صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

العفو والتسامح!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العفو والتسامح قيمة إسلامية إنسانية سامية ذات معاني إيجابية , وتفاعلات أخلاقية راقية تشير إلى الفهم الصحيح لجواهر الأفكار الإسلامية الأصيلة. 

وقد ذكر القرآن العفو والتسامح في عدد من الآيات:

"خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف 199

هذا العفو قانون الحكمة والقدرة على إدارة المجتمعات القوية القادرة على صناعة الحضارة القدوة ، لأنها ستعطي أمثالا حية عن السلوك الإنساني الصحيح.

" وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم" النور 22

والعفو لرقي سماته وأخلاقه يكون مقرونا بمغفرة من الله ، لأن الإنسان قد تمكن من الإنتصار على نفسه السيئة , وإرتقى إلى حيث كونه إنسان متمكن من عقل عواطفه والتعبير عن رؤيته الإسلامية الصحيحة.

" فاصفح الصفح الجميل" الحِجر 85

وفي هذه الآية ما يشبه الأمر لأهمية هذا السلوك ودوره التربوي الأخلاقي الكبير والمؤثر في حياة الناس والأجيال، وهو سلوك يؤكد جمال النفس القائمة به ونقاءها وصفاء محتواها وإيمانها ووعيها وإدراكها الرحيب.

وقال الإمام علي بن أبي طالب: 

 " أعقل الناس أعذرهم للناس"

وهنا تأكيد على أن العفو سلوك العقلاء والحكماء الذين إستطاعوا أن يقرنوا القوة بالعقل والحكمة ، ولم يطيشوا ويبدو كحمقى في عيون التأريخ. 

" أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة"

ليس من القوة والبطولة أن يبطش البشر بالبشر، والأقوياء حقا، هم الذين لا يلجؤون للقوة فورا، وإنما هي من آخر أدوات العلاج ، فإذا وجد القوي أن العفو أفضل من القوة فأن عليه أن يعفو، أما إذا حسب كل شيئ إنما قوة، فهذا تفكير أخرق، لأن القوة ستنقلب على الذي يحسب نفسه قويا وتنتقم للذين وقع فعل القوة عليهم، لأن العفو يقلل الأعداء واللاعفو يزيد من العداوة والمشاعر السلبية ضد الفاعل.

 وقال الإمام جعفر الصادق:

 " لأن أندم  على العفو خير من أن أندم على العقوبة"

وفي هذا القول تتجسد حقيقة سلوكية كبيرة خلاصتها أن فعل القوة يكون منفعلا، وعندما يثوب الفاعل إلى العقل يرى بأنه قد أخطأ  ,  ولهذا كان الخليفة عمر بن عبد العزيز يحبس المذنب ثلاثة أيام قبل أن يعاقبه ، لكي يترك للعقل وقتا كافيا لإستحضار عناصر القرار الأصوب.

 وقال العرب: 

 "العفو عند المقدرة من شيم الكرام"

الكرم فعل عاقل يؤكد إنتصار العقل على النفس، ولكي تعفو يجب أن تكون عاقل السلوك، ولهذا يكون العفو نوع من الكرم النبيل.

 وقال جواهر لال نهرو:

 "النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح"

والنفوس الكبيرة هي العاقلة التي يتحكم بها العقل , ومعروفة في الكثير من الأقوال والأشعار على مر العصور، لأن البشرية قد وعت أهميتها وضرورتها للبناء الإجتماعي الصالح للبقاء الأفضل.

 وقال أبو دلامة :

" العفو أحسن ما بُجزى المُسيئ به      يهينه أو يُريه أنّه سَقطا"

فالعفو عمل أخلاقي وتأديبي فعّال، لأنه سيعطي المذنب درسا تربويا كبيرا يساهم في إعادة النظر بدوافعه السلوكية والإرتقاء بروحه ونفسه إلى حالة أخرى جديرة بالحياة.

 وأخيرا:

إذا صَحّت نفوسٌ جاء عفوٌ      وإنْ مَرضَت فلا عفوٌ يُنالُ

عليل النفس من شرٍ يعاني          إلى ضررٍ وإيلامٍ يُحالُ

فهل نحن ذووا نفوس كبيرة ونمتلك ثقافة إسلامية صحيحة تعيننا على العفو والتسامح , لكي تنطلق قدراتنا الحضارية الصالحة للعالمين؟!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/18



كتابة تعليق لموضوع : العفو والتسامح!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net