المقصود من عرض ونقد الكثير من الأفكار في شتى المجالات، لا يعني أن قائلها ذو قيمة معرفية دائماً، فالنظر في القول ليس نظراً في القائل.
فكثيراً ما يواجهنا بعض المحبين وغير المحبين، بأن قائل القول الفلاني (تافه لا يستحق الرد) وفاتهم أن كلامه هو الخطير المؤثر ويستحق المواجهة والتحذير منه، وليس شخصه.
فمن يرجع لتأريخ عمرو بن العاص يجده وضيعاً بشكل كبير، فلا شرف في نسب، ولا صدق في قول، ولا حظوة من دين أو خُلق، لكنه أتقن اللعب بعواطف وميول السذّج من الناس، وخبر أصحاب المصالح وأهواءهم، واستطاع أن يستقطب أمة من الناس يغير بها مجرى التأريخ.
بل حتى الأفكار والمقالات تجد أنها تحمل في مقوماتها الكثير من التفاهات والسفاهات، لكنها انتشرت وأصبحت واقعاً خطيراً.
فمن يصدّق مثلاً، قبل عشرين عاماً، أنّ أحمد إسماعيل ابن كويطع البصري، الذي ادّعى انه ابن الإمام المهدي ومن ثم اليماني وهي دعوى واضحة البطلان والسفاهة، سيكون له جمهور وفضائيات ومعممون يصلون عليه ويسبحون بحمده ويقدسون له؟
ومن يصدّق أن أبا علي الشيباني إذا ظهر على الفضائيات وفتح باب الاتصالات لا يكاد يضاهيه في كثرتها أكبر أستاذ في أفضل الاختصاصات؟
إن رسالة الإعلام الشيطاني لا تعتمد في خطابها على العقل والمنطق، وليس من شروط مرسِلها أن يكون عالماً أو مفكراً كبيراً، له وزن علمي أو اجتماعي، بل الأعم أن يكونوا ممن لا حظّ لهم في ذلك، فقد يكون أحدهم مهرّجاً كالبشير شو، أو مأجوراً يبيع نتاج قلمه لمن يدفع أكثر، لكنهم عرفوا جمهورهم المخاطَب جيداً، وأتقنوا لعبة الخطاب.
وبعبارة أخرى: إنهم لا يعملون في دائرتك وبيئتك أنت أيها المتدين المثقف المتعقل، وليس لهم شأن بك، إنما لهم من يستقبل رسالتهم ويتفاعل معها، وسوف يشكل أكبر الخطر عليك، ولن ينفعك حينها أن تقول عمن سبب لك الكثير من المشاكل وهدد حياتك ووجودك: إنه تافه لا يستحق الردّ، فليس في من خالف الحق إلا التفاهة والسفاهة.
الإعلام التخريبي يخاطب الغرائز والميول والأهواء والمصالح، ولا تعنيه العقول بشيء، وما أكثر أصحاب الاهواء وما أقل أصحاب العقول.
من هنا أقول: يجب أن نغادر الجزئيات التي تجعلنا ننشغل بالجانب الشخصي للخصم، ونغفل عن الأثر الواقعي له مهما كان في نظرنا ضئيلاً، فالمنكر منكر، والمعروف معروف، ومن واجب المؤمن إنكار المنكر والتحذير منه.
|