صفحة الكاتب : نزار حيدر

يَوْمُ آلمُباهَلَةِ..يَوْمُ آلصّادِقِينَ
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  عندما يصطحبُ رَسُولُ الله (ص) معهُ للمباهلةِ مع نصارى نجران، إِبنتهُ فاطمة الزّهراء وبعلَها عليّ بن أَبي طالب وسبطيهِ الحسن والحُسين علَيْهِمُ السّلام، فهذا يعني انّهُ؛
   واثقٌ من قضيَّتهِ.
   صادقٌ مع قضيَّتهِ.
   والّا لم يُبَدِ هذا الاستعداد العظيم للتّضحيةِ بمَن وصفهم القرآن الكريم بقولهِ تعالى {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. 
   ولقد استوعبَ الطّرف الآخر، نصارى نجران، هذا المعنى فامتنعَ عن آلمُباهَلَةِ إذ تيقّنَ انّها قضيةٌ خاسرةٌ بالنّسبةِ لهُ بلا شكّ.
   يَوْمُ آلمُباهَلَةِ، إِذن، هو يَوْمُ الصّادقينَ مع أَنفسهِم وقضيَّتهِم، فعندما يُبدي صاحب القضيّة استعدادهُ للتّضحيةِ بنفسهِ وبأقربِ النّاس اليهِ في سَبِيلِ رسالتهِ، فتأكّد بأَنّهُ صادقٌ، ولنا في قصّة أَبي الأنبياء سيّدنا إِبراهيم (ع) خير نموذجٍ وقدوةٍ وأسوةٍ.
   يقول تعالى يحكي قصّتهُ مع الصّدق {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
   وانّ من أعظم البلاء هو البلاءُ في الصّدق والتّصديق، ولذلك أَمرنا الله تعالى ان نكون مع الصَّادِقِين بقولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
   والصادقون كما يُخبرُنا القرآن الكريم هم مُحمَّد وآل محمَّد (ص) الذين أَمرنا ربُّ الْعِزَّة ان نكونَ معهم، فهم الخطّ الوحيد في التّاريخ الذي ظلَّ مُستعدّاً للتّضحيةِ بالنّفس وبالأقربِ فالأقربِ، ولعلّ في عاشوراء الحُسين (ع) في كربلاء أَعظمُ مصداقٍ لهذا المعنى.
   الصّادقونَ لا يتردّدون في التّضحيةِ من أَجل القضيّةِ، وهم يرفضونَ أَن يتقدّمهم الآخرونَ للتّضحية من أَجْلِ توفيرِ أَنفسهم! أبداً، وعكسهُم هم الكذّابون الدجّالون المنافقون الذين يحوِّلون تضحيات الآخرينَ الى جسرٍ يعبرونَ عليهِ الى الضّفة الاخرى! ضفة الامتيازات الخاصّة، فالغُرمُ على أولادِ الخايبةِ والغُنمُ لأولادهم الذين يتوزّعون على المواقع والمناصب وتُوزَّع عليهم الامتيازات!.
   إِنّهم، الصّادقونَ، لا يبرِّرون تخلُّفهم عن التّضحيةِ أَو وقوفَهم على التلِّ او الحضورِ في آخر الصُّفوف، أَبداً فهذا رَسُولُ الله (ص) يصفُ مكانهُ في ساحة الحربِ أمير المؤمنين (ع) بقولهِ {كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ (ص) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ} وقولهُ (ع) {وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (ص) إذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالاَْسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد، وَقُتِلَ جعفر يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ،مَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ} وذاك علي بن أَبي طالبٍ (ع) الذي يصفُ موقعهُ في ساحةِ الحربِ بقولهِ {فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُد حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: «أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ»؟ فَقَالَ لي: «إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَنْ»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَلكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ البشرى وَالشُّكُرِ}.
   وهكذا هم أئمَّةُ أهلُ الْبَيْتِ (ع) فهم أَوّل النّاسِ تضحيةً لم يسبقهُم اليها احدٌ وبذلك نالوا درجة (الصَّادِقِين) بل هُمُ (الصّادِقونَ).
   امّا الكذّابون خاصَّةً الذين يتقمّصونَ لباسَ الصَّادِقِينَ فهُم آخرُ المُضحّين وأوَّلُّ المستفيدينَ، ولعلّ في السّاسةِ والقادةِ والزّعماءِ الذين ابتُلينا بهِم بعد سقوطِ الطّاغيةِ الذّليل صدّام حسين نموذجاً لهؤلاءِ.
   انّ السّياسي الذي يُحرّض الآخرين على زجِّ أَولادِ النّاس في المعركة ويوفِّر حياة أَبنائهِ...كذّاب.
   وانَّ الزّعيم الذي يُحرِّض على (الشّهادة) ويوفِّر أَبناءهُ للمستقبل...دجّال.
   وانّ القادة الضّرورات الذين يدفَعون بالشّباب لاقتحامِ ساحات القتال ويدفعونَ بأبنائِهم لاقتحامِ عواصم الغرب وجامعاتهِ والمناصب والسّفارت...تُجّارُ دَم.
   فانَّ من صفاتِ الكذّابين الدّجّالين، أنَّهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلونَ عكس ما يقولون!.
   يتحدّثون عن التّضحيةِ ويقصدونَ غيرهم! ويتكلّمون عن الإصْلاحِ ويقصدونَ غيرهُم!.
   يتحدّثونَ عَنِ الحُقوقِ ويقصدونَ أَنفُسَهُم! ويتكلّمونَ عن الواجباتِ ويقصدونَ الرّعيّة!.
   دقِّق في سيرةِ أيٍّ منهم، خاصَّةً (الإصلاحّيين) منهم وزعماءهُم الذين ينعقونَ تحتَ قُبّةِ البرلمان بما لا يفهمونهُ، فستجدهُم مِصداق صارخٌ لهذا النّوعِ من السياسيّين الكذّابين!.
   يتصوّرون انّهم يضحكونَ على الشّارع عندما يتحدّثون عن الإصْلاحِ ومحاربةِ الفسادِ من دون أَيّ نموذجٍ يُحتذى أو دليلٍ مُقنع، بل العكس هو الصّحيح، فعندما تقودُ [العجولُ السّمينةِ] التي طالب الخطاب المرجعي بالضّرب على رؤوسِها بيدٍ من حديدٍ، مشروعَ الإصْلاحِ والحربِ على الفسادِ! فكيف يريدونَ ان يقنعوا الرّأي العام بشعاراتهِم المُزيّفة اذا كانوا يتستّرون على أَقرب النّاس اليهم؟! كما رأينا جميعاً أَحدهُم يفعلُ ذَلِكَ وقد علَت وجههُ ضحكةً صفراءَ مُستهزئاً؟!.
   نَحْنُ اليوم بأَشدِّ الحاجةِ الى زعماءَ صادقين، صادِقون مَعَ أَنفسهم ومع قضيّتهم ورسالتهِم ومع شعبهِم وناخبيهِم، امّا القادة الكذّابون فلقد رأَينا الى أَين أَخذوا البلد! وكيفَ أداروا الدّولةِ.
   نريدُ نائباً صادقاً اذا وعدَ أَوفى واذا تكلَّم صدق، واذا ائتُمنَ أدّى الامانةِ، ولا نريدُ نائباً مُنافقاً كذّاباً {إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ} كما يصفُ رَسُولُ الله (ص) المُنافق!.
   لا أَدري أهيَ صدفةٌ ان اجتمعت هذه الصّفات الثّلاث تحت قُبّة البرلمان؟! أَم هُوَ الحظُّ؟! أم ماذا؟!.
   ٢٦ أيلول ٢٠١٦
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/27



كتابة تعليق لموضوع : يَوْمُ آلمُباهَلَةِ..يَوْمُ آلصّادِقِينَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net