• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المسرح الحسيني والتعددية الفكرية بين التراث والمعاصرة .
                          • الكاتب : نبيل نعمه الجزائري .

المسرح الحسيني والتعددية الفكرية بين التراث والمعاصرة

 حينما يوردُ الحديث عن العلاقة بين التراث والمعاصرة في التعددية الثقافية، سرعان ما تتلبد فوق رؤوس البعض غيوم من الشك والإنكار، وتنعقدُ في سماء الفكر سحباً من النفي والريبة، فيما يذهبُ البعض الآخر كردة فعل إلى المجابهة لتكون العلاقة الداخلة بين الفريقين قائمة على أساس غير موضوعي يستدعي منا الولوج لوقفة جادة موضوعية قائمة في أبسط علائقياتها على المهنية الفكرية من دون انحياز لطرف ما.
فمن المعروف أن (أي فعل إنساني) ممكن أن نمر به يسخر خلال مسيرته عباب التراث مستخرجاً من أعماقه السحيقة الشخصيات والأفكار والأحداث ومستثمراً جمالياتها في معالجات مختلفة، من أجل التأثيث لتباين في اتجاهات الكتابة، وتعدد الأساليب، وتباين القضايا والهموم المؤرقة، فالرسم – على سبيل المثال لا الحصر- ومنذ أقدم العصور، قد سخر الكثير من القضايا التراثية قبل أن يصير إلى  مدارس واتجاهات، وقبل أن تدخل الحداثة روحه وجوهره، والتي لم تسلبه ورونقه... ورباعيات الخيام شاهد عما نتكلم، كذلك هو الشعر فإن أقدم ملامحه التي وصلت إلينا هي في جذوتها الأولى ملحمية قائمة على نقل عادات وتقاليد وأعراف من سبقونا بأسلوب درامي؛ يؤجج المشاعر لاستكشاف المجهول، وسبر أغوار التاريخ، وهو برغم ما مر به من تجديد؛إلا انه لم يقل تأثيراً في القلوب، ولم يبتعد عن محوره الإنساني. كذلك هي القصة، والحكاية،وحتى المسرح ذلك الفن الضارب في جذور التأريخ، ما كان له أن ينتشر لولا روح الأسطورة وتوظيف التراث الإنساني، الى الحد الذي يدعونا إلى أن نقول بأن عالمنا بات شبيهاً بقرية مسرحية صغيرة؛ لم تعد هناك أسوار تحول بين الشعوب والأمم لا تتلاقى وتتفاعل وتتلاحم تراثياً، هذا على مستوى الأسطورة، والتي تمثل مراحل متقدمة من الخيال الإنساني الخصب، فكيف إذا كان على مستوى الواقع حين يكون فيه البطل واقعياً، ويكون المحور الذي تدور حوله الرحى شخصية كتب لها التأريخ بكل مستوياته، وهو ما زال في حالة من البث المستمر لقيم الفضيلة والخير الذي تنشده كل الشعوب.
ربما تتيحُ لنا هذه الأمثلة أن نستنتج بأن العودة للتأريخ وتصفح التراث في عصرنا الراهن ليست بدعة طارئة أو نزوة متقلبة أو تعصباً أعمى أو لجاجة فوضوية، بل هي ضرورة تاريخية وحضارية، وعليه يصح القول بأن الصلة بين المسرح والتراث صلة حية ومحتمة لا تقتصر على أمة دون سواها وتشبه صلة حبل المشيمة بسرة الوليد.
وفي غمرة حماستنا لتراثنا نكرر ما قاله (عبد الكريم برشيد) في كتابه (العلاف) من أن: القومية لا ترتبط بالتراث وحده،لأنها قبل كل شيء تلتصق بـ (النحن)، وهي بالتأكيد وجود تأريخي، وتمتلك امتداداتها الى الخلف والى الإمام... كما ويفهم (برشيد): إن التراث ليس هو الهوية بل هو أحد أبعادها، إنه ذاكرتنا الممتدة باتجاه الماضي ويضيف: (إنه لما كان هذا التراث في معناه الحقوقي أحد أبعاد شخصيتنا وأحد مستوياتها المتعددة، فقد وجب أن ننطلق مسرحياً مما هو أكبر وأشمل وأعم وأخطر من التراث)، وفي الخطوة التي أقدم عليها من أجل التأسيس لمسرحة الشعائر الحسينية، فقد تعددت المواقف من مسألة توظيف القضية الحسينية كجانب من جوانب التراث في مسرحة الشعائر بين الرفض المطلق والقبول المشروط، وهذا التباين ناتج من تنوع في الخلفية الفكرية والرؤى والأيدلوجيات التي تحكم المجتمع في كل أنواعه، لذا يمكننا أن نصنف ثلاثة اتجاهات تفرعت عند انبثاق الفكرة:
1-  اتجاه يدعو إلى الاكتفاء الدرامي بما هو موجود، وعدم رفد الساحة الأدبيةوالإنسانيةبالمزيد من النتاجات الفنية حتى لو كانت لها حاجاتها ومريدوها.
2-   واتجاه يدعو إلى تطوير التراث المحلي بما يلائم روح العصر التواق إلى التجديد والتأصيل، ويمكن تحقيق ذلك بالأخذ من إنجازات المسرح العالمي.
3-   والاتجاه الثالث يدعو إلى إنبثاق جديد لا علاقة له بنظرية المسرح العالمي، يؤسس على أساس الجدة والحداثة، وتطييع الواقع التراثي لنمط يعد من وجهة نظرهم منفصل تماماً عن الموروث السائد.   
وفي نظرة فاحصة بين هذه التيارات الثلاثة، نجد تغلغلاً لتيارات فكرية وفلسفية وسياسية ودينية؛ تتوزع بين نزوع إنساني معاصر، ونزوع أيدلوجي متشدد (رديكالي)، ونزوع إسلامي يطمح لأخذ الفكرة على محمل الجدة والمعاصرة، بروح تضمن الالتزام بمنهج تأريخي ثابت، ويسعى للإفادة من التراث الإسلامي.
يذهب الناقد (مصطفى فائق) في كتابه ذاكرة المسرح العربي الى توظيف التراث المسرحي يتمثل في اتجاهين:
1-  يوظف المضمون دون الشكل أو القالب واستخدامه مرحليا، فظلت بذلك المسرحيات المستوحاة أسيرة تفاصيل التراث وجزئياته من دون أن نخلعَ عليه وهج العصر.
2-  يوظف وقائع التراث العربي وفنونه في مضمون المسرحية وشكلها من غير تأثيرات في الفنون الأوربية.
ومن الطبيعي أن يختلفَ الكتّابُ في مواقفهم من التراث في المسرح، ذلك إن النشاطالمسرحي في العصر الحديث لم يبت بصورة قاطعة بوجود تراث مسرحي، أو مسرح له ملامحه ومعطياته وأدبياته ومنهجياته ولغته ومقرراته الدرامية وفضاءاته،لأنه يفتقرالى العمق الذي يعطيه شرعيته التاريخية والاجتماعية والفكرية.
 يبقى في المحصلة أنه يمكن للمسرح الحسيني أن يحققَ هويته، ويخرج من رحاب الإتباع الى فضاء الإبداع، حينما يبتعد عن النهج الكلاسيكي وتفسير الحاضر، من خلال إتباع طرق مستحدثة في العرض والتناول، لتكون النتيجة مسرحا حسينيا يجمع بين الواقعية كمنهج وخيار، وبين التجريب المنبثق من المادة كأسلوب آخر للمزاوجة بين تجاربنا المستحدثة وتجارب الآخرين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156670
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28