• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من امثلتنا الشعبية .
                          • الكاتب : منتهى محسن .

من امثلتنا الشعبية

 (غراب يكول لغراب وجهك أسود)"يضرب هذا المثل الشعبي لمن يماثلون الغير بالعيوب، ولكنهم لايبصرون إلا عيوب الغير، ويوجّهون انتقادتهم بعنف غير منتبهين ولا مكترثين بحالهم، ولا عاملين على إصلاح أنفسهم من نفس تلك العيوب.
ومن مصاديقه: 
المصداق الاول :
سياسي تمنّى أن يصل إلى منصبه الحالي ، قدّم كلّ المغريات على طبق الوعود والأمنيات، ونسج من الخيال قصورًا من الآمال، وعامل الناخبين بلطافةٍ وكثير اهتمام، ولما لاح ضوء النهار، وأفصح الصبح عن صوت شهريار، غابت الوعود واندثرت أحلام السذّج بكل اضمحلال.
وعندما تربّع على كرسي العرش الموعود، كشّر عن أنيابه، وتدلّى لسانه الظامئ، وسال لعابه دناءةً، وتهدّل كرشه بسرعة ملحوظة، وبدأ رحلة التغيير المنشودة، وأول ما ابتدأ به من سلسلة التغييرات المرتقبة استبدال رقم هاتفه الجوال، كي لا يزعجه رنين الاتصالات، من طلبات الناخبين المفترشة أرصفة القهر والعوز والحرمان .
ليس هذا فحسب، بل إنه غيّر مكان سكنه وانتقل الى سكن آخر،  حتى لا يضطر للقاء زملاء الدراسة او بعض الجيران والأصحاب، ولا يتذكر وعوده لهم قبيل الانتخابات، وإمعانًا في الجحود والإنكار وضع سكرتيرًا للرّدّ على المكالمات، ومنحه السلطة على الرّدّ أو حظر الأرقام!
هكذا مضت الأيام،  ولما حان موعد انتهاء مدة خدمته في القلاع المنهوبة ، بكى وتباكى على كرسي العرش الفتّان، وأظهر استعداده لخدمة الوطن وحماية البقاع  بكل ائتمان ، فما أفاده البكاء أو التوسل والرجاء، وما زاده إلا مهانةً وإذلالا.
كشّ ملك...
 وتغيّرت الأسماء، واعتلى آخر سدّة الحكم، وجرى الحال بنفس الآلية المقيتة، وعلى نفس غرار السرقات المؤرشفة تحت خانة الكذب والاحتيال، حينها استشاط غضبا، وصار ينتقد سياسته بكل استهجان، وعاد لكرّته السابقة، يؤمّل الناس ويقسم بأغلظ الإيمان باتخاذ حزمة من الحلول التي من شانها نقل حياتهم السوداء الى باسمة، إن عادوا لدعمه او انتخابه، وما لبثت تلك الأمنيات أن ذهبت أدراج الرياح، حالما ثبت مرشح آخر للمنصب، وأزاله عن عرش السطان !
والنكتة... ظلّ بعضهم يُسود وجه الآخر انتقادًا وانتقاصًا، فتبادلوا السباب العلنيّ،  وكشف كلٌّ منهم أوراق الآخر بعلنيّة دون أي تحفّظ أو حياء، وفي لغة انحسار الادب والذوق نسمع هذا الكلام:
-      أدري ماشبعت لفط شبيك ما شايف ، على كيفك حتى خزينة الدولة راح تصفر، بس انت وجماعتك تلعبون لعب بالفلوس، ومخلين الناس كاتلها الضيم والفكر، ومنتظرين تحقق أحلامهم الوردية بعدما انتخبوك ... اني من جنت بمكانك ماسويت هيجي عمل.. هي شكم عمارة حصلت وشوية أرصدة بالبنوك الأوربية، وعينت أهلي وكرابتي، مو مثلك  نهم ما تشبع بوك ، وجهك عبالك غراب البين!
وهكذا يطعن احدهم بالاخر ويبدي سوأته، وهما على نفس الشاكلة جملة وتفصيلا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
المصداق الثاني :
أم مهدي ربة بيت، زوجة وأم لستة أولاد، من عادتها الانتقاد والتدرج في الكلام وصولا لغيبة فلانة أو فلان، ولطالما فتحت سيرة إحدى القريبات، وتلاعبت بالمشاعر، إلى أن تنجح في جرّهنّ بالكلام بكل إتقان، وحالما تصل لغايتها، سرعان ما توصل الفتنة للمغتاب بأية وسيلة؛ نقلاً أو تلميحًا أو بوحًا علنيّا دون ارتياب .
وهنا تنشب نار الكره والحقد والبغض، وقد يتطوّر الأمر الى عراك ومشاحنات لا تخطر على البال، كلّ هذا وأمّ مهدي تبقى متفرّجة، ومستمتعة بما آلت اليه الأمور، منسحبة من ميدان الاقتتال العنيف الذي أثارته عن عمدٍ وبكل مهارة ، مكتفيةً بالمراقبة وإرهاف الحواس!!
النكتة أن "أم مهدي" عند احتدام الامور وخروجها عن حدودها تفاقمًا، تلعن أمام الملأ كلّ من تسبّب في إثارة الفتنة وإشعال النيران!! وعندما تعتمد إحدى صويحباتها اللواتي هنّ على شاكلتها نفس المقلب مع الناس، يغرّد لسان حالها بالقول:
-      أدري... صدك جذب، شنو هل فتنة والمشاكل بين الناس، صدك إلي سوّتها ما تستحي وما تخاف الله، غير واحد يعرف الحلال من الحرام، مو باجر ورانا حساب وكتاب... ألله أكبر عل هل وادم اإي ما تتعظ ولا تخاف من جبار السموات...
وهكذا تتزيّف أم مهدي، وتتزيّى بالخبث والحيلة، والمثل الآنف ينطبق عليها بالتمام والكمال: "غراب يكول لغراب شو وجهك اسود"!!
المصداق الأخير:
رجل متزوج له زوجة صالحة وأبناء، لكنه غير مهتمٍّ بهم إلا في حدود توفير لقمة العيش، فهو إما منشغلٌ بالهاتف، أو خارجٌ مع أصدقائه حتى منتصف الليل، لا يهتم بمتابعة أولاده في المدارس، ولا يعلم أصلًا في أي المراحل هم، وما هو مستواهم العلمي، وهل ينجحون أم يرسبون في كل عام؟! كما أنه لا يبادل زوجته حنانه، ولا يمنحها شيئًا من الاهتمام، لأنه يصرف طاقته على من يلتقيهم عبر وسائل التواصل الفعّال.
من متبنيات فكره المغلق أنه سيد البيت، والكلّ عليه خدمته وطاعته الطاعة العمياء، ولا يحقّ لزوجته المطالبة بالعلم او نيل قسط من النماء في أي مجال كان، وإذا دخل البيت شلّ حركة الصغار، وانقلب البيت مدوّيًا بصراخه، ينفعل إذا المصباح لم يُنَر، ويصبح عصبيًّا إذا حلّ بترتيب البيت بعض الأخطاء، أما إذا زارهم بعض الضيوف، فتلك هي الطامة الكبرى التي ليس لها من انتهاء، حينها يصبّ غضبه على زوجته، ولا يهدأ له بال، إلا عند مغادرة الضيوف الأعزاء!!
في إحدى المرات زارت زوجتَه جارتُها أم أيمن، وقد جاءت منهارة باكية مستنجدة بها لتكون عونًا لها، تطلب نصحها إزاء تقصير زوجها الدائم معها.
يتنصّت خلف الباب، وبعد أن تخرج الجارة مولولة نادبة حظها العاثر وقسمتها السوداء، يجلس جلسة الأمراء، طالبًا قهوته المعتادة مصرّحا:
-      هذا شنو شمسوي أبو أيمن  ابيته ومرته وجهالة؟ ليش هيجي تاركهم ومفرفح المرة؟ اكعد يمهم اتلاطف وياهم، تابع الجهال بمدارسهم، ملتهي بس بالسوالف التعبانة؟... متخاف على عرضك مو كما تدين تدان؟! والي يشوف هندامه وكشخته بره يكول بس هو وبس، شوفي هيجي نماذج ميصيرلهم جارة... بس التراب يسد حلكه... اف... صارت الساعة ستة وكت طلعتي.. أروح ويه جماعتي احسن من هاي الكعدة الشوم بالبيت.
لقد عاب على جاره الشيء وهو واقع فيه، ووصفه بالقبح وانتقد أفعاله وفعله أقبح ، وهما سواسية في التقصير والإهمال.
بهذا انتهت المصاديق، وعند أعتاب مثل آخر سنبحر من جديد،  لعلنا بذلك نُذكر بعضهم، أو نصلح بعضًا من السلوك والأفعال .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=171329
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18