صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح250 سورة المؤمنون الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ{68}

تضمنت الآية الكريمة مقطعين :

1-    (  أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) : يكاد المفسرون يجمعون على ان القول هو القران الكريم , نزل بلغتهم , بعد ان عرفوا بالفصاحة والبلاغة , الشعر والادب , تبين لهم اعجاز لفظه , وواضح دلالاته .  

2-    (  أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ) :  ما جاءهم به النبي الكريم محمد "ص واله" ليس بالجديد عليهم , فقد جاء ابائهم الرسل والانبياء "ع" , ونزلت عليهم كتب سماوية .

  ( وعن النبي صلى الله عليه وآله لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مرة فإنهم كانوا على الأسلام وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

 

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ{69}

تضمنت الآية الكريمة تساءلا انكاريا (  أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ) , ام ان اهل مكة لم يكونوا يعرفوه "ص واله" , حيث اشتهر بينهم بالصدق والامانة , وكمال العلم رغم عدم تعلمه , الى غير ذلك من صفاته الكريمة "ص واله" , (  فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) , فينكرونه ويكذبونه لعدم معرفتهم به ! .  

 

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{70}

تستمر الآية الكريمة بطرح سلسة من التساؤلات (  أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ) , من جملة ما اتهم به "ص واله" الجنون , (  بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ ) , النص المبارك ينفي عنه "ص واله" الجنون , ويؤكد انه "ص واله" جاء بالحق , (  وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) , يكشف النص المبارك ان اكثرهم كانوا كارهين للحق الذي جاءهم به "ص واله" , والسبب انه يخالف اهوائهم وشهواتهم , آمالهم وامانيهم .    

يذكر الفيض الكاشاني رأيا لابد من المرور به في تفسيره الصافي ج3 ( إنما قيد الحكم بالأكثر لأنه كان منهم من ترك الأيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم فكرته لا لكراهة الحق ) .

 

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ{71}

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ ) , أي القرآن لو مال مع اهوائهم ونزل عند رغباتهم , (  لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ) , في النص المبارك عدة اراء , نذكر منها :       

1-    خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم ."تفسير الجلالين للسيوطي , وكذلك الفيض الكاشاني يذهب الى ما يماثل هذا الرأي" .

2-    الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قال فساد السماء إذا لم تمطر وفساد الأرض إذا لم تنبت وفساد الناس في ذلك . "تفسر القمي" .

(  بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ) , هناك عدة اراء تطرح في النص المبارك منها :   

1-    بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم وفخرهم ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , وكذلك يذهب السيوطي في تفسيره الجلالين الى ما يماثل هذا الرأي" .

2-    ذكرهم هو ما اشارت اليه الآية الكريمة { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ } الصافات168 , يذهب الى مثل هذا الرأي جملة من المفسرين . 

(  فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ) , مع ان الذكر الذي فيه شرفهم وعظم امرهم , او الذكر الذي طلبوه قد جاءهم , ها هم قد اعرضوا عنه . 

 

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{72}

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقاتها  (  أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ) , اجرا على اداء الرسالة , { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } الطور40 , (  فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) , اجره وثوابه جل وعلا في الدنيا والاخرة خير وافضل لسعته ودوام بقاءه , (  وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) , افضل من اعطى واكثر اجرا وثوابا .   

 

وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{73}

الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) , انك تدعو قومك وسائر الاقوام الى طريق مستقيم , لا اعوجاج فيه ولا انحراف . 

 

وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ{74}

تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة (  وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) , بالبعث والثواب والعقاب , (  عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) , منحرفون عادلون عن طريق الحق القويم . 

 

وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{75}

تؤكد الآية الكريمة (  وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ ) , وهو ما اصاب مكة من القحط , الذي دام حوالي سبع سنين , (  لَّلَجُّوا ) , لتمادوا , وتجاوزوا الحد به , (  فِي طُغْيَانِهِمْ ) , غيهم وضلالهم , افراطهم بالكفر والاستكبار وعداوتهم للرسول الكريم محمد "ص واله" , (  يَعْمَهُونَ ) , عن الهدى , يتحيرون , يتخبطون .   

مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة انها نزلت عندما أصابهم القحط حتى أكلوا العلهر فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم إنك بعثت رحمة للعالمين قتلت الاباء بالسيف والأبناء بالجوع . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

 

وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ{76}

تستمر الآية الكريمة بنفس الموضوع (  وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ ) , الجوع والقحط , القتل والخوف , وعلى اراء اخرى هو يوم بدر , (  فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ) , مع كل ذلك لم يخضعوا لله تعالى ربهم , (  وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) , وايضا ما تضرعوا اليه جل وعلا برفع الايادي بالدعاء .  

 

حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ{77}

تضيف الآية الكريمة (  حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) , يختلف المفسرون في شأن النص المبارك , فمنهم من يرى انه :

1-    هو يوم بدر بالقتل . "تفسير الجلالين للسيوطي " .

2-    عن الامام الصادق عليه السلام وذلك حين دعا النبي صلى الله عليه وآله عليهم فقال اللهم إجعلها عليهم سنين كسني يوسف عليه السلام فجاعوا حتى أكلوا العلهر وهو الوبر بالدم . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

(  إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) , احتاروا في امرهم , ويأسوا من كل خير , حتى جاءت اللحظة التي جاء فيها اغنى اغنياهم للنبي الاكرم محمد "ص واله" يستعطفه .  

 

وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{78}

تذكر الآية الكريمة الكفار بالخصوص والناس بالعموم (  وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ) , لتسمعوا وتبصروا بها آياته جل وعلا , (  وَالْأَفْئِدَةَ ) , القلوب , لتتفكروا بها وتستدلوا بها على ما ينفعكم , (  قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) , لكنكم تشكرونها بالقليل القليل , ان من تمام شكرها ( السمع – البصر – الافئدة ) هو في استعمالها لما خلقت لأجله , ثم الاذعان للمنعم جل وعلا وفضله .  

 

وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{79}

تستمر الآية الكريمة في بيانها (  وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) , خلقكم منها وبثكم فيها , لتتناسلوا وتتكاثروا وتعمروها , (  وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) , تجمعون يوم الحشر , بعد تفرقكم فيها .  

 

وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ{80}

تستمر الآية الكريمة في بيانها (  وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) , يبين النص المبارك مؤكدا انه جل وعلا القادر على الاحياء والاماتة , (  وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) , بالتأمل ان قدرته جل وعلا تحيط بكل شيء , (  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) , افلا تتفكرون في بديع صنعه , لتأخذوا العبرة والعظة .    


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/16



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح250 سورة المؤمنون الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net