يستطيع الناس أن يعيشوا بلا هواء بضع دقائق وبلا ماء أسبوعين وبلا طعام حوالى شهرين وبلا أفكار سنوات لا حصر لها، من المضحك المبكي ان هذه الحكمة اصبحت حال الشعب العراقي اليوم، لما نراه من تشظي في الافكار وانعدام الهدف والسكوت على الكثير من مواطن الخلل في الكثير من مرافق الحياة، يرافقها حالة من الضبابية الفكرية، مكنت جميع الكتل والاحزاب من الخوض في غمار الحياة السياسية ببرامج تختلف تماماً عما كانت تطلقه قبيل الانتخابات، تاركة المواطن يتجرع مرار العيش من دون الالتفات الى ابسط احتياجاته.
وفي التاريخ قصص كثيرة من الممكن ان نستشف منها عبر ومواعظ علنا نصحح بعض ما جار علينا به زماننا، ومن تلك القصص حادثة ذي القرنين، النموذج الطيب للحاكم الصالح، الذي مكنه الله في الأرض ويسر له الأسباب فأجتاح الأرض شرقا وغربا ولكنه لم يتجبر ولم يتكبر ولم يطغى ولم يتبطر ولم يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان ولم يعامل البلاد معاملة الرقيق ولم يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه، ولم يقسمهم طوائف وجماعات، وإنما نشر العدل في كل مكان حل به وساعد المحتاجين ودرأ عنهم العدوان دون مقابل واستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان وإحقاق الحق، ثم ارجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضله ولم ينسى وهو في إبان سطوته، قدرة الله وجبروته وأنه راجع إلى الله، فعندما وصل ذو القرنين في رحلته لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين وبينهما فجوة، وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم في صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من المال يدفعونه له، فلم يساومهم ولم يبدأ بطرح متطلبات ولم يملي عليهم الشروط مقابل المساعدة بل وافق الملك الصالح على بناء السد وزهد في مالهم، واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين، وبعد نجاحه في ذلك بدء بطرح (برنامجه الانتخابي) او طريقة الحكم التي سيتبعها معهم، فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة، أما من آمن فسيكرمه ويحسن إليه.
قلما نجد اليوم من يفكر بهذه الطريقة التي تستملك العقول والقلوب، فلو ترك سياسيونا اليوم اعمالهم وافعالهم التي تصب في خدمة المواطن هي التي تتحدث عنهم لما احتاجوا الى برامج ودعايات انتخابية، بل لسارع الشعب العراقي لانتخابهم حتى وان لم يرشحوا انفسهم لدورات برلمانية جديدة، لكن للاسف مايجري اليوم على ارض الواقع لايتجاوز المصالح الشخصية والفئوية والحزبية الضيقة.