وردت في القرانِ الكريمِ الدَّعوةُ الى المسابقةِ والاستباق والمنافسةِ في الخيرات . والمسابَقَةُ والمُسارَعَةُ والمُنافسةُ لَها أَهَمِّيَّتُها في حركةِ الانسانِ المُسلمِ في دُروبِ الحياة؛ ولذلكَ جاءَ التّأكيدُ القُرانيُّ عليها.
الاياتُ التي تحَدَّثَتْ عن المسارعةِ والمسابقةِ والاستباق كثيرةٌ منها :
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).الحديد:الاية: 21 .
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). البقرة: الاية:148.
(أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ). المؤمنون: الاية : 61. وقوله تعالى (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). الحديد : الاية :21.
هناك سابقون في الخيراتِ ، وسابقونَ في الايمان ، ومتسابقونَ الى المغفِرَةِ ومسارعونَ اليها. كما جاءِ في بعضِ الاياتِ الكريمةِ :
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).فاطر: الاية: 32.
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). الحشر: الاية: 10.
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). الحديد: الاية: 21.
(وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). ال عمران: الاية: 133.
وهناك استباقٌ للخَيرِ، واستباقٌ لِلشَّرِ ، فاخوةُ يُوسُفَ بَيَّتُوا نيتَهم الخبيثةَ في تغييبِ اخيهم يُوسُفَ عن وَجهِ ابيهم ، يقول الله تعالى:
(قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ). يوسف: الاية: 17. واستباق يوسُف الباب للفرار من الفاحشةِ ، واستباق امرأةُ العزيز البابَ لايقاع يوسف عليه السلام في الخطيئةِ.
في كل هذه الاياتِ وجدنا سبقاً واستباقاً قيمياً ، استباق نحو الخيرات ، واستباقٌ الى المغفرةِ ، وسبقُ بالايمان ، ومسارعة نحو الخير ، ووجدنا استباقاً للمعصية ؛ فكل السباقات والاستباقات التي ذكَرَها القرانُ الكريمُ هي استباقاتٌ قِيَمِيَّةٌ لاعلاقةَ لها بالزمانِ.
القران الكريم اعتبر السبقَ سبقَ طاعةِ وايمانٍ ، وتسابقاً في مضمارِ القيم ، ولم يربطهُ بالزمان ، كما جاء في قولِهِ تعالى:
(9﴾ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿10﴾ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿11﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿12﴾ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿13﴾ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴿14﴾ .
ففي هذه السورة ( الواقعة) يتحدث الله عن السابقين ، وان منهم ثُلّةً كبيرةً من الاولينَ وقليلاً من الاخرِين . الاياتُ لاتتحدثُ عن سبقٍ زماني وانما هي تتحدثُ عن سبقٍ قيميٍّ واستباقٍ نحو الفضائلِ ؛ ولذلكَ يشتركُ في هذا السبق حتى الاخرِينَ .
القراءةُ الزَّمانيَّةُ لِلسباقِ
----------------------
للأسَفِ ، قَدَّمَ المُحَدّثُونَ وكتبُ التراثِ قراءةً زَمانِيَّةً للسباقِ والسبق ؛ فرووا حديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم هو: ( خيرُ القُرونِ قرني ثمَّ الذينَ يلونهم ، ثمَّ الذينَ يلونهم ....) ، وهو مروي في كتب الحديثِ ، ورواهُ الترمذيُّ والحاكم .
وخير القرون هي قرونُ الصحابةِ والتابعينَ وتابعي التابعين.
هل للزمان قيمة؟ أم انَّ الزمانَ مجرد ظرفٍ ووعاءِ يتحركُ فيه البشر ويمارسون انشطتهم ؟ وحتى عندَ التساؤُلِ عن افضلِ الخلفاء نجد الافضليةَ تُقاسُ عندهم بمعيار الزمان ، فالخليفة الأولُ هو الافضل ويليه الثاني والثالث والرابع ؟
هنا حديثٌ عن افضَلِيَّةٍ زمانيَّةٍ لاأفضلِيّة فضائل وقيم وجهاد ، حتى السلفيَّة عند حديثهم عن السلف الصالح يتحدثونَ بمعيار الزمانِ لابمعيارِ القيمة .
السّلَفُ اختلفوا وتقاتلوا فيما بينهم ، في معركة الجمل ، هناك صحابة في معسكر السيدة عائشة ، فيهم طلحة والزبير وهم سلفٌ صالحٌ بالمعيارِ الزمانيِّ ، وفي معسكر عليٍّ (ع) هناك عليٌّ وصحابة اخرون كعمار وغيرهم ، بالمعيار الزمانيّ ، الجميع عدولٌ وسلَفٌ صالح ، وهكذا الحال في معركة صفين فهناك معسكر معاوية وعمرو بن العاص وفي الطرف الاخر علي (ع) وعمار وغيرهم ، وفي النهروان كذلك ، الجميع سلفٌ صالح بالمعيارِ الزَّمانيِّ . ولكن بمعيارِ القيمةِ حينما نقول سلفٌ صالحٌ ؛ فلابدَّ أنْ يقابله سلفٌ طالح . بمعيار القيمة الذي حدّدَهُ رسول الله (ص) بقوله لعلي (ع) : ( ياعليُّ حربك حربي وسلمك سلمي ) تكون جبهة علي عليه السلام هي جبهةُ السلفِ الصالح وجبهة خصومه جبهةُ السلف الطالح ؛ لان عليّاً مع الحق والحق مع علي ، وعليٌّ مع القران والقران مع عليّ . والقراءة السلفية للسلف قراءة منحازة ، فالسلف عندهم معاوية وعمرو بن العاص ويزيد وكل مجرمي التأريخ ، وليس فيها علي والحسن والحسين ، والعترة الطاهرة .
وفي الختام : السابقونَ هم السابقون في ميدان القيم والفضائل ، لاالسابقون زماناً.
|