صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح299 سورة الروم الشريفة
حيدر الحد راوي

  بسم الله الرحمن الرحيم

 
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ{51} 
تنعطف الآية الكريمة (  وَلَئِنْ ) , قسم , (  أَرْسَلْنَا رِيحاً ) , ضارة بالنبات , (  فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً ) , اصفر النبات , (  لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ) , " قيل هذه الآيات ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم فان النظر السوي يقتضي ان يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولم ييئسوا من رحمته وان يبادروا الى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا اصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ولم يكفروا نعمه" –تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - . 
 
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ{52}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" :
1- (  فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) : كناية عن موت قلوبهم , فهم كالموتى لما اغلقوا مشاعرهم وحواسهم عن الحق . 
2- (  وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) : وهم ايضا كالصم , لا يسمعون الصوت , مع لحاظ ان الصم لا يسمع الصوت لكنه يفهم الاشارة , اما في مثل حالة هؤلاء بلغ بهم الامر ان صموا وطمسوا فهمهم وادراكهم حتى عن مجرد الاشارة .   
 
وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ{53}
يستمر الخطاب في الآية الكريمة (  وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ) , لا هداية لأعمى البصيرة , وان اجتهدت في هدايته , فقد غلفت الضلالة بصره وبصيرته وكافة حواسه الاخرى , (  إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ) , المؤمن فقط من يتلقى السمع , يتدبره , يفهمه , يعقله , يدركه , فيؤمن به , (  فَهُم مُّسْلِمُونَ ) , مخلصون لله تعالى بالتوحيد , منقادون لأمره , طيّعين .   
 
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ{54} 
تضيف الآية الكريمة (  اللَّهُ الَّذِي ) جل جلاله :   
1- ( خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ) : أبتدأ خلقكم من اصل ضعيف "النطفة" . 
2- (  ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً َ ) : يرى البعض ان الطفولة هي ضعف ثان , ومن بعده القوة في البلوغ والنضج . 
3- (  ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ) : ضعف الشيخوخة .
وهو جل وعلا (  وَهُوَ الْعَلِيمُ ) , بخلقه وتدبير شؤونهم , (  الْقَدِيرُ ) , على كل شيء .   
 
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ{55}
تنعطف الآية الكريمة لتسلط الضوء على حالة من حالات الكفار يوم القيامة (  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) , القيامة , (  يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ) , فقدوا المقاييس , حتى ظنوا انهم ما مكثوا في الدنيا الا مدة قليلة , او انهم لم يفقدوا المقاييس , لكنهم لاحظوا ان المدة التي قضوها في الدنيا تعد تافهة مقارنة في العوالم الاخرى "البرزخ – القيامة" , (  كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ) , كما انصرفوا عن الحق في الدنيا , صرفوا عن الحق في مدة بقاءهم في الدنيا .   
 
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{56} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ) , شريحة خاصة من المؤمنين , ويلاحظ ان النص المبارك قدم العلم على الايمان , لأن الايمان لا يكتمل ولا يكون سليما من غير علم يسبقه , (  لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) , هذه الشريحة من المؤمنين قالوا للكفار لقد لبثتم في الدنيا في علمه وقضاءه جل وعلا الى يوم البعث الذي انكرتم التصديق به , (  فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ) , الذي كنتم تنكرونه , (  وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) , هناك عدة اراء في النص المبارك , نختار منها :  
1- كنتم لا تعلمون وقوعه . 
2- لا تعلمون انه الحق بسبب أفراطكم بالشرك والمعاصي .
3- لا تعلمون به لأنكم تجهلون ما لا تعرفونه او ما لا تصدقون به . 
 
فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ{57} 
تستكمل الآية الكريمة الموضوع (  فَيَوْمَئِذٍ ) , ذلك اليوم , (  لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ ) , لا تنفعهم ما يقدمونه من اعذار , (  وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) , ولا يطلب منهم العتبى , " لا يدعون الى ما يقتضي اعتابهم اي ازالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته اي استرضاني فأرضيته" –تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني- .    
 
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ{58} 
تبين الآية الكريمة محققة (  وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ) , لقد جعل وبين الله تعالى في القرآن الكريم كل الامثال كي تثبت وحدانيته جل وعلا وتقوم الحجة عليهم , (  وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ ) , كعصى موسى "ع" وناقة صالح "ع" وغيرها , (  لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , من فرط عنادهم , (  إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ) , اصحاب باطل , مزورون .    
 
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{59} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ ) , يختم , (  عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) , فلا يدركون ولا يستوعبون حقيقة ما تأتيهم به .     
 
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ{60}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" موصية وناهية اياه : 
1- (  فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) : موصية اياه "ص واله" بالصبر على اذاهم , ومسلية اياه "ص واله" بالنصرة واظهار الدين .
2- (  وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) : نهي , لا يغضبك ولا يستفزك و لا يحملك على القلق ايذائهم وتكذيبهم لك , فأنهم لا يؤمنون بالبعث والحساب .  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/06



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح299 سورة الروم الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net