• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تاريخ التشكيل على مادة النحاس ج 2 .
                          • الكاتب : نسيم الحسناوي .

تاريخ التشكيل على مادة النحاس ج 2

عملية الضغط على النحاس هي مصدر إبداعي حقيقي، ورؤية تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث والخيال، وبين الأشكال الزخرفية والحروفية والتجريبية وأعمال تراثية، وتزاوج بين مفردات التراث المعاصرة...يبدأ الرسمُ على صفيحة النحاس ثم الضغط عليه لتبرز الأشكال التي يريد اظهارها الى الأمام، ويحتاج هذا العمل الى قوة عضلية إضافة الى رؤية فنية؛ لكون معظم من يعمل بهذه الحرفة هم من المحترفين أو من الفنانين التشكيليين... والمعروف أن التراثَ العراقي يحمل الكثيرَ من الشواهد التي تمثل الحراك عبر الألوان (أزرق، أحمر، أخضر، اصفر...) ولكل لون وظيفة رمزية؛ فالأزرق يشيرُ الى النقاء والسمو، والأخضر الى الخصب، ويرمز عند البعض الى القداسة، وعند البعض الآخر الى الأمومة، والأحمر لهيجان العواصف والثورات، والأصفر الذهبي المقدس... وتلوين اللوحة النحاسية تحملُأفكار الفنان وانفعالاته، وهناك عوالم تحتاج الى الكثير من البحث والدراسة والتأمل العميق.
 والملاحظ أن استخدام النحاس في الكثير من الفنون لايتقيد بأسلوب معين، بل يطوعُ لجميع الأساليب، وهو من الفنون العربية والانسانية القديمة، والى الان تحتفظُ الكثيرُ من المتاحف العالمية بإرث نحاسي فني عربي كبير.  ومن الجميل أن تتحد الكثير من الهويات داخل هذه الحرفة، فهناك مثلا موضوعة الاباريق كان المشهور منها في العراق الموصلي والتركي والايراني والعربي، وهكذا وجود لوحات فنية تعود لعدة هويات ...
 وبعد تراجع مبيعات النحاس، وعدم دخول السائحين بسبب الحروب والحصار، وانغلاق العراق على نفسه، وشيئا فشيئا تراجعت ضربات المطرقة والسندان، وعمّ الصمت والسكون أرجاء السوق، ففي السابق كان أغلب ما تنتجه السوق تشتريه العائلات، وتتنوع الصناعات بين أواني طبخ وصحون وسماور لصنع الشاي و(شجوة) لصناعة اللبن، و(طشوت) لغسل الملابس ودلال القهوة، وكل مستلزمات الطبخ، وجميعها تجهيزات للعروس، فضمن العادات البغدادية يقوم أهلُ العروس بشراء هذه المواد، ويرسلونها في يوم الزفاف لبيت العريس، وكلما زادت القطع النحاسية كانت دلالة على حب العائلة لابنتهم العروس...
 علماًأن تاريخ سوق الصفارين يعود إلى العصر العباسي، وتحديدا في زمن الخليفة المستنصر بالله، الذي أمرَ بإنشاء المدرسة المستنصرية، واشترك بعمليات بناء المدرسة وتجهيزها بالأواني واحتياجات البناء، والسبب الحقيقي في تراجع صناعة التحف النحاسية كحرفة يعود الى قرار وزارة الصحة العراقية في بداية الخمسينيات بمنع استخدام أواني الطبخ المصنوعة من النحاس، كونها مادة تتفاعل مع أي مادة أخرى، وتحول إقبال الناس باتجاه الأواني المصنوعة من الألمنيوم و(الفافون)، واقتصرَ الأمرُ على صناعة التحف للسائحين...
 وقد أهمل فن صناعة النحاس، على الرغم من أنها الحرفة الأقدم في العراق، ومن المؤكد أن عودة العراق الى الأمن سيعيد السياح وترجع عافية صناعة التحف النحاسية وإقبال العراقيين أنفسهم على اقتناء أشياء تراثية تذكرهم بماضي بغداد...
فلابد إذن أن تبذلَ الجهود لتوعية المجتمع الانساني بأهمية هذه الفنون؛ فهي دعوة الى جميع الهيئات المختصة بالفنون والتراث والثقافة والمراكز التوجيهية وخاصة توجيه الجهد الأكاديمي والمنهج الدراسي الى أهمية هذه الفنون، ومن ثم اقامة مشاغل فنية في معظم النشاطات الاجتماعية ومراكز الشباب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156710
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14