف يغيرنا الله إذا نحن لم نغيّر؟! كيف يغيّر الله مجتمعاتنا إذا كان كل واحد منا يقول: أنا لست مسؤولًا عن نفسي وإنما أنا مسؤول عن نفسي؟! تغيير المجتمع بتغيير النفس، وتغيير النفس بتحمّل ثقافة المسؤولية، بالتعرّف على ثقافة المسؤولية.

الركيزة الثانية: الثقة بالقدرة على التغيير
هنا الناس أصناف ثلاثة: صنف يجلد في ذاته، يقول: أنا أين؟! أنا لا أستطيع أن أغيّر شيئًا، أنا ليس عندي معرفة، ولا عندي قدرة، ولا عندي لسان، فكيف أستطيع أن أغير؟! أنا ليس عندي مواهب، ولا عندي قدرات، ولا عندي خبرات، ولا عندي طاقة معرفية أو دينية أو بيانية، كي أكون قادرًا على التغيير! وقسم ثانٍ من الناس يعيش النزعة البكائية كما يعبِّر بعض علماء النفس، هذا المجتمع لن يصبح صالحًا، وهذا ميؤوس منه، ولا مناص من ذلك، ولا داعي لأن نتعب أنفسنا، فلنظل مرتاحين! هذا يعيش نزعة بكائية يائسة، وكلا هذين النمطين نمط غير صحي، نمط غير سليم.

نحن نحتاج إلى النمط الثالث، أن تثق بقدرتك على التغيير، نحن دائمًا نتعامل مع أنفسنا بجلد الذات فردًا أو مجتمعًا، دائمًا أجلد في ذاتي، دائمًا أحقّر نفسي، دائمًا أحقّر قدراتي ومواهبي، أو عندنا مواهب اجتماعية لكننا نحقّرها ونصغّرها، نحن عندنا أسلوب جلد الذات، جلد الذات من الأساليب التي تعوق أمام تقدّمنا، أمام عملية التغيير، لا يمكن أن تحصل عملية تغيير اجتماعي ونحن نمارس أسلوب جلد الذات، تحقير نشاطاتنا، تحقير مواهبنا، وتحقير مواهب أبنائنا وزملائنا وإخواننا، ما دمنا نعيش جلد الذات لن نتغيّر.

لذلك، ورد عن النبي محمد : ”تفاءلوا بالخير تجدوه“، وورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق : ”من أعطى ثلاثًا أعطي ثلاثًا، من أعطى الشكر أعطي الزيادة، وذلك قوله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، ومن أعطى التوكّل أعطي الكفاية، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة، وذلك قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾“. أنت بادر حتى تعطى، بادر للتوكل، بادر للدعاء، بادر للعمل، حتى تحصل على العطاء المقابل.

وعندنا نمط آخر: النزعة البكائية، هذا المجتمع لا خير فيه، هذا المجتمع لا يصلح! وإذا رأينا شخصًا يعمل نحطّمه أيضًا، نقول: علام تتعب نفسك؟! لن يتغيّر شيء أبدًا! عندنا شباب عندهم طاقات، يعملون ضمن المساجد، ضمن المآتم، ضمن المواكب، ضمن الأعمال الخيرية، نقوم بتحطيمهم، بتوهينهم، حتى يتراجعوا عن العمل، لماذا؟ لأنَّ المجتمع لا يتغيّر! هذه نزعة بكائية يائسة، القرآن الكريم يرفضها، القرآن الكريم يركز على النزعة التفاؤلية، القرآن الكريم يقول: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾، وقال في آية أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾.

إذن المجتمع فيه خير، فيه أناس، فيه طاقات، فيه مواهب، أنت تحتاج إلى المبادرة، لا أن تعيش النزعة البكائية اليائسة. لذلك، نحن نحتاج إلى النمط الثالث، التفاؤل، الثقة بالقدرة على التغيير، أن تثق بأنك قادر على التغيير. في المدرسة السلوكية في علم النفس يقولون: بناء الذات بالتقويم الإيجابي، إذا لم يكن عندك تقويم إيجابي لنفسك لا تستطيع أن تبني شيئًا، أنت لا تستطيع أن تبدع في دراستك الجامعية إذا لم تثق بقدراتك، لا تستطيع أن تبدع في وظيفتك وعملك إذا لم تثق بقدرتك وخبرتك، أنت تحتاج إلى أن تثق بقدراتك وطاقتك ومواهبك، تحتاج أن تشجّع نفسك، تحتاج أن تلقّن نفسك على أنك قادر، هذا التلقين بالثقة هو التقويم الإيجابي الذي نحتاج إليه، نحتاج أن نشجّع طاقاتنا، نشجّع مواهبنا.

شخص عنده موهبة في الخطابة، شخص عنده موهبة في الشعر، شخص عنده موهبة في العلوم العقلية، شخص عنده موهبة في… إلخ، كل من عنده موهبة نتعامل معه بأسلوب التقويم الإيجابي، حتى يكون فاعلًا على التغيير، حتى يكون عضوًا مهمًا في عملية التغيير الاجتماعي.

المحور الثالث: عناصر الشخصية التغييرية
هل نحن نمتلك عناصر التغيير؟ لو أردنا أن نسعى إلى عملية التغيير، هل نحن نمتلك عناصر التغيير؟ بمعنى آخر: كل منا هل يمتلك عناصر الشخصية الاجتماعية القادرة على عملية التغيير، أم لا؟ كل إنسان منا له شخصية فردية وله شخصية اجتماعية، نحن لا نبحث الآن عن الشخصية الفردية، نحن الآن نبحث عن الشخصية الاجتماعية. هل نحن نمتلك عناصر الشخصية الاجتماعية القادرة على التغيير أم لا؟ نحن نمتلك ذلك، نرجع إلى القرآن الكريم لنرى كيف يتحدّث عن عناصر الشخصية الاجتماعية.

العنصر الأول: القدرة على التكامل والتلاقح
لاحظوا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، ما هو التعارف؟ التعارف هو التكامل، أتعرف عليك فأستفيد من تجربتك، تتعرف عليَّ فتستفيد من تجربتي، وهذا ما عبّر عنه بعض علماء الاجتماع بحوار الحضارات، نحن نحتاج إلى حوار الحضارات، لا إلى صراع الحضارات، كل حضارة تستفيد من تجارب الحضارة الأخرى، التعارف بمعنى تلاقح التجارب، تلاقح المواهب، تلاقح الخبرات، فأنت تملك عنصرًا، وهو عنصر القدرة على التعارف واكتساب الخبرة من الآخرين.

العنصر الثاني: الخيرية
كل إنسان يحب الخير، حتى الذي تراه يابسًا خشنًا يحب الخير، لا يوجد شخص لا يحب الخير، كلٌّ منا يعيش نزعة الخير، يحب للآخرين الخير، لا داعي لأن نجلد أنفسنا ونحارب أنفسنا لهذه الدرجة، كل واحد منا يحمل نزعة الخير، ويحب العطاء والخير، القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾، كل إنسان يحب الخير، بل يحب الخير بشدة، الإنسان يحب أن يعطي الآخرين، يحب أن يقدّم خدمات للآخرين، فلنشجعه على هذه الروح، فلنشجع أنفسنا على روح العطاء والبذل للآخرين، ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾.

إذن، نشجع أنفسنا على الإنفاق، إنفاق الوقت، إنفاق الجهد الذهني، إنفاق الجهد البدني، إنفاق الجهد المالي. كل إنسان ينفق ما يقدر عليه، هناك إنسان يقدر أن ينفق من وقته، هناك إنسان يقدر أن ينفق من جهده البدني، هناك إنسان يقدر أن ينفق من عقله، هناك إنسان يقدر أن ينفق من أمواله، كلٌ ينفق ممّا عنده، ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾.

العنصر الثالث: عنصر الإضاءة
القرآن الكريم يذكر هذا العنصر: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾، الإنسان الذي يحمل النور سينتقل النور منه إلى غيره، هذا عنصر إضاءة، عنصر إشراق، إذا أنت تحمل نورًا، نور الإيمان، نور العلم، نور صفاء النفس، كل إنسان يمتلك نورًا، هناك من عنده نور الإيمان، إنسان مؤمن، هناك من ليس بمؤمن ولكن أخلاقه طيبة، هذا أيضًا يحمل نورًا، هناك إنسان عنده علم، هذا أيضًا يحمل نورًا، كل من يحمل نورًا فالنور بطبيعته يسري للغير. لا تحتقر نفسك، كلٌّ منّا يحمل ذرّة من النور، أنت عندك إيمان إذن عندك نور، أنت عندك فكر إذن عندك نور، أنت عندك طيب أخلاق إذن عندك نور، أنت قادر بما عندك من نور أن تنير غيرك وأن تضيء غيرك، ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾.

العنصر الرابع: قيمة الإنسان بإنجازه
القرآن يقول: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾، سعيك هو قيمتك، سعيك هو الذي يحدّد شخصيتك، ماذا قدّمت؟ أنت عمرك ثلاثون سنة، عمرك أربعون سنة، حاسب نفسك، ماذا قدمت لمجتمعك؟ أنا الآن أعيش في مجتمع مؤمن، هذا المجتمع المؤمن يحتاج إلى عملية تغيير، يحتاج إلى إصلاح، يحتاج إلى قيم فاضلة، يحتاج إلى معارف، ماذا قدّمت لمجتمعي؟! عمري ثلاثون سنة، أربعون، خمسون، ستون، فلأسأل نفسي: ماذا قدّمت لمجتمعي؟! فلأراجع عمري، ما هي الإنجازات التي قدّمتها؟! قيمتي الاجتماعية بإنجازي.

العنصر الخامس: تجاوز الانفعال
أتستطيع أن تتجاوز الانفعال أم لا تستطيع؟ تستطيع، إذا أساء إليك شخص تستطيع أن تتجاوز عن إساءته، إذا احتقرك إنسان تستطيع أن تتجاوز عن احتقاره، تستطيع أنت بما لك من قوة أن تضبط أعصابك، أن تضبط انفعالاتك، أن تضبط مزاجك، أن تتعامل مع الآخرين بالبسمة، بالانفتاح، كما ورد عن الإمام زين العابدين: ”وسدّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر. اللهم وفّقني أن أشكر الحسنة، وأغضي عن السيئة“، إن أحسن الآخرون إلي فشكرًا جزيلًا لهم، وإن أساؤوا إليّ غفر الله لهم.

النبي لما خرج إلى الطائف وأمروا صبيانهم وسفهاءهم أن يخرجوا ويلقفوا محمدًا بالحجارة، ودميت رجاله من الدماء، إلى أن استند إلى حائط، ورفع يديه، قال: ”اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون“. القرآن يقول: أنت تقدر، ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾. هذه هي عناصر الشخصية الاجتماعية بنظر القرآن الكريم، لا تستطيع أن تقول: أنا لا أمتلك هذه العناصر! إذا كنت لا تمتلك هذه الستة فعلى الأقل تمتلك ثلاثة أو أربعة منها، أنت قادر على أن تصبح شخصية اجتماعية تغييرية، فلا تتعامل مع نفسك بجلد الذات، بل تعامل مع نفسك بأسلوب التقويم الإيجابي.

المحور الرابع: المشروع التغييري الحسيني
الحسين قاد مشروعًا تغييرًا، الحسين قاد مشروعًا عبّر عنه بقوله: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“. هناك من كتب عن ثورة الحسين، لماذا ثار الحسين؟ لماذا خرج الحسين؟ اختلفت الأقلام والنظريات، فمنها:

النظرية الأولى: طلب السلطة
بعض الأقلام قالت: خرج الحسين من أجل أن يصل إلى السلطة، لكن لم يوفّق فقُتِل! الحسين كان يعلم بمقتله، فكيف يخطّط للوصول إلى شيء يعلم أنه لن يصل إليه؟! وقد قال على الصفا: ”خُطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلا بين النواويس وكربلاء، فيملأن منها أكراشًا جوفى وأجربة سغبى، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين“. إذن، هذه النظرية غير تامّة.

النظرية الثانية: الحصول على درجة الشهادة
هذه النظرية تقول أنَّ الحسين خرج من أجل الشهادة، حتى يستشهَد ويحصل على درجة راقية في الجنة! هذه لا تلائم شخصية الحسين، الحسين وأهل البيت فنوا في الله عز وجل، لا يفكّرون إلا في دين الله، لا يفكّرون في مصالحهم الشخصية، والله أحصل على ثواب، وأحصل على درجة كبيرة في الجنة، وأحصل على منصب عالٍ في الجنة! الحسين لا تقوده هذه الدوافع، لأن الحسين فني في الله، لأن الحسين ذاب في الله، ”السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاء على مرضاة الله، والمستقرين في أمر الله، والتامّين في محبة الله“، أهل البيت لا يفكّرون في ثوابهم وجنّتهم، الإمام أمير المؤمنين علي يقول: ”ركعةٌ لي في دنياكم خيرٌ لي من الجنة وما فيها“، أنا لا أفكّر في الجنة بقدر ما أفكّر في لقاء محبوبي، ألا وهو الله عز وجل. أهل البيت لا يفكّرون إلا في دين الله، وإعلاء كلمة الله، ليس الدافع للحسين أن ينال درجة هي درجة الشهادة، والتي سينالها على كل حال. إذن، هذه النظرية أيضًا غير تامة.

النظرية الثالثة: نظرية البكاء
يعني الحسين ثار من أجل أن يُقْتَل ويبكى عليه! لا، البكاء نتيجة وليس غاية، نتيجة الفاجعة أننا نبكي عليه، بكاء إنساني، بكاء انفعالي، بل نثاب على هذا البكاء لأنه ولاء لرسول الله ، وإبرازٌ لمودة آل رسول الله، ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، المودة في القربى واجب، والمودة هي عبارة عن إبراز المحبة، وإبراز المحبة بالبكاء، بالتفاعل، بالحضور في مآتم أهل البيت، هذه نتيجة وليست غاية، نحن لا نتكلم عمّا يترتب على مقتله، وإنما نتحدّث عن الهدف الأساسي من خروجه، لماذا خرج؟ قبل مسألة المقتل، البكاء عملٌ عباديٌ يثاب عليه الإنسان حصل بعد مقتل الحسين، نحن نتحدث في رتبة سابقة، أساسًا ما هو الهدف الأساسي من خروجه ؟

النظرية الرابعة: نظرية الإصلاح
الهدف الأساس من خروجه ما عبّر عنه هو، قال: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح“، عندي مشروع، ألا وهو مشروع الإصلاح، ومشروع الإصلاح لا يحصل إلا باستعادة الكرامة والإرادة للأمة الإسلامية آنذاك، كانت الأمة الإسلامية تحتاج إلى الإرادة والكرامة، فرأى أنَّ بخروجه تستعاد الكرامة والإرادة إلى الأمة، وهذا ما كرّره في كلامه، حيث قال: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“، المسألة مسألة عزة، أن تستعيد الأمة الإسلامية عزتها، ”والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد“، هذا هو مشروع الحسين.

المحور الخامس: علاقتنا بالمشروع الحسيني الإصلاحي
نحن نأتي الآن ونسأل أنفسنا، كلنا الليلة أتينا ليلة العاشر، فلنسأل أنفسنا: ما هي مساهماتنا في مشروع الحسين؟ ماذا قدّمنا من مساهمات؟ الحسين بذل نفسه، بذل أهله، بذل ما عنده، بذل أغلى ما يملك، في سبيل هذا الدين، وفي سبيل هذه المبادئ، نحن ماذا قدّمنا لمشروع الحسين؟ نحن ماذا أسهمنا في مشروع الحسين؟ نحن ماذا نستطيع أن نقدّم لمشروع الحسين ؟ نحن قلنا من بداية المحاضرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، عملية التغيير هي مشروع الحسين، مشروع الحسين أن تحدث عملية تغييرية إصلاحية لجميع المجتمعات، هذه العملية التغييرية مسؤوليتنا كلنا، لأننا كلنا حسينيون وأتباع الحسين، فماذا قدّمنا لعملية التغيير ولمشروع التغيير؟ ماذا قدّمنا وأسهمنا في عولمة المشروع الحسيني؟

طبعًا هذا الجمع الغفير، وهذه المآتم، وهذه المجالس، جهود مشكورة وعظيمة، كل يقدّم بحسب طاقته وبحسب إمكانياته للإسهام في إحياء أمر آل محمد، إقامة المآتم والمجالس والمواكب والقنوات الفضائية، كل هذا عمل عظيم، لأنه يسهم في إحياء أمر آل البيت كما ورد عن الإمام الباقر : ”أحيوا أمرنا، من جلس مجلسًا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“، ولكن أنا أريد أن أركّز على نقطتين، إذا أردنا أن نسهم في المشروع الإصلاحي الحسيني، في المشروع التغييري الحسيني فلا بد من أن نلتفت إلى نقطتين:

النقطة الأولى: مسألة وحدتنا
وحدة قلوبنا، وحدة أهدافنا، وحدة مشاعرنا، نحن الحسينيون، الحسين يجمعنا، الحسين يوحّدنا، الحسين شعارنا جميعًا، إذا كان الحسين شعارًا لنا، إذا كان الحسين رمزًا لنا، إذا كان الحسين راية نرفعها في كل عام، فلنركز في أمثال هذه الليلة الشريفة على أن ما يجمعنا لا ما يفرّقنا، فلنركز على القيم الحسينية، فلنركز على المبادئ الحسينية، فلنركز على عطاء الحسين، عطاء كربلاء، عطاء عاشوراء، العطاء الروحي، العطاء السلوكي، العطاء الثقافي، عاشوراء مليء بالعطاء.

الليلة ليلة عاشوراء، ما هي هذه الليلة؟ ما هي هويتها؟ لو سألك أي شخص: ما هي هوية ليلة عاشوراء؟ لها هوية، ما هي هويتها؟ تقول: ليلة عزاء! لا، ليست ليلة عزاء فقط، بل ليلة عزاء وليلة عبادة، الليلة أيضًا ليلة عبادة، ليلة يستحب إحياؤها بالعبادة، فأنت تقطع شوطًا من هذه الليلة في العزاء، هذا مطلوب، وتقطع شوطًا من هذه الليلة أيضًا في العبادة، تصلي صلاة الليل، تهدي ثوابها إلى سيد الشهداء وأنصار الحسين في كربلاء، الليلة ليلة عبادة.

إذن، قيم عاشوراء، القيم العبادية، القيم السلوكية، العزة، الكرامة، المروءة، التعاون، كل هذه قيم لعاشوراء تجسدت يوم عاشوراء على جميع طاقاتنا، علماء، خطباء، منابر، مآتم، مواكب، مساجد، على جميع الفعاليات والطاقات ألا تتحدّث عمّا يفرّقها، بل تتحدّث عمّا يجمعها، أن تركّز على قيم عاشوراء، قيم كربلاء، قيم الحسين ، حتى يتعلم صغارنا وأجيالنا قيم الحسين.

ما الذي يستفيده هذا الطفل الصغير إذا أتى المأتم فيسمع تراشقًا بين أطراف أو كلامًا بين جماعات؟! علينا أن نربّي أجيالنا على قيم الحسين، ومقدّسات الحسين، ومبادئ عاشوراء الحسين. هذه النقطة التي سعى إليها أئمتنا ، الحسين بذل نفسه لفئة دون فئة؟! في زمان الحسين كان هناك شيعة وسنة، لكن الحسين بذل نفسه للدين الذي يجمع الشيعة والسنة، في زمان الحسين أيضًا الشيعة كانوا على أهواء وعلى فرق وعلى أشكال، منهم من عارض خروج الحسين وهم الشيعة، لكن الحسين بذل نفسه من أجل الجميع، المسلمون جميعًا، الإنسانية كلها بذل الحسين نفسه في سبيل عزّتها وكرامتها بشيعتها وسنتها وبمختلف مشاربها، لليهود، للمسيح، للهندوس، لأي فرقة، الحسين بذل نفسه لكي تستعيد الإنسانية عزّتها وكرامتها.

النقطة الثانية: عولمة المشروع الحسيني
عولمة المشروع الحسيني تعني الحسين مشروع عظيم، ”خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي“، لكن هل الإصلاح ينحصر بهذه الصور التي نقوم بها سنويًا؟ لا، وجود المواكب والمجالس والقنوات الفضائية وجميع الألوان التي نحن نمارسها سنويًا أمر ضروري ومطلوب، لكن الإصلاح لا ينحصر بهذا، نحتاج إلى أن يتحوّل الحسين إلى رقم عالمي، إلى الآن لم يتحول الحسين إلى رقم عالمي، مع أنه أحق فرد بأن ينال هذا الرقم العالمي.

نحن الشيعة نملك طاقات، نملك أموالًا ضخمة، ونملك كفاءات إعلامية ضخمة، ونملك قدرات إدارية ضخمة، لكن لم نستغلها في نشر مبادئ الحسين ، أنت الآن اطرح على نفسك هذا السؤال: أيوجد عندنا مستشفيات عالمية باسم الحسين؟! ليس عندنا، اذهب إلى الشرق والغرب، هل يوجد مستشفى مرموق عالميًا باسم الحسين؟! هل توجد كليات عالمية باسم الحسين؟!

فلنستفد من تجربة الغرب، زر أمريكا أو أوروبا ترَ كثيرًا من التجّار ينشئ كلية عالمية باسمه، جامعة باسمه، مستشفى باسمه، مبرّة أيتام باسمه، مركز للمعوقين باسمه، هكذا إذا أردنا أن ننشر الحسين، هكذا ننشر الحسين، الحسين لا بد من أن نحوّله إلى رقم عالمي، على مستوى العالم كله، العالم كله يرى جامعات في الغرب والشرق باسم الحسين، على مستوى العالم كله يرى العالم مبرات أيتام، مراكز معوقين، كليات باسم الحسين ، والشيعة قادرون على ذلك.

الذين يستطيعون تأسيس ثلاثين قناة فضائية ألا يستطيعون أن يؤسسوا مستشفى باسم الحسين ؟! طبعًا يستطيعون، هذه القنوات الفضائية قنوات مهمّة، كل القنوات أنا أحترمها، وهي قنوات مشكورة، وبذلت جهدًا كبيرًا، وقدّمت أثرًا طيبًا، لكن نحن نحتاج إلى قنوات تتحدث بجميع اللغات، باللغة الإنجليزية، باللغة الصينية، باللغة الهندية… قنوات تتحدث بجميع اللغات، لكي ترسّخ مبادئ الحسين .

إذن، إذا سألنا أنفسنا في هذه الليلة: ماذا قدّمنا لمشروع الحسين؟ ما هي إسهاماتنا في المشروع الإصلاحي الذي قام به الحسين؟ نرى أننا ما زلنا في الصفر، ولم نقدّم شيئًا مهمًا بمستوى الحسين، بحجم مشروع الحسين، إلى الآن لم نقدّم شيئًا مهمًا، إلى الآن لا زلنا نقول: نحتاج إلى أن يتحوّل الحسين إلى رقم عالمي يرصده العالم في كل مكان، أينما توجّه العالم يرى اسم الحسين منقوشًا على مستشفى، على مركز، على مدرسة، على طرق معينة، وهكذا. حينئذ نقول أننا أسهمنا في المشروع التغييري الإصلاحي الذي قاده الحسين بن علي .

السيد منير الخباز/شبكة المنير




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=171847
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18