صفحة الكاتب : سلمان عبد الاعلى

المسلمون وسؤال الحرية (الفكرية)
سلمان عبد الاعلى

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ما أكثر الأصوات التي تنادي بالحرية وتطالب بها، فكل التيارات الفكرية أو لنقل أغلبها تدعي –ولو نظرياً- أنها تشجع على الحرية الفكرية، إذ نراها (ترتكز) في وجودها، و(تركز) في أعمالها على مفهوم الحرية، لأنها بلا حرية تثبت تميزها عن غيرها (المخالف لها) أو (المختلف عنها) لا يمكنها أن تدافع عن وجودها، لأن الحرية سر وجودها وتميزها، ولهذا فالحرية من حيث المبدأ متفق عليها بين جميع التيارات الفكرية، سواءً كانت دينية أو غير دينية، ولكن يبقى الاختلاف في كيفيتها ومساحتها (ضوابطها وحدودها).

          من هنا تأتي أهمية الإجابة عن سؤال الحرية الفكرية لدى المسلمون، السؤال الهام الذي أرى بأن الإجابة عليه في غاية الأهمية، وذلك لأنها –أي الحرية- نظرياً تختلف عن ما هو قائم فعلياً على صعيد الواقع، فلو تسائلنا قائلين: ما هي الحدود والقيود التي توضع على الحرية الفكرية في الإسلام؟ لرأينا الإجابة عن هذا السؤال تختلف عما هو عليه الوضع على أرض الواقع، فالكثير من المسلمين يقعون في تناقضات حادة بين ما يقولونه وما يفعلونه، ففي الوقت الذي نراهم يخطبون ويكتبون عن الحرية التي أعطاها الإسلام للإنسان مستدلين بذلك بــــــ الأدلة العقلية والنقلية، نراهم يكثرون في الواقع العملي من وضع الحدود والقيود على هذه الحرية بمبررات منطقية وأخرى غير منطقية.
      فلو تحدث مثلاً بعض العامة من أبناء المسلمين في بعض القضايا الفكرية المتعلقة بالفكر الإسلامي، ولو بوضع بعض التساؤلات البسيطة التي يريدون الحصول على إجابة لها، رُفض حديثهم وقوبل بالاعتراض والاستنكار، وقد يقال لهم حينها، بأنكم غير مختصين في العلوم الإسلامية، فلماذا إذاً تتحدثون وتتدخلون في غير إختصاصكم؟! 
وكذلك الأمر، إذا تحدث بعض أهل الإختصاص في بعض هذه القضايا الفكرية بشكل لا ينسجم مع الفكر السائد، فسيرفض حديثه أيضاً وسيقال له عندها: بأنك لست في مستوى علمي رفيع حتى تناقش في هذه القضايا التي أقرها علمائنا الأفذاذ، وربما يقول له هذا القول من هو أقل منه علماً وفهماً بمستويات كبيرة !!
 
          أما إذا ناقش بعض هذه القضايا أحد العلماء الكبار، فإنه عندها سيقال عنه –وليس له- بأنه: مشكك في الثوابت الدينية، وسوف ينعت بالضال المضل، وبعدو الزهراء (عليها السلام)، وبعدو أهل البيت (عليهم السلام)، وبغيرها من الأوصاف والنعوت التي على هذه الشاكلة، وهكذا حيث توضع القيود على الحرية الفكرية بشكل غريب وغير منطقي؛ تارة بذريعة التدخل في غير الاختصاص، وأخرى بذريعة التشكيك في الثوابت والعقائد الدينية وغيرها !َ 
          والغريب في الأمر أننا إذا تسائلنا قائلين: ما هي الثوابت الدينية الواجب الاعتقاد بها، والتي لا يجوز أبداً تجاوزها؟ فإن الإجابة عن هذا السؤال تأتي مختصرةً جداً كأن يقال: أن الثوابت الضرورية التي لا يجوز التساهل معها أو التنازل عنها هي أصول الدين الأساسية (التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد). 
ولكن ما نلاحظه أنه عندما يُفتح باب النقاش حول بعض القضايا الدينية الخارجة عن دائرة الأصول الدينية المحددة سابقاً؛ نرى البعض أيضاً يرفض ذلك بشدة ويضيفها للثوابت الدينية التي لا يصح أبداً فتح النقاش حولها، وهي في حقيقتها قد تكون قضايا دينية جزئية ليست بالأساسية أو أنها تكون مسائل وأحداث تاريخية ليست ذات ارتباط بالعقائد الدينية أو أن يكون لها ارتباط ولكنه ارتباط ضعيف، المهم أن كل شيء أصبح عند البعض من الثوابت التي لا يجوز مناقشتها، ولا ينبغي بحال التهاون مع من يثيرها أو يفكر في مناقشتها!!
والغريب أننا فعلياً نناقش الثوابت والمسائل المتعلقة بالأصول العقائدية الدينية كالتوحيد (ما هو الدليل على وجود الله؟) والعدل (هل الله عادل؟) والنبوة (كيف نعرف صدق النبي؟) والمعاد (ما هو الدليل على البعث بعد الموت؟) برحابة صدر مع أنها من الأصول العقائدية الأساسية الثابتة، ونرفض بعدها مناقشة حديث أو رواية أو دعاء... بحجة أنها من الثوابت التي لا يجوز مناقشتها، فكيف نفهم ذلك يا ترى ؟!!
مهما يكن، فإنه من الأمور الثابتة أن الإسلام كـ دين قد كفل الحرية الفكرية، وشجع عليها وحث على البحث والتأمل والتفكير حتى في الاعتقاد بأصل الدين، حيث أعطى الحرية في ذلك، وقال ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) ((فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ))، ومن هنا تأتي الجدوى المرجوة من الدين، لأن الدين دون حرية الإختيار لا فائدة منه ولا ميزة معه.  
وبناءً على ذلك، فإننا نرفض ما يقوم به بعض المسلمين من معاداة الحرية ومحاربتها، لأن هذا مخالف لتصورنا الإسلامي في هذا الشأن، فالإسلام حث على الحرية الفكرية بهدف السعي للوصول إلى الحقيقة لا من أجل الإبتعاد عنها، وهناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي حثت على التأمل والبحث (بحرية) من أجل الوصول إلى الحق، ولكن البعض يظن واهماً أنه إذا أعطينا الناس الحرية، فإنهم سيبتعدون لا محالة عن الدين وقيمه وتعاليمه، وهذا ما يصور الفكر الديني وكأنه فكر هزيل ومرتبك يخشى من مواجهة الفكر الآخر، وهذا بالتأكيد يخالف التصور الإسلامي للحرية التي هي: (الحرية بهدف الوصول للحق وليست الحرية بهدف البعد عنه). 
إن هذا الخلل ناشئ من الفهم الخاطئ للحرية، وسوء الظن بالناس وقلة الثقة بهم، لأن البعض يتصور بأنه إذا أعطيت الحرية للناس فإنهم سيختارون الانحراف لا محالة، فالحرية عند هؤلاء تساوي الانفلات الأخلاقي والتمرد الديني، إذ يتصورونها دون حدود وضوابط، ولا يفهمونها بالمعنى الصحيح، بأنها الحرية في البحث والتأمل والاختيار بهدف التوصل للحقيقة المنشودة. 
          والحرية بهذا المعنى –الحرية للوصول إلى الحق- واجب على المسلمين كافة، وليست مجرد حق لهم كما في الفكر الغربي، فمن المعروف أن أصول الدين لا يجوز فيها التقليد، بل يجب الوصول فيها إلى اليقين والاطمئنان، وهذا يعني أن الحرية الفكرية هنا واجبةً شرعاً، وليست مجرد حق يمكن أخذه أو التنازل عنه.
          ولهذا نقول: إذا كنا ندعي بأن الإسلام قد كفل حرية التفكير والبحث والتعبير عن الرأي، فعلينا أن نرحب بكل من يمارس هذا الدور على أرض الواقع (بشروطه وضوابطه)، ولكن وللأسف الشديد أننا لا نزال نرفض الممارسة، ونضع المبررات الهزيلة لرفضنا لها.. وهكذا يبقى سؤال الحرية (الفكرية) حائراً عندنا، وعليه أن يمر بمخاضات متعسرة حتى نبشر بولادة جديدة لأجوبة وممارسات عملية شافيه تخرجه من حيرته.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلمان عبد الاعلى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/16



كتابة تعليق لموضوع : المسلمون وسؤال الحرية (الفكرية)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net