عُزِلَ الوالي الذي أصابته لعنة الضلع المكسور، بقي السائس الخبيث دونما عمل، كان -السائس- زمّاراً للوالي المعزول ووسواساً غير خناس.
لن يمكنه العمل لدى الملك الحكيم أو الأمير الطيب فلا خيل لهما ولا وظيفة لديهما للزمّارين وامثالهم.
وصف السائسُ اﻷميرَ أنه كان بسيطاً في مسكنه وملبسه ومأكله، لكن لا عن مدحةٍ بل كنايةٍ خبيثةٍ بأن الأمير درَّب نفسه على الزهد جيدا، وانه أَُشْرِب في قلبه حب الرئاسة.
لم يكن ذلك صحيحاً فقد ولد الأمير في مملكة عظيمة ونهل من أدب الملوك وورث رأفة السلالة المقدسة، شغُفت به الرئاسة، فهي له طالبة وهو لها قالِ لولا الضرورة من القيام بشأن الرعيّة.
زعم السائس -بلا حياء- ان الموطن الاول لﻷمير كان "زابلستان"، وهو يعلم جيدا ان الأمير ولد في المملكة الكبرى "اوروك"، صحيح ان والده الملك الحكيم قد جاء من "سجستان" إلاّ انه لبس تاج الملوك منذ ستين عاماً ولبس التاج الأعظم للمملكة العليا قبل ما يقرب الثلاثين، هي موطن ومملكة جده اﻷول الملقب باﻷمير، المدفون في الهضبة المطلة على البحر الكبير.
أورد السائس اسطورة إدعى ان اﻷمير قرأها في صباه، تقول: ان "زردشت" القى بذوراً في بحيرة سيخرج منها منقذو العالم، وراح يحدّث نفسه بأنه أحدهم، بل كبيرهم ..
ظن السائس او أوحى عن عمدٍ ان النبي -زردشت- من عبدة النار، ليتهم دين اﻷمير وان جذوره نبتت في تلك البحيرة "المجوسية" .
اكذوبة رددها "الصحَّافون" من قبل في الحرب القديمة ذات الثمان حجج، ولم يزل يرددها اليوم أبناؤهم يقلدهم بعض أبناء ملتنا.
زعم -بلا حياء- ان الأمير يقضي الليلَ على سطح داره يبحث عن نجمٍ لامعٍ وتنتابه رعدة المحموم فيفيق مرددا تراتيل بلغةٍ منقرضةٍ.
وما نقم -السائس- من تلك التراتيل المزعومة إلاّ لغة أهل المملكة القريبة التي جائت منها "ملكة النساء" جدة الأمير.
وما الحمّى التي تمنّاها للأمير إلاّ حمّى ضغينة سوّاس الخيل لساسة الرعيّة.
في الأسطبل القديم الذي صار مهجوراً التقى السائس خلسة مع ثلاثة عشر مشعوذاً ومثلهم من القصّاصين وعشرات من المعتاشين، رمقهم ويده تشدّ ُ على الدنانير في الصُرر أنْ فيها مدرات معايشكم.
بثهم في البلدة ليقصّوا على البُلهاء والمخمورين والمتسكعين قصص الجن والغيلان.
مثُل بين يدي الأمير الطيب في البلاط البسيط -حُجيرات وزرابيُ مبثوثة- يشكو له الحال وما دار في البلدة من حكايات المشعوذين زاعماً نفسه من أهل العقل والرشاد والتعفف والسداد، حوقل الأمير .. تنفس وزفر .. استرجع من كذب السائس الخبيث فأشار الى الباب أنْ اخرج .. إغتاض السائس .. تباكى .. إدعى ان الأمير حجبه عن الملك الحكيم الذي أسماه السيد الكبير ..
جمع السائس الخبيث كل الطبّالين والزمّارين فأشاعوا ان الأمير هو من أوعز للمشعوذين والقصّاصين رواية قصص الجن والغيلان.
زعم السائس ان الأمير وبعد سقوط التمثال توهجت في رأسه امنية الزعامة.
كان التمثال يسد الطريق الى البلدة ولم يكن سقوطه لدى الأمير إلاّ فسحة للوصول الى الرعيّة، صار التمثال أحجاراً صنع النحاتون منها تماثيل صغيرة لم تزل تسد جزءً من الطريق، إلاّ ان بينها فسحات لمواضع الأقدام إستطاع الأمير الطيب ان يتخطى رقاب التماثيل خلالها.
السائس لن يخنس .. قال ان قصص الجن والغيلان لن تنتهي بعد ولها تتمة ..
|