• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : خبر عاجل .
                          • الكاتب : اسعد عبد الرزاق هاني .

خبر عاجل

صدّق.. أو لا تصدّق ..نحن أمّة من المحظوظين.. نعم.. نحن محظوظون جداً و محسودون أيضاً ..رغم أننا نشكو لطوب الأرض أحوال هذا الزمان الرديء, و رغم أن أمورنا لا تسرّ عدواً و لا حبيباً. لكننا في نعمة يحسدنا عليها الأعداء و يغبطنا فيها الأصدقاء . فهل توجد أمّة على وجه الأرض تملك من (الأخبار العاجلة) ما نملك.؟ هل سمعتم ذات يومٍ خبراً عاجلاً عن نيوزيلاندا مثلاً أو السويد..؟ هل قرأتم منذ سنوات خبراً عاجلاً أو (غير عاجل) عن سويسرا على سبيل المثال..؟كيف يعيش هؤلاء المساكين..؟؟ والله إن حياتهم تثير الشفقة والملل ..ألا تنشقّ أفواههم من التثاؤب و أخبارهم كلّها محصورة في مشكلة الزبدة التي ارتفعت أثمانها فوق الحدّ المعقول, و أسباب تأخر مواعيد بعض رحلات الطائرات, و النقاش الحامي في البرلمان حول كيفية معالجة مشكلة الأسماك التي تكاد تنقرض, و المصيبة التي ابتلوا بها عندما تحوّلت ملاعب الجولف إلى مستنقعات مائية نتيجة السيول التي اجتاحتها هذا الشتاء ..و الله أننا لو كنّا مكانهم لإنتحرنا. نحن في نعمة يحسدنا عليهما العالم كله.. فيكفيكم تذمّراً وشكوى و شتم الأقدار و البكاء على الأطلال.. هل هناك محافظة في العالم تمتلك ما تمتلكون من احجار اساس لمنشآت ومعامل ومصانع وحقول دجاج وبحيرات سمك ملون و... و...؟ وهل يوجد شعب على وجه الأرض أصبح مشهوراً كما اشتُهرنا..؟ هل توجد أمة تتصدّر أنباؤها صحف الدنيا و مجلاّتها و شاشات تلفازها كل صباح..؟ ألا يطربكم و أنتم تسمعون أسماءكم تُلفظ بجميع اللغات الحية (والميتة أحياناً(.؟ حرب تتلوها حرب.. انتفاضة تتلوها انتفاضة .. اغتيال يعقبه اغتيال .. مؤتمر يلحقه مؤتمر .. تفجير هنا.. مظاهرة هناك.. بيان رسمي و آخر شعبي.. نقل حيّ و مباشر.. بثّ من منطقة الحدث ..و كلّ هذا عندنا هنا.. أصبحنا على كلّ شفة و كل لسان.. كلّ الدنيا تعرفنا اليوم.. يعقدون ندوات عالمية من أجل سواد عيوننا الكحيلة.. لجان تعمل ليل نهار, و مفكّرون يؤّلفون الكتب و مثقّفون يدبّجون المقالات, محاضرات مسائية و صباحية لمحاولة فهم هذا الكائن العجيب الذي يُسمّى (الإنسان العراقي) المحلل الفلاني يقول أن المشكلة في أدمغتهم, والنائب العلاني يردّ عليه لا بل هي في قلوبهم, بينما يرفض محلل آخر كلا الرأيين و يقول بل المشكلة في قولونهم الغليظ !!..و نحن نراقبهم.. أي و الله.. نجلس أمام شاشات التلفاز نضع ساقاً على ساق , أو نتـّكئ اتكاءة الخليّ, نقزقز اللب و نشرب الشاي و نضحك ملء قلوبنا عندما نسمع قفشة من هنا أو نكتة من هناك و ندرك أن هذه) الخناقة) كلها من أجلنا نحن .لا تستصغروا أنفسكم يا ناس.. و الله إن قدركم كبير و أمركم خطير و خبركم مثير ..و بما أننا أصبحنا مدمنين على الأخبار العاجلة و اعتدنا أن نستيقظ من النوم كلّ صباح فنفرك عيوننا الناعسة و نوضّب شعرنا المنكوش و نتفرّج على التلفاز و هو يعرض ( خبراً عاجلاً) عنّا, فنشعر بالنشاط و البهجة و نتوكّل على الله إلى أعمالنا مسرورين مبتسمين.. فقد قرّر بعض الإعلاميين من أصحاب الدم الخفيف و الروح المرحة أن يزيدوا في الطنبور نغماً و أن يعمّموا الموضوع و يفتحوه إلى آخره زيادة في إبهاج الناس و الترفيه عنهم . و رغم أننا مبتهجون أصلاً , و تكاد مراراتنا تنفلق و أكبادنا تنفطر و قلوبنا تنفجر من فرط الحبور و السعادة , فقد أبى علينا هؤلاء إلا أن يمتّعونا و يزيدوا من مساحة ابتساماتنا العريضة..
وهكذا اتخذتُ قراراً..
سأذيع على الملأ بدوري بعض الأخبار العاجلة التي ربما لا تهمّ أحداً على الإطلاق.. لكنها تهمّ (أبطال الحدَث) وبالتأكيد ..أنتم .. أنتم أيها المجهولون ..يا من لا يهتمّ بكم أحد ..يا من لم يغنِ لكم أحد .. يا من لم يحبّكم أحد ...يا من تعيشون بصبر, و تموتون بهدوء ..أنتم يا أبطال الحكايات التي لا ترويها الجدّات.. و لا تشهرها الروايات, و لا تحكيها القصائد . إليكم نشرة الأخبار ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154242
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20