صُدمتُ وأنا أسمع كيلا وافرا من السب والشتم حينما مررت بجوار أمرأة كبيرة السن وهي تكلم فتاة في عقدها الثاني وهي تنتقدها على لبسها الفاضح الذي يحكي مفاتن جسدها قائلة لها "خالة ما يصير لابسه هيج بهذا الشهر وبهذه المدينة المقدسة شوية خوف الله وإحترام ماكو"
الإ أن كلامها هذا لم يرق للفتاة التي واجهتها بلسان سليط بعدم حقها في التدخل فيما تلبس وتصنع لتردف كلامها بالسب العام وهو ما دعاني للتدخل طالبا من الفتاة أحترام المراة التي هي اكبر منها سنا وأيضا إحترام خصوصية المدينة وان تراعي الذوق العام والشرع الحنيف ولها أن تلبس ما تشاء في بيتها، لكن كلامي هذا كان بمثابة العاصفة التي أثارت غبار سوء اخلاقها وتربيتها فلم يذكرها كلامي هذا بما أنساها الشيطان وكانها تجردت من كل قيم مجتمعنا وديننا الحنيف.
ما الذي جرى !!!؟؟؟
حتى أهمل الجيل الجديد قيم وأخلاق ديننا الحنيف !! أين دور الأسرة ؟ وأين دور الأباء في تحمل مسؤولية تربية أبنائهم ومراقبتهم فيما يعتقدون ويفعلون ويلبسون ؟ أين هم من هذه المسؤولية التي سُيسألون عنها في الدنيا والأخرة، أما في الدنيا فإن الأثام والذنوب التي يرتكبها هؤلاء الأبناء ستكون آثارها تبعاتها وويلاتها على الأباء، وكذلك فإن المجتمع سيذم كل أب منهم قد تهاون في تربية أبنائه.
وأما في الأخرة فالحساب عسير يعقبه عذاب شديد بنار وقودها الناس والحجارة، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/الآية 6.
وكيفية إتقائهم تلك النار والعذاب إنما هو من خلال تربيتهم وتهذيبهم وإرشادهم لطريق الله تعالى، فالتربية هي حق للإبناء في رقاب أبائهم لا يسقط بحال، جاء في كلام الامام علي بن الحسين السجّاد "عليه السلام" في رسالته المعروفة برسالة الحقوق أنه قال: (وأمّا حق ولدك فتعلم أنه مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب) مستدرك وسائل الشيعة، ج2، ص624.
بل أن إهمال جانب التربية من قبل الإسرة سيؤدي الى نتائج خطيرة على الأبناء والمجتمع وأيضا سيجعل هؤلاء الأبناء فريسة سهلة للتيارات والمنظمات المنحرفة التي تشككهم بدينهم وتبعدهم عن إيمانهم والتزام طريق أئمتهم فقد روي عن أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" أنه قال:(بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة) وسائل الشيعة ج15 ص6 ـ 19.
ثم لنتأمل في هذا الحديث الوارد عن أمير المؤمنين "عليه السلام" حيث قال:(علِّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها) وسائل الشيعة ج15 ص197.
والمرجئة هم طائفة منحرفة عملت على التلاعب بأفكار المسلمين وتغيرها، وما أكثر أمثالهم في زماننا، فالامام في حديثه يوجّه الآباء والأمّهات إلى توعية أبنائهم بالأحاديث والروايات لئلا يستغلّ أولئك المنحرفون الفراغ الفكري والتربوي عند الأحداث فتعمل على حرف أفكارهم وتربيتهم، إن التزام الانسان رجلا كان أو أمرأة بقيم وأخلاق دينه سبيل لسعادته في الدنيا والأخرة وما يتوهمه شبابنا تبعا لتأثير الثقافة الغربية عليهم من أن الدين هو عائق بوجه تحررهم وتطورهم إنما هو وهم وخيال وزيف فالغرب ليس بتلك السعادة التي يصورها إعلامه البراق، والتكاليب على الدنيا والشهوات والشهرة وطلب المال والجاه فيها لا يهب السعادة للأنسان ولا يمنحه الإستقرار النفسي والروحي وأن وجد شيء من ذلك فهو سعادة صورية زائفة وخيال سرعان ما يتبدد ويتلاشى كسحابة صيف.
إن تقدير الإنسان لذاته وأحترامه لها إنما يبدأ من تقديره لهويته ودينه وأخلاقه والقيم التي جاء بها الأنبياء والأوصياء "عليهم الصلاة والسلام" وهذا كفيل بأن يكون أنسانا حرا وصالحا، فإذا أمن الأب بهذا كله كان حريصا على أبنائه متابعا لهم مراقبا لتحركاتهم مراقبة المشفق عليهم بما يأمن عليهم من الوقوع في المزالق والضياع هذا من جانب الأسرة.
وأما من جانب الراعي والشريك الآخر أعني به الدولة فهي خير المعين للإسرة في تربية وتنمية أبنائها بما لها من إمكانيات وقدرات وتشريعات وقوانين فبالامكان أن تختزل الجهد وتقصر المسافة في الحفاظ على تلك المنظومة القيمية والأخلاقية والتي تحافظ على النسيج الإجتماعي وتماسكه، وتحمي أبناء الوطن من الضياع والانحراف.
قال معروف الرصافي :
هي الأخلاق تنبت كالنبات ... إذا سقيت بماء المكرمات
فكيف تظن بالأبناء خيراً ... إذا نشأوا بحضن السافلات
وقال أحمد شوقي :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال :
إذا أصيب القوم في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
فهل من خطط إستراتيجية في هذا الإتجاه، فإن تقنين الثقافة الواردة للبلد وتفعيل الإيجابي منها وتقليل مخاطر السلبي لهو من أولى أولويات هذا الراعي والشريك المقتدر، وتضيع ذلك وعدم تحمل الدولة مسؤولياتها فإن الأمور تؤول الى مالايحمد عقباه.
|