• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وا محمداه... .
                          • الكاتب : نرجس مهدي .

وا محمداه...

 الرحمة المهداة:

 أشرقت الدنيا فرحاً، وفاضت عطراً بولادة خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين .الكون عمّته الأفراح واستبشرت الجنان، تزينت واخضرت الأركان، كيف لا يكون ذلك، وهو حبيب الله (جل جلاله)، دعوة جده ابراهيم الخليل، وبشارة عيسى روح الله الجليل، مخلّص البشرية من الظلام، والجهل والعبودية .
بولادته انعطفت الدنيا انعطافاً حقيقياً، وباتت نقطة تحول كبرى تقود الإنسانية نحو الخير والصلاح، والرضا والفلاح.
فهو نور الله الذي يُستضاء به، سراج منير، سابق الى طاعة الله، مكين أمين .
أحمد عن الأوصاف، المحمد لسائر الأشراف، غمسك الله تعالى في بحر الفضيلة، وأودعك تلك الأصلاب الطاهرة الجليلة .
بولادتك كشف الله تعالى ظلم الأستار، فتهللت الدنيا بحلل الأنوار.
حتى بدأتَ بنشر دين اليقين، مرابطاً على طاعة الله في أرجاء البرية، تجرعت منهم الغصص، وأخفيت الزفرات، وأسررت الحسرات، ولبست ثوب البلوى؛ امتثالاً لأمر الله، وإعزازاً لدين الله .
صبرتَ وتحملتَ ثقل النبوة على قلبك، كالجبال الراسيات لتوصل الإنسانية الى مرافئ الأمن والنعيم برسالتك.
وبعد أن أتممتها على أكمل وجه، ورفعت عن كاهلك تلك الأمانة .
حان أذان الرحيل، والمَلك واقف على بابك، مستأذناً للدخول عليك .
كواكب السماوات في شجن ونحيب، وتغير نسيم الجنان، ولا أدري لِمَ اختلطَ بدخان؟!
تململ المَلك بين جنبات نفسه، لا يعرف كيف سيدبر أمره؟! فالمهمة عظيمة عليه، شاقة على إدراكه، تأججت المشاعر بأنفاس ابنته الزهراء (عليها السلام) الحارقة، فتبكي لأجلها ملائكة الرحمن .
حبيب الله مسجى على فراش المرض، تتلجلج أنفاسه في صدره، تدور عيناه الى أحبته .كيف سيودع هذه الأنفس النورانية التي تعلقت بخيوط متشابكة بِشغاف قلبه؟
يفتح عينيه بين الحين والآخر، يرى حبيبته تجود بنفسها مغرورقة العينين، تتهادى بِحَملها.
تتحير عيناه، أي كلمات يتحدث بها لِيهدّئ روعها؟
يهمس اليها بكلمات فيزداد وجعها، ثم يهمس أخرى فيعلو وجهَها بِشرٌ فيسكن أنينها .
يفتح ذراعيه ليضمّ الى صدره حَسنيه، يتزود منهما ويتزودان منه عطراً ودفئاً.
وبعبراته المتكسرة، يوصي ابن عمه وصهره أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصاياه، وأن يتحمل الرزايا بعده، ويستعد للعزاء والفراق.
تناجيا طويلاً، اختلط الدمع بالدمع، وكشف (ص) النقاب عن الفتنة التي تصيب المسلمين بعده، وبأسماء المنافقين من الأصحاب.
يوصيه بالصبر وتحمل المشاق.
كانت حقاً لحظات عصيبة، اختنق بعبرته، وكأن دخان باب الزهراء (عليها السلام) قد استشعره في رئتيه .
وكان آخر اللقاء على صدر أمير المؤمنين (عليه السلام).
توشّح الكون سواداً، وأُعلِنَ في السماوات العلى الحِداد، أقبلت ملائكة الرحمن صفوفاً لحمل روح الحبيب مُجلّلة بأنوار القداسة، يزفون روح الطهر ومعنى الرحمة والإنسانية ليوصلوها الى الملك الديان .
وجسده الطاهر مسجى بلا حراك، وطِبقا لِوصيته، غسّله وكفّنه، وصلى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)(١).
فنزلت ملائكة الجنان صفوفاً متراصة تقيم الصلاة، دُفِنَ الطهر في حجرته، وأُهيل التراب على قسمات وجهه.
قال الصادق (عليه السلام): «إن الله لما قبض نبيه (ص) دخل على الزهراء (عليها السلام) من الحزن ما لا يعلمه إلا الله (عز وجل)(٢).
فأي حُزن عليك لا يتصل؟
وأي دمعة لفراقك لا تنهمل؟ وأي خطب ألمّ بالدين؟
وأي نازلة وقعت على رؤوس المسلمين، المحراب خلا من شخصه، والدنيا حُرمت من فيض أنواره.
ما أعظم فقدك سيدي يا رسول الله.
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاحتجاج للطبرسي.
(2) بحار الأنوار: ج٢٢/ ص٥٧٠.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=168446
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29