• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إرادة عليٍّ إرادة الله.. العصمة المطلقة سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

إرادة عليٍّ إرادة الله.. العصمة المطلقة سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كان بحثنا في مدلول الرواية الشريفة التي اتفق على صحتها العامة والخاصة، مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى عَلِيّاً فَقَدْ عَصَانِي.
 
ويُستفاد في دراية فقه الحديث ثلاثة مطالب مهمة:
 
المطلب الأول: أنه اتضح حال العصاة والمتخلفين عن طاعة أمير المؤمنين عليه السلام، وبعض ما ورد في مصيرهم بحسب القياس من الشكل الأول بنص كتاب الله تعالى، أنّ كلّ مَن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً، والقدر المتيقن من قوله تعالى: ﴿ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ هو الضلال المبين، هذه الكبرى.
 
والصغرى أن طاعة علي عليه السلام بحكم سنة النبي صلى الله عليه وآله هي طاعة الله، ومعصيته معصية الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله.
 
وكلُّ من تخلّف عن طاعته وعَصَاه فقد ضلّ ضلالاً مبيناً.
هذه الكبرى والصغرى وهذه النتيجة.
أما من هم الذين تخلّفوا وعصوا، فتُثبِتُه الروايات المعتمدة عند الفريقين، هذا المطلب الأول، وهو مما يرجع إلى العصاة.
 
أما ما يرجع له عليه السلام ففيه مطلبين:
 
الأول: إثبات العصمة المطلقة لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
إنّ للعصمة مراتب متعددة، ونتيجة مدلول هذه الروايات ثبوت المرتبة العالية للعصمة، وهي العصمة المطلقة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، هذا المدعى.
 
وأما الإثبات، فإنه يحتاج إلى مقدّمة فنيّة، وهي أنّه يجب أولاً فهم الإطلاق، فما هو الإطلاق؟
وبما أن الطرف المقابل لبحثنا هم علماء العامة ممن كانوا فعلاً من أهل التحقيق، لا أياً كان منهم، فهؤلاء أعلام العامة.
والمطلق عندهم جميعاً عبارة عن اللفظ الموضوع للطبيعة، غاية الأمر أن فيه رأيان:
 
أوّلهما وهو رأيُ عدّةٍ: أن النسبة بين الاطلاق والتقييد نسبة التضاد، فيكون المطلق والمقيد ضدّان.
والرأي الآخر رأي عدّةٍ آخرين، على رأسهم الفخر الرازي: أن النسبة بينهما ليست نسبة التضاد، بل يقولون بأن المطلق جزءٌ من المقيد.
 
وبتعبيرٍ فني: هناك نظريتان علميتان دقيقتان في المسألة: الأولى أن المطلق نفس الطبيعة بنحو لا بشرط مقسمي، والثانية أنه الطبيعة بنحو لا بشرط قسمي.
وبعد التحقيق فإنّ الجامع بين هذين القولين هو أنّ مدلول كل لفظٍ موضوعٍ للطبيعة هو نفس الطبيعة، وأنّ كلَّ قيدٍ خارجٌ.
 
مثلاً: لفظ الإنسان موضوعٌ لنفس ماهيّة الإنسان، أما الوَحدة والتعدُّد والعِلم والجهل والبياض والسواد وكافة الخصوصيات فهي أمرٌ زائدٌ خارجٌ عنه.
وإذا وقع الإنسانُ موضوعاً في كلام الشارع، فينبغي حمله على نفس الماهيّة، مع صدقه على تمام الموارد المشتملة على القيد، ويكون تخصيصه من أيّ جهةٍ وأيّ خصوصيةٍ أمراً زائداً محتاجاً لبيان.
هذا المطلب الأساسي، وبعد بيان الكبرى نبيّن الصغرى فنقول:
 
إن الطاعة لفظٌ موضوعٌ لطبيعيّ الطاعة، وتخصيصُه بأيِّ أمرٍ يحتاجُ إلى مخصِّصٍ وبيانٍ زائد، وكذا لفظ العصيان: فإن معنى الموضوع له طبيعة التَخَلُّف، وترك الامتثال دون التقيُّد بأيّ خصوصيّة من الخصوصيات.
 
وبناء على هذا، فإنّ حمل الطاعة والمعصية في السنة الشريفة على خصوص الشرك بالله أو معصية الله تعالى، أو إضافة أي قيد آخر، من أبطل الأباطيل.
 
لماذا؟
لأنَّ حمل اللفظ الموضوع لمطلق العصيان ومطلق الطاعة على الخاص يحتاج الى مخصِّص، فهو موضوعٌ لكل مصاديق الطاعة والعصيان بدءً من التوحيد إلى أن نصل إلى أرش الخدش.
 
هنا ينبغي الدِّقة جيداً، وعلى أساس أدق الموازين العلمية التي يُحتجُّ بها على جميع علماء العامة، فكلُّ من يخصِّص هذه الطاعة والعصيان بمورد خاص يُسأل: أين هو المقيِّد؟
على أنّ في تأخير البيان وطرح الإطلاق بدون بيان المراد إذا كان مقيَّداً إضلالٌ وإغواء، وقد جاء النبي صلى الله عليه وآله للهداية لا للإضلال.
 
فعندما قال صلى الله عليه وآله: مَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً: أي في مطلق الأمور، وَمَنْ عَصَى عَلِيّاً: أي في مطلق الأمور.
وكلُّ من يدّعي التقييد فهو لم ينل نصيباً من أبسط المسائل العلمية، وهو محجوجٌ عقلاً ونقلاً.
 
وبعدما ثبت الإطلاق، فما منشأ لزوم الطاعة المطلقة والمنع من المعصية المطلقة؟
إنّ العلم مهم جداً، ويحتاج الى كمال الدقة، وللأسف أن ذلك الجدّ والجهد والاجتهاد قد ذهب.
 
بعد ثبوت إطلاق الطاعة، وبما أنّ لكل طاعةٍ وعصيانٍ مبادئ خاصة بها، ننقل الكلام إلى المبادئ، فمبدأ الطاعة أمر الآمر، ومبدأ ذلك الأمر إرادة الآمر، هذه أمور برهانية.
ومبدأ العصيان هو النهي عن العمل، فما لم ينه لا معصية في البَين، وعند التخلُّف عن النهي تقع المعصية، ومبدأ ذلك النهي مبغوضية العمل وكراهته.
ونص الرواية يثبت أن طاعة عليّ طاعة الله، ومعصيته معصية الله، فما نتيجة هذه الكلمة؟
 
نتيجتها أن إرادة عليّ عليه السلام إرادة الله تعالى، وكراهة عليّ كراهة الله تعالى، افهموا هذه الأمور جيداً.
 
إذا كان إطلاق الطاعة والعصيان تاماً، ولم يكن المبدأ غير الكراهة والرغبة، فلا يمكن إلا أن يكون منشأ الإرادة إرادة الله تعالى، ومنشأ الكراهة كراهة الله تعالى.
 
من كانت طاعته طاعة الله مطلقاً وطاعة الرسول في كل الأمور، ومعصيته معصية الله والرسول، فإن إرادته وكراهته فانية في إرادة وكراهة الله تعالى، وهذا ما تعنيه العصمة.
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151859
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13