تخيَّل أَنَّك تسمع هذه العِبارة من شعبٍ تعدادهُ [٤٠] مليون نسمةٍ في بلدٍ كالعِراقِ مثلاً!.
نحن دائماً أَمام [٤٠] مليون [حلِّ وحيد]! فمَن يتنازل لصالحِ مَن؟! ومَن يتعاون مع مَن؟! وكيف سنجد الحلول المناسِبة لمشاكِلنا إِذا تخندق كلُّ واحدٍ منَّا وراءَ حلَّهُ الوحيد؟! وأَساساً؛ كيفَ سنبني رؤيةً مُشتركةً؟!.
عندما تَكُونُ أَمام [الحلِّ الوحيد] لم يترك لَكَ أَحدٌ فرصةً للحوار والحديث والتَّصويب والتَّخطيئ والنِّقاش والرَّأي الآخر!.
فكلَّما أَردت أَن تُناقشَ موضوعاً مهما كان نوعهُ فستتلقَّى أَجوبةً عدَّةً عنوانها [الحلُّ الوحيد].
فكلُّ مواطن يرسمُ لنفسهِ حدودَ الحلِّ الذي يراهُ مُناسباً ويقفل عليهِ عقلهُ بعنوان [الحلِّ الوحيد].
فكيف يمكنُ لمثلِ هذا الشَّعب أَن يجد لنفسهِ الأَرضيَّة المُشتركة والرُّؤية المُشتركة إِذا كان كلُّ مواطنٍ متزمِّتاً بـ [حلِّهِ الوحيد]؟!.
إِنَّ هذه الظَّاهرة تُدلِّل على أَنَّ كلَّ مواطنٍ يُحاورُ نَفْسَهُ فقط ويرفض أَن يتحاورَ مع الآخرين! وإِذا حاورهم فليسَ أَمامهم إِلَّا خياراً واحداً هو أَن يتبنَّوا [الحلَّ الوحيد]!.
كما أَنَّ الظَّاهرة تحولُ دُونَ تحقيقِ الحدِّ الأَدنى من الحوار المنطقي والعقلاني بين النَّاس في المُجتمعِ الواحد.
وهي [الظَّاهرة] تُشيرُ إِلى عقليَّة التزمُّت وإِنعدام المرونةِ والتصلُّب عند صاحبِها الذي يتبنَّى القاعدة المعروفة بالمقلوبِ [أَوَّل الدَّواء الكيِّ]!.
فكيفَ يمكننا أَن نُلغي هذه الظَّاهرة المرضيَّة الخطيرة من واقعِنا ونستبدلها بمنطقِ [الخَيارات]؟!.
أَرأَيتم العاقل والمنطقي والمُنصف عندما يُحاوركَ؟! إِنَّهُ يذكر لَكَ عدَّة خَيارات مُستخدماً عِبارات مثل [(أَعتقد) و (أَتصوَّر) و (أَرى) و (مِن المُمكن)] وغيرها من العبارات التي تفتح نوافذَ أَمام الآخر لبدءِ الحوار، وهو يتجنَّب عبارات مثل [(لا أَرى إِلَّا) و (أَجزم) و (الحلُّ الوحيد) و (مُستحيل) و (لا يُمكنُ)] وأَخواتها والتي تغلق باب الحِوار في اللَّحظة الأُولى!.
إِنَّ مَن يقدِّم لَكَ حلّاً وحيداً يغلق بوجهِك باب الحِوار ولا يُرِيدُ النِّقاش أَبداً فهوَ يُملي عليكَ ولذلك فهو فاشلٌ في رسمِ رُؤيةٍ مُشتركةٍ لأَنَّها لا تقومُ أَبداً على [الحلِّ الوحيد] وإِنَّما على عدَّة حلول تتَّفق الأَغلبيَّة على أَفضلِها وأَحسنِها منطِقاً!.
عليهِ؛
١/ عندما تُبدي رأياً لا تَجزم بهِ، ثمَّ اصغِ لرأي الآخر باحترامٍ وتواضعٍ.
٢/ عندما تُبدي رأياً لا تُحاول فرضهُ وإقحامهُ عُنوةً في عقلِ الآخر خاصَّةً إِذا كان مُحاورُكُ وقتها!.
٣/ عندما تُبدي رأياً لا تتشبَّث بهِ وحاول أَن تتراجع عَنْهُ فوراً إِذا لمستَ في رأي الآخر منطقيَّةً وعقلانيَّةً وإِنسجاماً وقُرباً للواقعِ.
٤/ عندما تُبدي رأياً حاول أَن تقدِّم عدَّة خيارات واحتمالات في إِطار نفس الرَّأي!.
٥/ عندما تُبدي رأياً لا تناقشهُ بمِراءٍ أَو سفسطةٍ أَو لعرضِ العَظلاتِ!.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ}.
٦/ عندما تُبدي رأياً تذكَّر أَنَّ للآخرين رأياً كذلك!.
٧/ عندما تُبدي رأياً حاول أَن تجِد القواسِم المُشتركة في آراء الآخرين لتحقيقِ الرُّؤية المُشتركة! ولا تركِّز على نقاط الخلاف والنُّقاط الحادَّة على وجهِ التَّحديد.
٨/ عندما تُبدي رأياً تذكَّر دائماً القاعدة الذهبيَّة التَّالية؛ [ليس المُهمُّ أَن تتَّفق أَو تختلف وإِنَّما المُهم أَن تنسجم]!.
٩/ عندما تُبدي رأياً ضعِ الحُبَّ والكُرهَ جانباً وركِّز على الفكرةِ، فإِنَّ أَكثر أَسباب فشلِ الحِوار نفسيَّةً وليست حقيقيَّة!.
١٠/ وأَخيراً؛ عندما تُبدي رأياً تأَكَّد بأَنَّ رأيكَ هذا ومهما كان صحيحاً لا يمكنكَ أَن تصنعَ بهِ حلّاً إِذا لم تنجح في إِقناع الآخرِين به! فليكُن سعيك لإِقناعهم كسعيِكَ لإِثباتِ صحَّتهِ! الأَمر الذي يتطلَّب منكَ أَن تتسلَّح بكلِّ أَدوات العقل والمنطق والأَخلاق الحميدة وعلى رأسها سَعة الصَّدر لتستوعبَ إِنتقادات الآخرين وتساؤُلاتهم وشبهاتهُم التي قد تَكُونُ أَحياناً ساذجةً جدّاً حدِّ التَّفاهة!.
يَقُولُ الله تعالى لنبيِّهِ الكريم (ص)؛ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
٢٥ تمُّوز ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
|