• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٨) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٨)

   {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
  أَسوأُ الخِداع هو ضحكُ المرءِ على ذقنهِ! يعرفُ الأَمرَ ويتجاهلهُ ويتيقَّن من الحقيقةِ فيغضُّ النَّظر عنها ويستيقنَ الآيات ويجحدُ بها!.
   إِنَّهُ يُمارسُ خِداع الذَّات ظنّاً مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يخدعُ بهِ الآخرين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}!.
   إِنَّ تجاهُلك للشَّيء لا يُغيِّر من الحقيقةِ أَبداً!.
   في قِصَّة إِبراهيم (ع) أَراد نبيَّ الله أَن يُنبِّههُم إِلى أَنَّهم يعرفُونَ الحقيقة ويتجاهلونَها فمِنهم مَن استوعبَ الفِكرة ومنهُم مَن أَخذتهُ العزَّة بالإِثمِ فبدلاً من أَن يُصحِّح المَسار تشبَّثَ بالباطلِ فدعا إِلى حرقِ النَّبيِّ لأَنَّهُ نبَّههُ إِلى نفسهِ! بدلاً مِن أَن يشكرهُ!.
   يَقُولُ تعالى {فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} لينبِّههُم فيفيقُوا من غفلتهِم! ثمَّ سأَلوا {قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} ليصفعهُم هَذِهِ المرَّة لينتبهُوا إِلى أَنفسهِم.
   في الوهلةِ الأُولى إِستسلم الجميع للحقيقةِ {فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}.
   إِذن، فإِنَّ الطَّبيعة الإِنسانيَّة تعودُ إِلى صفائِها وفطرتِها عندما تُنَبَّه عن الخطأ وتتأَكَّد مِن الحقيقة! والتنبيهُ هُنا تذكرةٌ وليس تعليمٌ لأَنَّها تعرف الحقيقة وتتجاهلها بسببِ عواملَ خارجيَّة عدَّة تحولُ بينها وبين الإِعتراف وتالياً الإِلتزام والتمسُّك بالحقِّ، كالخَوفِ مثلاً أَو المصالح الذاتيَّة والأَنانيَّات أَو ما إِلى ذَلِكَ، ولذلكَ وصفَ الله تعالى مُهمَّة الرُّسُل والأَنبياء بالتَّذكِرة {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} و {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.
   الإِنسانُ خبيرٌ بنفسهِ مهما خدعَ نَفْسَهُ بالأَعذارِ {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.  
   ولكنَّهم فيما بعدُ إِنقسمُوا إِلى قِسمَين؛ قسمٌ رتَّب موقفاً على عمليَّةِ تنكيسِ رأسهِ خجلاً أَو ندماً، فاستفاقَ من الغفلةِ وأَعلن إِيمانهُ بالله تعالى وبرسالةِ إِبراهيم (ع)! وقسمٌ تمسَّك بموقفِ العَناد فلم يُؤْمِن ولَم يستسلِم للحقِّ حتى إِذا كانَ الموقفُ على حسابِ العقلِ والمنطقِ! فالذين آمنوا احترمُوا عقولهُم على الأَقلِّ بعد أَن فضحَ إِبراهيم (ع) مدى خِفَّة عقولهِم إِذا يعبدُونَ أَصناماً تَعجز عن الدِّفاع عن نفسِها! أَمّا الذين لم يؤمنُوا فآثرُوا الضِّحك على ذقونهِم وخداع أَنفسهِم على أَن يعترفُوا بالحقيقةِ!.
   هؤلاء هُمُ الذين دعَوا إِلى إِحراقِ إِبراهيم (ع) خوفَ الفضيحةِ التي سيخسرُونَ بسببِها مكانتهُم الإِجتماعيَّة وإِمتيازاتهم الخاصَّة! إِذ تصوَّرُوا بأَنَّ تغييبهُ عن السَّاحةِ سيُساعدهُم في إِخفاءِ الفضيحة! {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}. 
   إِنَّ حال الكثير منَّا حالَ قومِ إِبراهيم (ع)! إِذا نبَّهتهُ إِلى وعيهِ تهجَّم عليكَ! وإِذا ذكَّرتهُ بالحقائقِ التي استوعبَها وتغافلَ عنها لأَيٍّ سببٍ كانَ سبَّكَ وسعى إِلى تسقيطِك واغتيالِك سياسيّاً من خلالِ بثِّ الشَّائعات والأَكاذيب! وإِذا دِسْتَ على ذَيلِ [العِجل السَّمين] الذي يعبدهُ جنَّ جنُونهُ! ولو كانَ الأَمرُ بيدهِ لقالَ {حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ}.
   إِنَّ أَسباباً عديدةً تتجمعُ عند المرءِ ليُمارسَ خِداع الذَّات أَوَّلها الجهل وغياب المَعرفة وثانيها الخوفُ من المستقبلِ والذي يحثُّهُ على التمسُّك بالمَوجود على ان يفكِّر بالتغيير والتطوير والتحديث والإِصلاح حتى إِذا كانَ الحاضرُ والواقعُ سيِّئاً جِدّاً! وثالثها المصالح والأَنانيَّات التي تشدَّهُ إِلى الواقع خَوفاً من الفضيحةِ مثلاً أَو إِنقلاب الأُمور وبالتَّالي خسارتهِ لما في اليدِ على حسابِ العصافير التي على الشَّجرةِ!.
   وهذا هُوَ الفرقُ بين الشُّعوب المتحضِّرة والأُخرى المُتخلِّفة! فبينما يشكُرك المُواطن عندهُم إِذا نبَّهتهُ إِلى خطأ أَو فشلٍ يثورُ في وجهِك المُواطن عندنا بمُجرَّد أَن تُبدي ملاحظتك أَو اعتراضكَ على شَيْءٍ قالهُ أَو فعلهُ! فكيفَ إِذا كانَ من ذيولِ [عجلٍ سمينٍ] أَو بوقٍ من أَبواقِ [القائد الضَّرورة]؟! وما بالُكَ إِذا كانَ هو [العِجلُ السَّمين] و [القائد الضَّرورةِ]؟!.
   ولهذا السَّبب شاعت في مجتمعاتِنا ظاهرة عِبادة الشخصيَّة التي تُشكِّل أَخطر الأَمراض الإِجتماعيَّة التي يتراكم بسببِها الخطأ والفَشل والإِنحراف.
   يَقُولُ تعالى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
   نَحْنُ بحاجةٍ إِلى الكثير من المعرفةِ والوعي والرُّوح الرياضيَّة لنتقبَّل الذِّكرى ونتراجع إِذا تأَكَّدنا من الحقيقةِ بعقولِنا المُجرَّدة عن الأَنانيَّات والأَهواء والمصالح الخاصَّة التي إِذا طغَت على الصَّالح العام فسنتخندق خلفَ مواقفِنا حتى إِذا اكتشفنا أَنَّها غَير صحيحة! وعندها سنكونُ مصداقَ قولهِ تعالى {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}.
   ٢ حُزَيران ٢٠١٨
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=119976
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14