في الثورة الحسينية توجد جوانب مهمة ينبغي على كل ذي لب معرفتها والاستفادة منها في الحياة. فلا نغالي إذا قلنا بأن هذه الثورة هي أكبر تظاهرة يعيشها العالم الإسلامي، لا من الناحية الدينية فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل جوانب اجتماعية وسياسية وأخلاقية.
من المتفق عليه أن لكل ثورة معطيات تدعو إلى قيامها، ومعطيات الثورة الحسينية جلية لا تخفى على أي إنسان. فهي جاءت للقضاء على الظلم وتحقيق العدل والمساوة، جاءت لتجسد أعظم مبادئ الإباء والحرية، وأسمى صور الخُلُق الرفيع، فكانت نبعاً دفاقاً لا يجف عطاؤه. وحري هنا ان يقال "العطاء الحسيني" هذا ان لفظ الحسين يضفي على العطاء صفة الاستمرارية، كيف لا يكون كذلك وهو (ع) وارث الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين.
إن الإمام الحسين (ع) هو مصداق العطاء الرباني غير المجذوذ، فهو لم يُختص لطائفة من البشر، ولا ينحصر في مكان دون غيره، أو بزمان دون آخر، فثقافة العطاء التي تركها الإمام (ع) تعد كنزا للنهوض الحضاري، وبها ثبات القيم الإنسانية واستقامتها. لذا، فإن التركيز على الجانب المأساوي في ثورة سيد الشهداء، وما رافقه من صور مروعة تمثلت بقطع الرؤوس، وتقطيع الاشلاء، وسبي الأطفال والنساء -وإن كان مهما- إلا أنه لا يكفي للنهوض بواقع المجتمع، فالثورة الحسينية أزلية ومضمونها يدعو إلى حتمية السعي نحو الإصلاح. فعندما حدد الإمام(ع) هدف ثورته بقوله(إني لم أخرج أشراً ولا بطراً إنما خرجت لطلب الإصلاح)، فالإصلاح هنا فيه رؤية بعيدة المدى تمتد إلى قيام الساعة، ومن غير الممكن عد هذه الثورة ببعدها الشمولي مجرد حدث وقع وانتهى، بل يتوالد عبر العصور وصولاً إلى يومنا هذا ليبقى أُنموذجا يحتذي به كل مجتمع بجميع توجهاته.
والسؤال هنا، لماذا أصبحت ثورة الامام (ع) ثقافة خالدة عامة لكل شعب وفي أي عصر؟
الجواب، لأنها كانت مبنية على أسس الرسالة الإسلامية الأصيلة، والنهج المحمدي القويم، والأهداف السامية التي حملتها. فلو كانت أهدافها ضعيفة لفشلت حتما، كما فشلت غيرها من الثورات. إضافة إلى كلِّ ذلك نيتها الخالصة لله تعالى، فلو كانت تحمل في طياتها أهدافاً ومصالح دنيوية لاندثرت، ولما أصبح لها ذلك التأثير العالمي. فمنبعها الأساس من القرآن الكريم الذي جعلها ملائمة للتفسير على مر العصور مثلما القرآن صالح للتفسير في كل الأزمنة. كما إن عمقها يكمن في طاعتها المطلقة للحق بل والفناء من أجله، فكانت سلاحاً ناجعا لمنع زيادة الفساد في المجتمعات اللاحقة.
إن الاستشراف، الذي هو من أهم مظاهر الثورة، والذي تمثل في خطابات الإمام (ع) كان له بعد روحي دفع الكثير للاقتداء به، وألهمهم القوة والإصرار على الوقوف بوجه الظلم. ولقد استطاع الشباب المؤمن في عصرنا هذا ان يحرزوا انتصارات كبيرة في حربهم ضد أعتى تنظيم إرهابي عرفه التأريخ المعاصر، فانقذوا البلاد والعباد من ظلم الجماعات الوحشية. ومع أنهم "فئة قليلة" إلا أنهم انتصروا بإرادتهم الصلبة وعقيدتهم الراسخة فلم تكسرهم أكلاف حرب من تضحيات ودماء، ولم يكن ذلك إلا ثمرة من ثمار عاشوراء وكربلاء وتفاعلهم الصادق مع القضية الحسينية.
أخيرا، لكي ننهض بمجتمعنا علينا أن نعمل على استدامة العطاء الحسيني، فالمحبة وحدها لا تكفي للاصلاح. وإذا أردنا أن يكون لنا قدم صدق مع الحسين وصحبه لا بد أن توافق اقوالنا أفعالنا، فعندما نقول (يحسين بضمايرنا) إلى أي درجة نحن ملتزمون بهذا الهتاف؟
كثر هي الدروس والعبر التي انتجتها كربلاء، لذا "يبقى الحسين عطاء يتجدد"
|