الحياة فيها الكثير من التجارب الشخصية لكل فرد ، ومن لا يتعلم من التجارب لا خير فيه ، ففي التجارب الفوائد الكثيرة ، ولكن بعضها رغم فائدتها كل ما تتذكرها تنزعج أي انزعاج ! من هذه التجارب التي كلما تذكرتها تنتابني غصة هي في قراءة بعض الكتب التي خدعتني ببهرج أفكارها وترصيع كلماتها ! بداية الإطلاع على الكتب والقراءة انخدعت ببعض الكتّاب ممن كتبهم منتشرة في كل مكان ، ويكاد لا يخلو مجلس من ذكرهم ، كحال أغلب الشباب الذي ينخدع بالقشور الملونة! فقرأت لهم الكثير حتى وإذا بي أتطبع بطبعهم وادافع عن أفكارهم دفاعا مستميتاً ، إلى حد الخروج عن أدب الحوار ، والتي من المفترض أن اتعلمها منهم فهم أصحاب الفكر النير البعيد عن الثقافة الدينية الكلاسيكية و الإصلاح الديني من أساسياتهم ، ولكن هي مجرد مقولات سطحية يخدعون بها أو ربما خُدعوا بها ! فصرت أقلدهم بالكلمات فلا أذكر نبيا أو إماما إلا وجردت ذكرهم من ألفاظ التبجيل والاحترام ، أذكرهم وكأني ذكرت شخصا عاديا ، أقول : « قال محمد ، وقال علي ، هكذا كان خلق محمد العظيم ، وهكذا كانت شجاعة علي القائد ، هكذا صالح الحسن ، وهكذا قتل الحسين »!! فكنت أتصور تجريد ذكرهم من هذه الألفاظ هو الثقافة والوعي ، فالنبي لا يحتاج إلى كل هذا التعظيم فهو عظيم شئت أم أبيت ! بعد مدة من الزمان انجلى نور الحقيقة ببركة حديث آل محمد صلوات الله عليهم ، وعرفت سخف هذه الطرق ، وتبصرت بكلمات الفقهاء العظماء لا دعاة الوعي السفهاء ، يقول الفقيه الكبير الشيخ الوحيد الخراساني : « لا تقولوا على المنابر بعد هذا : حسين (هكذا ، بهذه البساطة)! ، تأدبوا واعرفوا بماذا تتفوَّهُون ، وأي اسم هذا الذي يجري على ألسنتكم . على الرغم من غسل الفم ألف مرة بالعطر وماء الورد ، إلا أنَّ جريان اسمك هو غاية سوء الأدب ، أذا أردتم ذكره فقولوا : سيد الشهداء ، إمام الأولياء ، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ..»[١]. كل الذي ذكره الشيخ الوحيد شيء قليل فلو اطلعنا على تعامل أهل البيت عليهم السلام في تعظيم اسم النبي الأكرم صلوات الله عليه واله لتعجبنا ! روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « عَنْ أَبِی هَارُونَ مَوْلی آلِ جَعْدَةَ، قَالَ: کُنْتُ جَلِیساً لأبِي عَبْدِ اللّهِ علیه السلام بِالْمَدِینَةِ ، فَفَقَدَنِي أَیَّاماً ، ثُمَّ إِنِّي جِئْتُ إِلَیْهِ، فَقَالَ لِي: لَمْ أَرَكَ مُنْذُ أَیَّامٍ یَا أَبَا هَارُونَ؟ . فَقُلْتُ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ. فَقَالَ: بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِیهِ ، فَمَا سَمَّیْتَهُ؟ . قُلْتُ: سَمَّیْتُهُ مُحَمَّداً. قَالَ : فَأَقْبَلَ بِخَدِّهِ نَحْوَ الأرْضِ وَهُوَ یَقُولُ: مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ حَتّی کَادَ یَلْصَقُ خَدُّهُ بِالأرْضِ.. »[٢] فأي تعظيم هذا؟! إمام معصوم ، إمام الوجود كله ينحني إلى درجة يصل خده الأرض لمجرد إنه سمع اسم النبي الأعظم ! وللإمام الصادق عليه السلام حالات في تعظيم النبي صلى الله عليه واله تعجب منها العقول فروي عنه إنه كان كثير الدعابة والتبسم ، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه واله وسلم اصفرّ لونه وكان ما يحدث الحديث عن رسول الله صلوات الله عليه واله إلا على طهارة [٣] .
ــــــــــــــــــــــــ
[١] مقتطفات ولائية ص٢٥ . [٢] الكافي ج٦ ص٣٩ . [٣] بحار الأنوار ج ١٧ ص٢٤ ط : الأعلمي .
|