• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف قدّمتُ الامتحانَ ونجحت؟ (الأحياء) .
                          • الكاتب : بكر ابوبكر .

كيف قدّمتُ الامتحانَ ونجحت؟ (الأحياء)

قبل امتحان الأحياء في الثانوية العامة (التوجيهي) سهرتُ حتى الصباح وأنا جالسٌ على الأرض أقرأ وأتصفح وأحفظ وأدوّن الملخصات وأرسم الأشكال وأنا قلِق... بل في قمة القلق، متوقعًا (هي بالحقيقة راغبًا) أن تثور الزوابع أو العواصف فتجعل من الجوّ قاتمًا مغبرًا هادرًا، ويتأجل الامتحان! ولكن صوت المؤذن ارتفع ولم يحصل أي شيء مما رغبته وأردته.

حالة الترقب للامتحانات النهائية قبل شهر تقريبًا كانت تثير فيّ حالة القلق ربما الى الحد الأقصى مصحوبة بالتوتر والذي كنت أقضي عليه بحديث النفس المريح بالقول أنه مازال أمامنا وقتٌ!

لكن الحقيقة أن عدّاد الوقت في ذهني بدأ يتكتك متجردًا من حذره! بمجرد الاعلان عن جدول الامتحانات وصولًا ليوم امتحان مادة الأحياء التي رأيتها صعبة جدًا لما فيها من ضرورات حِفظ عن ظهر قلب لم تكن من مميزاتي.

التمنّي بحصول العواصف أو الزوابع والتعلق بحدوث كارثة من أجلي! لم تتحقق، رغم أنني تخيلتها مرارًا خاصة ليلة الامتحان.

القلق والانشداد كان يساورني طوال أكثر من شهر، ثم طوال أيام سبقت الحدث ثم في اليوم السابق المباشر وهو أصعب الأيام الى أن جاء يوم الفصل وهو يوم الامتحان-خامرني شعور وأنا أكتب الآن ماذا لو كان حالنُا هكذا ترقبًا ليوم الدينونة اليوم الآخر(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا-النبأ 17)-فلم تكن للزوابع أو العواصف أي مكان.

جرجرتُ نفسي الى قاعة الامتحان بالمدرسة مشدودًا للحظة، وراغبًا في إنهاء الحالة العصبية النفسية التي رافقتني طوال الفترة وهو ما حصل عندما نظرتُ الى الاسئلة فتهلّل وجهي وفرحت حتى أنهيت الإجابات في أقصر وقت مما توقعت.

لم أعتد الاحتفال بالنجاحات الصغيرة-ولا حتى الكبيرة- لا أدري لماذا؟ رغم أهميتها في تفعيل الشعور بالحُبور والفرح والانجاز، وفي تقبل الثناء بل وفي الدفع والحفز، ورغم أنني بعد تلك الحادثة وعندما بدأت أفهم وأعِي بعمق للكثير من المفاهيم الجديدة التي دخلت على ذهني ما بعد انهاء دراسة الهندسة المدنية وانشغالي بالكتابة أوالتثقيف والتدريب، إلا ان مكوّن استجلاب القلق، ثم معاقرة القلق والترقب بل والتوجس ومن ثم الانفكاك من الحالة ظلّ مقيمًا.

ألّفتُ أكثر من عشرين كتابًا، وعقدت آلاف الندوات والورشات واللقاءات والدورات في طول البلاد وعرضها وخارج فلسطين، وما قبل وطء أرض الوطن المقدس، وبعدها. ولم تفارقني أبدًا حالة الترقب والقلق وحالة الخوف... دعني أقول التي تتملكني أحيانًا الى حدّ العصبية التي تظهر في بضعة مواضع وأحاول أن أكتمها في مواضع أخرى وبالحقيقة قد تظهر مع أقرب المقربين لي مفترضًا تفهمهم! وأكتمها ولا تظهر-أو هكذا أظن- مع الأباعد من الجمهور العريض لكنها مستقرة.

تعلمتُ ربما من خلال المسيرة وأحداث الحياة الكثيرة أن أركّز تفكيري في النتيجة، وأتخيّلها ضمن احتمالات (سيناريوهات) متعددة، ولم أنفك أتخيل عيشي للّحظة القادمة بشكل مسبق. عوضًا عن قيامي بزيارة ميدانية مسبقة لمكان الحدث ذاته، وكل ذلك وغيره الكثير ضمن حالة الاستعداد النفسي الذاتي لتجاوز المحنة الداخلية الذاتية التي أتعمد إخفائها عن المحيطين... فأنا بالحقيقة أعيش في امتحان-تحدي دائم.

لا أكمل التحدي/الامتحان الأول حتى أدخل في الثاني، الى الدرجة التي يصبح الامتحان واقعًا أمامي لأتجاوزه، ثم سرعان ما أمهد للّاحق واستجلبه! وعندما يتحول الى حقيقة مخطط لها أي أن الامتحان-الحدث قادم حتى تعود متوالية القلق والترقب ثم تمني الزوال ثانية! فبلوغ النتيجة والتحقق للحدث... وهكذا في عملية متواصلة، وكأنني أنشدُ ذلك دومًا دون أن أدرك. أو كانني ألِفتُ القلق والوجع ثم الراحة، ثم القلق... ساعيًا له متحديًا له الى ما لا يحصى من المرّات.

اعتدت كتابة المقالات والدراسات والمدوّنات، فلم يعد فيها كثيرًا من لذة الامتحان/التحدي أوحالة الترقب للنتيجة وما يخالطها أو يتلوها من الإشادة أو النقد، ثم اعتدت اللقاءات والاجتماعات (والتجهيز المادي والعقلي والنفسي المسبق لها) فلم تعد تشكل تحديًا ضخمًا لي إلا ما قلّ، وعليه سارت عملية الدورات وسارت الورشات التربوية أو التعبوية ليتقلص حدّ التحدي عند ضرورة الظهور بأبهى صورة وأنصع فعل أؤديه ضمن فن العرض والحديث والإلقاء ما كتبت فيه كتابًا كاملًا صدر لي منذ فترة، وذلك إرضاء لله سبحانه وتعالى كما أردّد دومًا، ولهدفي في فلسطين وتحقيقًا لضرب النموذج أمام الآخرين.

(1/4) مقالة من 4 حلقات هذه الأولى منها




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=163682
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19