• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إبطال الدليل العقلي لمثبتي الرؤية .
                          • الكاتب : د . احسان الغريفي .

إبطال الدليل العقلي لمثبتي الرؤية

   بعد أن لاحظ القارئ الكريم عدم صمود الدليل النقلي لمثبتي الرؤية أمام المناقشة العلمية، وعدم حجيته في الواقع العلمي البحت، سيرى هشاشة دليلهم العقلي، فقد ذهب أكثر أصحاب هذه النظرية المتطرفة إلى جواز رؤيته تعالى في الدنيا عقلاً، فقالوا: إنَّ رؤية الله تعالى جائزة في الدنيا عقلاً؛ لأنه تعالى علَّق رؤية موسى (ع) على استقرار الجبل، أي: إنَّ الله تعالى قال: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) [الأعراف: 143]، واستقرار الجبل في نفسه أمر ممكن، والمعلق على الممكن ممكن، أي: لما كان استقرار الجبل ممكناً كانت رؤية الله تعالى ممكنة، ولأنها لو كانت ممتنعة لم يسألها موسى بقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؛ لأنَّ موسى لا يخفى عليه الجائز والمستحيل في حقِّ الله تعالى، فهو لا يطلب المحال، فدلَّ سؤال موسى على أنَّه كان يعتقد جوازها فتكون جائزة، وإلَّا لزم جهل موسى النبيّ بما يجوز على الله وبما يَمتنع..! هذا ملخص وهم مثبتي الرؤية وشبهتهم.

 
الرد: 
    لقد استدلوا على جواز رؤية الله تعالى في الدنيا عقلاً بدليلين؛ الأول: تعليق الشرط على أمر ممكن أيْ: إنَّ الله تعالى اشترط جواز الرؤية باستقرار الجبل، واستقرار الجبل ممكن فالرؤية ممكنة، وأجاب عن هذا الوهم أحد علماء السنة وهو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قائلاً: (علق الشرط بحرف (إنْ) [يعني: إنَّ الله تعالى قال: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي). فذكر (إنْ) الشرطية التي يندر حصول شرطها، فاستقرار الجبل أمر نادر، بل ممتنع لأنَّ (إنْ) الشرطية هنا بمنزلة (لو) التي يمتنع حصول شرطها بدلالة قرينة السابق]؛ لأنَّ الغالب استعمالها في مقام ندرة وقوع الشرط أو التعريض بتعذره، ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلومًا لله انتفاؤه، صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة، تقتضي أن رؤية الله تعالى جائزة عليه تعالى، خلافًا لما اعتاد كثير مِن علمائنا من الاحتجاج بذلك،  وقوله: )فَسَوْفَ تَرَانِي( ليس بوعد بالرؤية على الفرض؛ لأنَّ سبق قوله: (لَنْ تَرَانِي) أزال طماعية السائل الرؤية، ولكنه إيذان بأن المقصود مِن نظره إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى مِن عدم ثبات قوة الجبل، فصارت قوة الكلام: أن الجبل لا يستقر مكانه مِن التجلي الذي يحصل عليه، فلستَ أنتَ بالذي تراني؛ لأنك لا تستطيع ذلك، فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الامتناعي الحاصل بحرف (لو) بدلالة قرينة السابق). التحرير والتنوير لابن عاشور:9/92-93[سورة الأعراف: آية 143].
 وأمَّا دليلهم الثاني بطلب موسى الرؤية، فيجاب عنه بأنَّ موسى كان عالماً بعدم إمكان رؤية الله تعالى، وإنَّما أراد إظهار شأنه تعالى على الجماعة الحاضرين معه والطالبين رؤيته القائلين له : (أَرِنَا الله جَهْرَةً) [النساء: 153]، فقال ذلك القول ليسمعوا الجواب ب‍ـ(لَنْ تَرَانِي) [الأعراف: 143]، وليعلموا أنَّ رؤيته غير ممكنة، وليرجعوا عن اعتقادهم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158362
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16