صفحة الكاتب : الشيخ عدنان الحساني

الاتجاهات النقدية عند مفكري الشيعة بين المراس المعرفي والتوجه الذاتياني
الشيخ عدنان الحساني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يمثل النقد المعرفي بما يحمل من مناهج قيمية تستند إلى قيمة المعرفة ذاتاً وجوهراً يمثل بحد ذاته حالة صحية تقتضي من المفكرين الاتكاء عليها كظهير منهجي من جهة والالتصاق بها كمعطيات معرفية ممحصة من جهة أخرى، والممارسة النقدية لا يمكن أن تكون ممارسة مقبولة وذات آفاق منفتحة على مجمل المتلقين ما لم ترتبط بمنهجية شمولية تتجنب الثغرات التي قد تفتح الباب أمام الاجتهادات والآراء النقدية التي قد تضر أكثر من أن تنفع وأن قضايا كالتي ترتبط بالثابت والمتغير، والمقدس والمدنس، والممنوع والمبذول والمنغلق والمنفتح، والقديم والحديث، لا بد أن يتعامل معها المنهج النقدي بحذر شديد ويتجنب الابتذال واللامبالاة وإلا فإنه إن وقع في هذه المحاذير فسوف يحكم على هذه الممارسة بالفشل الذريع أما لمجانبته الحقيقة أو لخروجه عن عهدة الوثوق به كمنهج معرفي يعتمد على آليات مسلمّة ومقبولة أضف إلى ذلك أن النقد بما يمثل من تحريض للناس من خلال ممارساتهم وأفكارهم فلا بد أن يكون التعامل معه من منطلق بعده الأخلاقي بمهنية عالية بحيث يجب أن ينسلخ الناقد من كل مرتكزاته وقبلياته الغير مبنية على منهج وثائقي يعتمد الأرقام والنصوص والقيم التي يعتمدها الطرف المنقود وليس هذا فحسب بل إن هناك ثوابت تدخل في نطاق البعد الأخلاقي للممارسة النقدية لا بد من ملاحظتها كمرتكزات أولية ينطلق من خلالها الناقد انطلاقته السليمة اللا متعثرة. وأهم هذه الثوابت التي أعانتنا النصوص على تشخيصها هي:

1- مراعاة المستوى الإدراكي والتقبلي عن المتلقي قدر الإمكان وممارسة أدق معايير الإقناع التحاشي وقوع المتلقي في دائرة الصدمة التي قد تعصف بكل قناعاته حتى المتأصل منها وبالتالي تكون الردود عكسية وغير محسوبة وهو ما أشارت إليه جملة من النصوص المتعلقة بهذا الشأن كقوله’: >كلموا الناس على قدر عقولهم<( ).
2- مراعاة الشعور العام والارتكازات العرفية وتقديم المادة النقدية بما يتلاءم وترويض هذه الارتكازات تدريجاً لئلا نقع بنفس المحذور الذي أسلفناه وهو الأمر الذي أشارت إليه جملة من النصوص التي توصي بمداراة الناس وأن مداراة الناس نصف العقل.
قد يقال كيف يمكن التوفيق بين مداراة الناس وتغليب مبدأ الحق والحقيقة فلا بد من تقديم أحدهما على حساب الآخر إلا أن يقال إن هذا ما تتكفل به السياسة النقدية فلا بد أن تستند إلى سياسة خاصة تترجم إلى الواقع والحقيقة إلى الناس من خلال تأطير المادة النقدية بطموحات العرف المشروعة وذلك يرتبط بالأساس بمبدأ الإخلاص عند الناقد من جهة وبمدى حصافته ولياقته الأدبية والمعرفية من جهة أخرى ولا دخل لتكثيف المصطلحات ونحتها وتأطيرها من الناحية الفكرية فقط.
ولعل أهم ظاهرة نقدية اجتماعية عايشناها ولمسنا آثارها وثمارها هي ظاهرة السيد الشهيد الصدر الثاني+ فأسلوبه النقدي كان أسلوباً حذراً من جهة ومنغمساً في طموحات الجماهير من جهة أخرى؛ لذلك وجد هذا الأسلوب امتداده المقبول وأثّر أثره التغييري الذي أعترف به العدو قبل الصديق.
3- ملاحظة الأنماط الفكرية لدى النخب الثقافية من المتلقين وتوفير أكبر قدر ممكن من مستويات التلاقي مع هذه الأنماط من خلال إثراء النص النقدي بامتداداته الدلالية المعمقة التي تتلاءم مع المستويات المتفاوتة لهذه الأنماط.
وهذا الأسلوب هو الذي وقعت عليه سيرة، المعصومين^ مع أصحابهم فنجد أن الإمام مثلاً يكلم أحد أصحابه حول مسألة ما بأسلوب معين ويكلم آخر عن نفس المسألة بأسلوب مختلف إما من جهة العمق أو من جهة الإلقاء وما ذلك لا توخياً لمستويات الأنماط الفكرية المتفاوتة عند أصحابهم.
4- ملاحظة أنماطه السلوكية الذاتية كناقد وتجنب انتكاسه النمطي والسلوكي بنفس الجوانب التي ينتقدها عند الآخرين فلا يكون مصداقاً لقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} سورة البقرة: 43.
النقد لغةً واصطلاحاً
النقد في اللغة هو: >تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها<( ) والنقد من المفاهيم الثقافية التي التصقت بالأدب دون غيره من اتجاهات الثقافة إلاّ أن استيعاب الأدب للنصوص الفكرية الأخرى باعتبارها صورة من صور التعبير الأدبي جعلها مشمولة به فإن مفهوم النقد الاصطلاحي يشمل هذه النصوص أيضاً فالنقد اصطلاحاً هو: دراسة الأعمال الأدبية والكشف عما فيها من جوانب القوة أو الضعف والجمال أو القبح ثم إصدار الأحكام النقدية المناسبة عليها.
والنقد بأبسط مفاهيمه هو: >إصدار حكم على شيء من الأشياء<( )، ونحن هنا نتتبع هذه الأحكام الصادرة من قبل بعض المثقفين والمفكرين والعلماء الشيعة لمجمل المنظومة المعرفية الكلاسيكية لدى هذه الطائفة الحقة وتمييز السليم في هذه الأحكام من السقيم.
نبذة تاريخية عن ممارسة الشيعة للثقافة النقدية
التصق النقد بمفهومه العرفي بأدبيات الطائفة منذ أول انبثاقاتها كخطٍ معارض للقيم الانقلابية التي طغت على الساحة الإسلامية بعد وفاة الرسول’ مباشرة وأضحى الطابع النقدي المعارض هو السمة البارزة لهذه الطائفة على الرغم من تمسكها بمبادئ قد تلجم هذا الطابع وتحجّم امتداداته كمبدأ التقية ومبدأ الحفاظ على بيضة الإسلام ومبدأ التنازل لحساب المصالح العليا الذي أكده موقف أمير المؤمنين× حينما يقول: >لأسلمت ما سلمت أمور المسلمين ولو كان بها عليَّ جورٌ خاصة<( ).
ولم يقف هذا الطابع العام عند المتغير السياسي بل تعداه إلى المتغير الفكري والعقائدي بل إن هذا المتغير هو الأساس في الاختلاف والتباين، وبالتالي أصبح هو المرجع النقدي للطائفة والذي يعتمد عليه الواقع الاجتماعي والسياسي وبرز رواد النقد الشيعي آنذاك من أمثال عمار وأبي ذر، ولعل موقف الأخير من المتغيرات السياسية والفكرية والانحرافات الإدارية والاقتصادية للخلافة هو من أبرز المواقف في هذا الصدد حتى مات في منفاه الأخير كنتيجة لمواقفه النقدية الصلبة والجريئة.
وامتدّ هذا الطابع بامتداد الخط الزمني للطائفة وتراكمت معطياته وفق هذا الامتداد انسجاماً مع التراكم المعرفي والفكري للطائفة، ولعل وقوف الطائفة في مركز الأصالة في الاعتقاد الديني جعلها تتأخر في تحويل هذا الطابع إلى الداخل أي داخل الجسد الشيعي لأسباب وعوامل منها ما هو تأريخي ومنها ما هو مرتبط بأجندات البناء الفوقي للمعرفة الشيعية فإن البناء التحتي مهما كان متأصلاً ومتماسكاً ببركة النص المعصوم ووجوده المبارك إلا أن ذلك التأصيل ليس بالضرورة أن ينسحب على إطلاقه إلى البناءات الفوقية للمعرفة والذي تدخلت إرباكات غياب المعصوم في بنائه ومن ثم تحويل النظر النقدي إليه؛ لذلك برزت دعوات التحديد الفكري في الطائفة منذ زمن ليس بالقليل بل إن هذه الدعوات تحولت إلى واقع منهجي ولعل أول منهج إصلاحي معرفي في الحوزة الشيعية هو ما قام به ابن إدريس الحلي& حينما عمد إلى تراث شيخ الطائفة الطوسي& وجدد فيه وهذب جملة من الارتكازات الفقهية المعتمدة على ذلك التراث آنذاك.
إن ابن إدريس هو أول من فتح الباب أمام الاجتهاد والتجديد المعرفي؛ لذلك فإن التجدد في الفقه الشيعي والتطور وعدم الوقوف على منهج واحد هذا التجدد يدين بالدرجة الأساس إلى الاتجاه النقدي الفقهي المتنامي مع التقدم الزمني، نعم يوجد هناك اتجاه كلاسيكي في الفكري الشيعي يدعو دائماً إلى الوقوف على نمط واحد تقليدي في الاجتهاد الفقهي إلاّ أن حتى هذا الاتجاه هو في تغير دائم، فالكلاسيكية تبقى نسبية في معارف وقيم الطائفة ولا تقف على النمط السلفي الجامد.
ومع التحولات الكبيرة التي طرأت على الساحة العالمية عموماً والساحة الإسلامية على وجه الخصوص برزت دعوات إصلاحية تدعو إلى التجديد الفكري والإصلاحي والاجتماعي انسجاماً مع تطور الحاجات الإنسانية وتضخّم طموحات المجتمع حتى برزت شخصيات التصق اسمها بالإصلاح خاصة وقدمت مناهج جديرة بالاحترام في هذا الاتجاه منهم على سبيل المثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم كثير وكذلك برزت اتجاهات نقدية جريئة في الطائفة آنذاك جوبهت بقوة ولعل محاولة الشيخ محمد الخالصي كانت رقماً بارزاً في هذا الاتجاه.
ثم إن الاستعمار عندما دخل على الساحة أغرقها بتحولات فكرية ومعرفية كان لها الأثر الكبير في تنامي التيار النقدي، ثم إن الممارسة النقدية عند الطائفة لم تقف في حدود المؤسسة الدينية فلقد برز كتّاب وباحثين أكاديميين من داخل الطائفة كان لهم دوراً مهماً في إثارة التساؤلات والشبهات حول قضايا تمت إلى الفكر الديني بصلة مما يستدعي أن ينهض باحثون آخرون من داخل المؤسسة أو خارجها للتعامل مع هذه الشبهات من موقع الدفاع مما يعطي الحركة الفكرية مزيداً من التوالد المعرفي وإن كانت الحركة الأكاديمية ضعيفة في هذا الاتجاه إلى حدٍّ ما في العهود السابقة وتتعامل مع المسائل الدينية من منطلق الخوف الحذر الخوف من عدم انسجام أفكارهم مع ما يحملونه من مرتكزات مقدسة عن الأفكار الدينية والحذر من الوقوع في دائرة الشك والتشكيك المعرفي إلاّ أن الفترة الأخيرة شهدت بروزاً فريداً للاتجاه النقدي الأكاديمي يتكئ على مستويات كبيرة من الشجاعة ومن الثقة بالنفس ومن أبرز هؤلاء المفكرين نذكر على سبيل المثال الدكتور علي شريعتي وعلي الساحة العراقية والعربية برز آخرون كالدكتور علي الوردي إلاّ أن ظاهرة الأستاذ عادل رؤوف التي برزت حالياً تستدعي منا الوقوف عندها والتأمل في معطياتها الاجتماعية والمعرفية وهذا ما نحاول أن نتعقبه في الأبحاث اللاحقة من هذا المقال هذا على المستوى الثقافي أما على المستوى التأسيسي أقصد مستوى تأسيس النظريات فلقد كانت لظاهرة الدكتور عبد الكريم سروش المثيرة للجدل القدح المعلّى في هذا الاتجاه (فلم تعهد المؤسسة الدينية وقوفاً أكاديمياً بوجهها كالذي وقفه سروش)( ) وهذا إن دلّ على شيء إنصافاً إنما يدل على العمق الفكري الذي يتميز به الرجل وهو نموذج آخر سوف نقف عنده ونحاول أن نكوّن عن ظاهرته صورة للثقافة ننقل من خلالها حقيقة أبعاده المعرفية.
وبالعودة إلى المؤسسة الدينية (الحوزة) فإن الظاهرة النقدية فيها متجددة وإن كانت بحدود معينة لا تتجاوز المسلمات والثوابت والتأسيسات فإن حركة الاجتهاد بحد ذاتها هي حركة تجديدية تحترف مبدأ توجيه الانتقاد لما سبقها من أنماط اجتهادية إلاّ أن هذا الحراك المعرفي لا يتجاوز البناءات الفوقية خصوصاً في مجال الفقه وأصوله أما في مجال التأسيسات الفكرية التي تستند إليها منهاج العقائد والكلام والتفسير فإن محاولة انتقادها أو ترويضها لأنماط معرفية جديدة يبتني على أبعاد جدلية تتلامس مع جوهر القضية المعرفية الشيعية خصوصاً إذا كانت المناهج الوافدة للتجديد والانتقاد هي مناهج اغترابية اتسمت بكثير من التداخل والخلط بين الفلسفات والعلوم مما أكسب مفرداتها بعداً تعويمياً لا يقرُّ إلى مركز محدد كما هو الملاحظ في ثقافة الحداثة والمناهج التجديدية المترقبة عليها.
وبقيت المؤسسة الدينية تحتفظ بتأصيلها رغم هذه المواجهات على الرغم من بروز ظواهر تجديدية مهمة في الحوزة بحجم السيد الإمام الخميني والشيخ مطهري والشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني إلاّ أن هذه الظواهر بقدر ما كانت تجديدية بامتياز بقدر ما أكسبت التأصيل الحوزوي قوة وتماسكاً بوجه الدعوات التجديدية الاغترابية من أمثال عبد الكريم سروش وسوف نسلط المزيد من الضوء على هذه الظواهر ودورها المعرفي في انبثاق أنماط فكرية جديدة على الساحة الشيعية.
المشكلة المعرفية الشيعية بين القراءة التقليدية والقراءة التجديدية
إن النمط المعرفي الشيعي يتصل بالأساس بقوانين المنهج المعرفي العام الذي يتمسك به الاتجاه الإلهي عموماً فيعطي للعقل تلك السلطة الموضوعية على إثبات وجود الواقع من خلال القيمة التي يعطيها العقل لنتاجات الحس من جهة والبديهيات الأولية التي ينطلق من خلالها ليؤسس قضاياه المجهولة والنظرية من جهة أخرى وعلى هذا الأساس بنى العقل يقينياته المنطقية التي واجه من خلالها الإلهيون النزعات التشكيكية في الفلسفات الأرضية إلاّ أن التصور الشيعي للمعرفة لم يقف عند هذا الحد من التأسيس العقلي والإيمان بالواقع الموضوعي المنبثق عن سلطان العقل وإنما ؟؟؟ أنماطه المعرفية بالإضافة لى ذلك من خلال النصوص الدينية (الكتاب والسنة) وجعل منها المرجع الأساس في تكوين المنظومة المعرفية إلاّ أن الإشكالية التي واجهت هذا التصور في الفترات التي أعقبت عصر النص أوجدت جدلاً جديداً في تكوين فهم موحد وثابت للمرجع النصّي وهذا الجدل خلق مناخاً جديداً للتوالد المعرفي من خلال الاجتهاد والتجديد وبما أن الاجتهاد هو نتاج عقلي فلا بد أن يرتكز في متبنياته التجديدية إلى الأسس العقلية التي آمن بها مسبقاً وكوّن من خلالها نظريته المعرفية لذلك كان للمنهج العقلي مساحته الأكبر في التنظير المعرفي الشيعي فهو لم يقف عند حدود مسائل وقضايا التنظير الحقيقية بل إنه يبسط سلطته حتى على القضايا والعلوم الاعتبارية وبقيت جدلية العقل والنقل هي الفعّالية الأكثر بروزاً في تاريخ التنظير المعرفي الشيعي فمن الصراع الإخباري الأصولي إلى الصراع الفلسفي التقليدي إلى الصراع التراثي التجديدي (الحداثوي) وبقي العقل النظري هو بيضة القبان في كل هذه الصراعات إذا ما أخرجنا الاتجاه الإخباري الذي ألغى دور العقل أساساً ليس في فهم النص الديني فحسب وإنما في التأسيس المعرفي عموماً ويبقى الاتجاه العرفاني الذي تطور هو الآخر في تأسيساته المعرفية بعد أن أوجد صدر المتألهين مناخاً واسعاً لهذا التطور في حكمته المتعالية في هذا المناخ الذي شجع نماذج وظواهر استثنائية على الإبداع والتطور في تقديم النظرية الشيعية المتجددة في المعرفة الدينية ومن هذه النماذج السيد الإمام الخميني والشهيد مطهري والعلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليهم أجمعين ولعل هذا الأخير كان نموذجاً صارخاً في تطوير الاستشراف العقلي في فهم النص الديني خصوصاً في منهجه التفسيري الذي أودعه في تفسيره الفريد (الميزان) ولا نغفل المنهج الفكري الذي اتبعه السيد الشهيد محمد باقر الصدر في بلورة المنهج المعرفي وإيجاد مناهج تجديدية تعالج جذور المشكلة المعرفية ليست الشيعية فحسب وإنما الإنسانية عموماً ونجد ذلك واضحاً في أسسه المنطقية للاستقراء والتي أبدع فيها من خلال طرحه للمنهج الذاتي في عملية الاستنباط العقلي فهل إن هذه الفعاليات الفكرية المنبثقة عن جدلية العقل والثقل تدخل في نطاق المنهج النقدي العملاني أم أنها مناهج تطويرية لا تتنكر للقبليات المنهجية سوف يتضح ذلك معنا من خلال مطاوي بحوث هذا المقال.
المشكلة المعرفية الشيعية والقراءة التقليدية
مهما بالغنا في توصيف الفعّالية المعرفية في الوسط الشيعي من خلال الاجتهاد والتجديد إلا إننا لا يمكن أن نغفل مشكلة القراءة التقليدية للتراث المعرفي الشيعي ونحن هنا لا ندعي أن حل المشكلة يكمن في اعتماد مبدأ تعدد القراءات كما ذهب إلى ذلك بعض الحداثويين ولكن ألا نجد أن منهج صدر المتألهين والإمام الخميني ومحمد باقر الصدر ألم يكن ذلك ثورة حقيقية على مناهج القراءة التقليدية للفكر الشيعي وكل بحسب ظروفه الزمنية والموضوعية.
ألم يستطع صدر المتألهين أن يطوّع المصطلح الفصوصي( ) والصرامة التقليدية السينوية( ) لمنهج معرفي جديد مزج بين الاثنين وأطّرهما بإطار نصي ونقلي يرتقي بالمنهجين العرفاني والفلسفي إلى مستوى عالي من الاطمئنان والثقة لدى المتلقي بعد أن كان كلا المنهجين على انفراد يعيشان العزلة النسبية حتى على مستوى الوسط الفكري المدرسي والمؤسساتي فضلاً عن الوسط الخارجي ألم يستطع الإمام الخميني أن يخضع عاملي الزمان والمكان لاطار معرفي جديد تمثل بنظريته في ولاية الفقيه وتفاعل هذه النظرية مع الحاجات الإنسانية وفقاً لتغير عاملي الزمان والمكان أليس في هذا التطويع شيئاً من النقد للقراءة التقليدية للمعرفة ألم يستطع محمد باقر الصدر+ أن يحاكم المنهج الأرسطي على الرغم من صرامته وقوته الاستدلالية كونياً وتاريخياً فضلاً عن محاكمته للاتجاهات الفلسفية المنحرفة المتمثلة بالماركسية والرأسمالية وغيرها ألم يستطع محمد الصدر أن يحاكم المنهج الكلاسيكي للحوزة في إدارة المجتمع وعلاقتها مع الجماهير.
أليس في هذا كله فهماً جديداً للمعرفة الشيعية ونقداً واضحاً للمنهج التقليدي ألا نستكشف من كل هذا إن النص الديني فعلاً يحتاج إلى قراءة جديدة ولكن بآليات داخلية معتمدة لا بآليات دخيلة اغترابية كما يدعو إلى ذلك أدعياء الحداثة والعصرانية.
إن مشكلة القراءة التقليدية مهما تشبثت بضرورة تقديس الثابت المعرفي لا يمكنها بأي حال أن تصمد أما تنامي ظاهرة التوالد المعرفي وذلك لأن عاملي الزمان والمكان من جهة وتطور الحاجات البشرية وتراكم المشكلات المعرفية من جهة أخرى كل ذلك يجعل من الضروري إحالة هذا الثابت المعرفي إلى أنماط تجديدية تخرجه من ذلك التقوقع الذي مارسه عليه النمط الأول من أنماط العقلنة الشيعية ولنضرب على ذلك مثال مبسط في مسألة الجمهور على الفهم الأول للنص وهي قضية حرمة تسمية الإمام المهدي# باسمه الصريح فإن هذا النص بقي إلى فترات متمادية يخضع إلى فهم تقليدي وهو الحرمة الأبدية للتسمية ولم يضع المتلقي آنذاك في ذهنه ارتباط هذا النص بظروفه الموضوعية المؤطرة بزمان إلقائه فلعل حرمة التسمية كانت لدواعي أمنية فرضتها معطيات التقية آنذاك أو لعلها كانت تمويهاً عملياً لسد الطريق أمام الأدعياء للمهدوية فلو اطلع بعض ضعفاء النفوس آنذاك على الاسم الحقيقي للقائم# لاستغلوها فرصة في ادعاء المهدوية من قبل مَن يتسمونَ بنفس الاسم وبما أن التثقيف لغيبة الإمام# كان في بدايته فمن المحتمل أن يجد هؤلاء الأدعياء فرصة القضاء على القضية المهدوية في بدايتها هناك احتمالات أخرى يمكن أن تطرأ على هذا الحكم الاستثنائي الذي فهمه الناس آنذاك من هذا النص ولكي تتضح الصورة أكثر حول هذا النموذج الذي قدمناه لا بأس أن نذكر الرواية ونناقش ما فيها بجميع طرقها التي وردت من خلالها.
فلقد نقل الكليني في الكافي والصدوق في العلل بأسنادهما عن أبي هاشم الجعفري قال سمعت أبا الحسن العسكري× يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني، وكيف لكم بالخلف بعد الخلف؟ قلت: ولما جعلني الله فداك؟ فقال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحلّ لكم ذكره باسمه قلت: فكيف نذكره؟ قال: فقولوا: الحجة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أجمعين( ).
وروى الكليني أيضاً في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله الصالحي قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد أنا أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: >إن دللتم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه<( ).
وروي في الكافي أيضاً بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله× قال: >صاحب هذا الأمر لا يسميه إلا كافر<( ).
وروي في الكافي أيضاً عن الريّان بن الصلت قال سمعت أبا الحسن الرضا× يقول وسُئل عن القائم× فقال: >لا يُرى جسمه ولا يسمى اسمه<( ).
وفي بعض الأخبار: >إذا وقع الاسم وقع الطالب<( ).
وبعد نقل الروايات الظاهرة في الحرمة أكيداً فنقول لماذا لم يثبت الفقهاء والمحدّثون على تفسير واحد لهذه الروايات وهي الحرمة كما هو ظاهر الروايات ولو دققنا في السير التاريخي للمسألة سوف نخرج بنتيجة مفادها أنه كلما تقدم الزمان كلما كان ذلك دخيلاً في تفسير النص تفسيراً يلائم ظروف الزمان والمكان، فحينما نجد أن الرعيل الأول من الفقهاء والمحدثين أفتوا بالحرمة المطلقة من دون أي لحاظ للعامل الموضوعي لزمان النص وشمل التحريم لديهم زمان الغيبة الصغرى والكبرى على العموم ومن هؤلاء:
1- الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين باب 56 ص638.
2- الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد ص363.
3- الشيخ الطبرسي في كتابه أعلام الورى ص393.
4- الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة أورد النهي عن ذلك وإن صرح بالتسمية في رسالته المسماة (المسائل الكلامية).
ونجد بالمقابل من ذلك من أفتى بالحرمة المطلقة أيضاً باستثناء الأدعية الواردة فيها اسمه الشريف× وأصحاب هذا الرأي هم كل من العُقيلي في كتابه كفاية الموحدين كما نقله صاحب مكيال المكارم ج2 ص130.
ونجد فريقاً ثالثاً يقول بالحرمة في المحافل والمجالس ومجمع الناس دون المجتمع الخاص وهذا الرأي التزمه المير داماد والميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني.
ونجد فريقاً واسعاً ذهب إلى الكراهة وهذا الرأي منسوب إلى الشيخ الأنصاري+ نقله صاحب مكيال المكارم ج2 ص130.
ونجد فريقاً خامساً ذهب إلى التوقف من دون القول بالحرمة كما هو رأي السيد محسن الأمين العاملي في كتابه الدر الثمين هامش ص28.
الرأي السادس هو رأي المعاصرين أو أغلبهم وهو جواز التسمية وإن الحرمة حكمها خاص بزمن الغيبة الصغرى وكذلك هو رأي بعض المتأخرين كالخواجه الطوسي والشيخ الأربلي والعلاّمة الحلي في الباب الحادي عشر ص114 والمقداد السيوري في كتابه (النافع في يوم الحشر) ص115 والحر العاملي في ص237 من ج16 من الوسائل والشيخ المظفر في عقائد الإمامية ص104 والشيخ التبريزي والسيد الخوئي نقلاً عن التبريزي في كتابه صراط النجاة ج2 ص450 والسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى ج1 ص280 والشيخ مكارم الشيرازي في كتابه القواعد الفقهية ج1 ص280 وغيرهم كثير أعرضنا عنهم رعاية الاختصار.
فالملاحظ في هذا السير التاريخي للمسألة إن هذه النصوص وقعت تحت طائلة جميع قراءات الحكم الشرعي من الحرمة المطلقة إلى الحرمة النسبية إلى الإباحة والجواز إلى الكراهة اللهم إلا الوجوب الذي لا توجد قرائن حالية أو مقالية للقول به.
وأردنا من إدراج هذا النموذج كما هو واضح، للتعبير عن واقع المشكلة المعرفية في الفقه الشيعي وإن كانت هذه المشكلة لا ترقى أكيداً إلى مستوى الإرباك الحقيقي الذي تعيشه المعرفة ؟؟؟ وذلك لأن محور المعارف الشيعية يدور حول مصدرين رئيسيين متداخلين تأسيساً ومضموماً وهما القرآن والعترة فهل إن حديث الثقلين يمثل المركز المعرفي الذي تنبثق منه جملة الثوابت المعرفية الأخرى أم إنه أيضاً بحاجة إلى فهم جديد ليس في مناطه فالمناط واضح، وإنما في بناءاته الفوقية والتي أثرت فيها الكثير من العوامل والمتغيرات على مستوى البعد السياسي والبعد الغيبي المرتبط بمقتضيات الحكمة الإلهية والعلم الازلي وبالتالي فإن هذه البناءات تعرضت للالتهام المعرفي من قبل عقول الرجال وإذا أخذنا القرآن الكريم كمثال فإننا سنجد المشكلة غاية في التعقيد ولعل المقدمة التي أوردها العلاّمة الطباطبائي في ميزانه تبين مدى حجم المشكلة المعرفية في فهم النص القرآني حتى إن العلاّمة وصف أرباب جميع مشارب التفسير ومذاهبه أنهم وقعوا في نقص وبئس النقص.
إن مشكلة الثابت والمتغير وتحديد المناط فيهما ستبقى رهناً بالتجاذبات المعرفية حتى يحكم الله بينهم بالحق من خلال حكم المعصوم× حينما يأتي بدين جديد على العرب شديد ولماذا على العرب هذا ما سوف نفهمه من بعض البحوث القادمة والتي تناقش مدخلية الدلالات اللغوية في تحديد مناط الثابت والمتغير في النص الديني في دراسة ومقالة مستقلة إن شاء الله.
القراءة الجديدة للمعرفة الشيعية بين التطوير المباح والحداثة الممنوعة
لعبت التطورات السياسية والفكرية على الساحة الشيعية في القرن الميلادي الأخير دوراً كبيراً في كشف ملابسات المشكلة المعرفية لدى الشيعة خصوصاً والمسلمين عموماً فظهور تيارات التجديد المعرفي في الحوزة وخارجها أوضح جلياً حجم المشكلة التي عانتها الطائفة على مدى التاريخ السياسي والمعرفي ولعل انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان الحد الفاصل بين التقليد والتجديد بين الجمود الإخباري والاعتباري و العقلي والفلسفي والعرفاني إلا أن الإشكالية التي واجهها التيار التجديدي هي إشكالية المنهج المعرفي الصارم الذي التزمت به المدرسة التقليدية وألزمت معها العقل الجمعي للطائفة بذلك هذا المنهج الذي يعتمد على السلطة الفقهية المطلقة وإلغاء دور السلطات الأخرى أو تحجمها ومنها العقل وأدواته التأسيسية والتي جُيرت لحساب السلطة الفقهية فبدل أن تكون الأنماط الفقهية خاضعة للموازين العقلية المسلّمة أصبح العقل خاضعاً بالمطلق لهذه السلطة وبذلك تكون جميع مناطاته حبيسة هذه السلطة وعندما أبدع السيد الإمام الخميني+ بإدخال عاملي الزمان والمكان وإناطتهما بأدوار تشريحية معينة من خلال تأثير هذين العاملين في الأحكام العمومية إذ أن جَعْل هذه الأحكام وتقنينها في عهدة الحكومات وبديهي أن بقاء ودوام الحكومات يتسنى عبر مراعاة معالم المجتمع واجتناب مفاسده... وهذا يستلزم الالتفات والاهتمام بالأوضاع والشروط والضرورات التي تقتضيها الأزمان والأمكنة وهي لا تتشابه دائماً بل تتباين فيما بينها والحاكم على هذه العمومات هو العرف وبناء العقلاء وحكم العقل ولم نجد نصاً واضحاً في هذا النمط من الاجتهاد اللهم إلا بإشارات كلية وعليه فإن السيد الإمام حاول أن يتحرر من السلطان الفقهي التقليدي من خلال هذا الاجتهاد وقد أبدع فيه وذلك تأسيسات على منهجه العرفاني والذي له الأثر الواضح في اجتهاداته خصوصاً ما يتعلق بالأحكام السلطانية والاجتماعية وتخلص بذلك من ربق النزعة الفردية التي يعاني منها الاجتهاد الكلاسيكي.
إن هذا النموذج التجديدي أثبت قابلية الحراك المعرفي الشيعي من دون المساس بجوهر النمط المعرفي للطائفة على الرغم من وجود اتجاهات عارضت هذا النوع من التجديد بقوة وهذا واضح في خطابات السيد الإمام+ حينما يصف هؤلاء بالمتحجرين والتحجر يقابل التحديث والتجديد بطبيعة الحال إلا أن هناك اتجاه آخر شجعته هذه الفعاليات التجديدية الكبيرة ليطرح هو ا لآخر منهجه في التجديد والتغيير ولكن يبدو أنه اصطدم بمشكلة جوهرية أو بالأحرى مشكلتين الأولى هي نفس المواجهة الكلاسيكية التي واجهت الاتجاه الأول على الرغم من نجاحاته التجديدية والثانية وهي الأهم أن هذا الاتجاه غائم من حيث الطرح وعائم من حيث المصطلح ويتسلح بأصول يسميها هو موضوعة فلسفات اغترابية منسوفة سلفاً من قبل الفلسفة الإسلامية وأبرز نماذج هذا الاتجاه هو الدكتور عبد الكريم سروش فهذا الرجل المفكر على الرغم أنه ظهر علينا بنظرية اختار مصطلحاتها من صميم المعرفة الإسلامية الشيعية وهي نظرية (البسط والقبض في الشريعة) إلا أن أدوات هذه النظرية اغترابية بامتياز فهو يقول إن المعرفة الدينية معرفة متغيرة ونسبية وتحتمل الخطأ والتناقض وهي بشرية وتاريخية وإن الوحي والرسالة تابعان لشخص النبي’ وهذا ما يسميه أدعياء هذا التجديد بتعدد القراءات إلا أن الردود جاءت كثيرة على هذه النظرية ونجحت إلى حدٍّ ما في إلجامها ولعل أوفق هذه الردود هو كتاب (المعرفة الدينية) للشيخ صادق لاريجاني ومن الردود على هذه النظرية ما جاء على لسان الشيخ المصباح اليزدي في أحد ندواته في البحرين يقول في هذا الصدد: >إن الأوربيين استغلوا مصطلح تعدد القراءات للتوفيق بين المكتشفات النظرية والعلمية وبين الدين والكتاب المقدس<( ).
ويقول في موضع آخر من محاضرته: >إن القائلين بهذه النظرية يأخذون بفهم المخاطب لا بقصد المتكلم! يأخذون بمعنى الألفاظ وهي ما نفهمه بعقولنا وكل المعاني صحيحة حسب ما يرجحه عقلنا<( ).
ويعترض قائلاً في موضع آخر: >عندما تريد أن تتحاور مع شخص آخر يجب أن يكون هناك أصل مشترك فيما بينهما لبدء هذا الحوار وللوصول للثوابت المشتركة عند الطرفين أما إذا كان كل شخص يملك دليلاً خاصاً به فلا يمكن لهذا الشخص أو ذاك إثبات بطلان دليل الآخر لعدم وجود أرضية مشتركة للحوار واعتماد كل شخص على دلائل خاصة به<( ).
وهناك جواب نقضي بسيط على نظرية تعدد القراءات يمكن الاعتماد عليه وهو أن الإيمان بتعدد القراءات يمكن نقضه بنفسه إذ أنني إذا آمنت بتعدد القراءات كمبدأ فإن من اللوازم الذاتية للمبدأ هو الثبات وعليه فإن تعد القراءات مبدأ ثابت وغير متحول ومتغير ولا محدد فتكون قراءتي لتعدد القراءات واحدة وليست متعددة وهذا تناقض واضح على عكس لو أنني آمنت بمبدأ الثبات والوحدة في أول الكلام حينذاك لا يرد التناقض فالوحدة هي وحدة من جميع الجهات بينما التعدد يؤدي إلى التناقض أما في ذاته كما أسلفنا أو في جهاته بحيث إن قراءة عمر هي غير قراءة زيد وبالتالي فهما متقابلتان والتقابل إما تضاد أو تناقض أو ملكة وعدم أو تضايف وكل هذه المعاني المنطقية هي في قوة التناقض وبالتالي فعدم الاجتماع الذي هو من لوازم التناقض يلزم القائلين يتعدد القراءات على الثبات على قراءة واحدة لا تجتمع مع القراءة الأخرى للازم الذي ذكرناه فيقسط مبدأ تعدد القراءات أساساً وهناك جواب آخر وهو أننا لو آمنا بتعدد القراءات يقتضي منا ذلك أن نوفر لكل قراءة أجواء فكرية واجتماعية وسياسية بما يتناسب مع كل قراءة وهذا كما هو واضح يلزم منه العسر الاجتماعي الشديد والعسر مرفوع عن الأمة بالأدلة العقلية والشرعية هذا إذا آمنا بعرضية المبدأ أما إذا كان المقصود بتعدد القراءات هي الطولية مع تطور عاملي الزمان والمكان فلكل زمان قراءته الخاصة به فيلزم من ذلك إلغاء مصدرين مهمين من مصادر التشريع والمعرفة وهما سيرتي العقلاء و المتشرعة فلا نستطيع أن نأخذ برأي العقلاء لأن قراءتهم سابقة ومختلفة ولا بسيرة المتشرعة لنفس السبب وهنا نكتفي بهذا القدر في عرض النقد التأسيسي للمعرفة الدينية من قبل سروش وننتقل إلى بحوث أخرى أكثر تلامساً مع مجريات البحث.
الاتجاهات النقدية عند مفكري الشيعة والدوافع الموضوعية والذاتية
لو تتبعنا مجمل الدوافع الذاتية والموضوعية لممارسة العملية النقدية عند الشيعة فإننا يمكن أن نحصرها بعدة أقسام.
1- طائفة من المثقفين اتخذت النقد كممارسة ثقافية الغاية منه تحريك الجمود المعرفي الشيعية والذي التصق إلى حدٍّ كبير بالمعرفة التراثية خصوصاً ما تجسده الحوزة ومناهجها.
2- طائفة أخرى اتخذت النقد كترف فكري وثراء ثقافي الغاية منه تضخم القيم الذاتية للمثقف بعيداً عن قيم الفكر المنقود وكذلك بعيداً عن قيم المجتمع الذي التصق بهذا الفكر كإرث سلوكي وعبادي وعقائدي مقدس.
3- طائفة اتخذت من الأسلوب النقدي كظاهرة إصلاحية في الفكر والمؤسسات والمجتمع وخاضت غمار هذا المعترك لتتصل بالفكرة المناسبة والبديلة للأفكار المستهلكة أو تلك الخاضعة لمزاجات معينة رسختها مصالح ذاتية أو فئوية فأصبحت إرثاً مقدساً بالتدريج.
4- طائفة اتخذت من الأسلوب النقدي أداة ارتزاق من خلال التزلف لبعض الجهات المناوئة للفكر الأم حتى وإن أدى هذا الأسلوب إلى الانسلاخ عن القيم المبدئية و؟؟؟ للفكر الأم ومن خلال هذا الحصر نستطيع أن نشخص الدوافع الذاتية لكل ناقد على حدة من خلال عرضه على هذه الأقسام اللهم إلا أن يكون قد اندرج تحت قسم آخر يتكئ على حسن الطويه والغفلة أو الجهل المركب وهذا القسم ليس لنا معه كلام حتى يصحو من غفلته أو يرتفع جهله.
المثقف العراقي والنقد الموضوعي بين نحت المصطلحات وتعويم المعاني (عادل رؤوف انموذجاً)
تمثل ظاهرة الأستاذ عادل رءوف بما تحمله من تراكمات العمل الإسلامي العراقي من جهة وتراكمات المشكلة المعرفية التراثية من جهة أخرى تمثل انبثاقاً جديداً للأسلوب النقدي وللإنصاف فإن الأستاذ عادل رءوف وضع يده على الجرح إلا أن التساؤل يبقى قائماً هل أنه عمّق هذا الجرح أم عالجه هذا ما سوف نحاول أن نجد جوابه من خلال استعراض هذه الظاهرة واستعراض أدواتها النقدية فهل وفقت هذه الأدوات للكشف عن ملابسات المشكلة المعرفية أم أن توفيقها كان نسبياً.
إن تحديد المشكلة بقدر ما يحمل من أهمية إلا أن إيصاله إلى حد الإغراق النقدي قد يضرّ به أكثر من أن ينفعه أن الأسلوب الإغراقي الذي أودعه الأستاذ عادل رءوف في كتبه الثلاثة (عراق بلا قيادة ـ ومحمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين ـ وأنبياء وأصنام) هذا الأسلوب يستدعي الابتذال المفرط في النقد وبالتالي تحمل المتلقي عبئاً إضافياً في استيعاب المشكلة مما يضعه في دائرة الحيرة في تكليفه تجاه المشكلة من دون أن نضع له بوادر لحل المشكلة وهو المحذور الذي التفت إليه السيد الشهيد الصدر الثاني+ في أسلوبه الخطابي والنقدي لذلك نجد أن أسلوب السيد الشهيد كان يركز على واقع المشكلة أكثر مما يركز على المسميات ويغرق المشكلة بمسميات شخصية نعم قد يذكر مسميات في بعض الأحيان ولكن ذلك لكي لا يجعل ذهن المتلقي عائماً في المشكلة من دون أن يحدد لها مركزاً واقعياً فتحديد المركز شيء والإغراق في المسميات الشخصية شيء آخر هذا فيما يرتبط بنقد المسميات والعناوين أما فيما يرتبط بنقد التراث المنهجي للمؤسسة الدينية فمع الاعتراف بعمق المشكلة إلا أن التنكّر للتراث على إطلاقه ليس صحيحاً تحت ذريعة طلسمة المباني كما يسميها الأستاذ إن طلسمة التراث المعرفي الشيعي بالأخص ما يرتبط بمناهج الحوزة القديمة لا يعني أن هذا التراث مجرد عن كل ديناميكية في الحركة المعرفية بقدر ما يعني أن هذا التراث تعرض إلى قولبة صياغية أضفت عليها طابع الطلسمة والتعقيد الصياغي المبتذل ولا أقصد بالقولبة هنا فقط فيما يرتبط بمشاكل اللغة وما يرتبط بها بل إن القولبة الصياغية لمعارف التراث الشيعي أثرت حتى على التراكيب الفكرية لهذه المسألة أو تلك ومراجعة بسطه لشروحات كتاب (كفاية الأصول) الذي يعدّ من أعقد مناهج الحوزة نجد أن هذه المشكلة ماثلة للعيان فالاستفادة الفكرية تختلف من شرح إلى آخر بسبب المشكلة الصياغية ولعل العوامل التي أدت إلى هذه القولبة معروفة وواضحة للعيان ومن أهمها.
1- إن معظم المشتغلين بتنقيح المعارف التراثية على مدى التاريخ الحوزوي تقريباً هم من غير العرب وأقصد على وجه الخصوص علماءنا من الإيرانيين جزاهم الله عن الإسلام خيراً بما قدموه من جهود جبّارة فكانت مشاكل اللغة وما يرتبط بها من فلسفات السبب الرئيس في تعقيد الصياغة العلمية للتراث المعرفي لذلك كانت الجهود التجديدية للسيد الشهيد الصدر الأول بحكم تمكنه من اللغة الأم لها أثر كبير في تهذيب هذه المعارف خصوصاً في حلقاته الأصولية الثلاث.
2- اختصار المناهج المعرفية الشيعية إلى حركة نقدية بناءة في العهود الماضية بسبب الثابت المعرفي المقدس التي كان يتمتع بها التراث المعرفي الشيعي فكان انتقاد فكرة معينة مهما كان بداهة خطئها يعدّ بمثابة الخروج عن المذاهب.
3- إن إخراج هذه المعارف بصياغة جديدة بحاجة إلى جهود جبّارة واستثنائية من قبل مجددين ومصلحين استثنائيين كالشهيد مطهري والسيد الشهيد محمد باقر الصدر+.
والجدير بالذكر أن الأسلوب النقدي الذي مارسه الأستاذ عادل رؤوف كان على مستوى واحد من النمطية فهو يوجه نقده إلى الظاهرة التقليدية في إدارة المؤسسة الدينية بنفس النمطية التي يوجه فيها نقده إلى المخزون التراثي والفكري الممنهج حوزوياً وهذا إجحاف حقيقي بحق المناهج المعرفية للطائفة مع الاعتراف بوجود خلل منهجي في التعامل مع هذا المخزون إلا أن هذا لا يعني مساواته بنفس النمطية من النقد فهل يتساوي الجلاد والضحية في ميزان النقد الموضوعي إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في المنهج المعرفي الشيعي وإنما تكمن في إدارة هذا المنهج هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك بعد آخر يرتبط بالذوق الأدبي وعلاقته بالذوق الاجتماعي والعرفي فإغراق الظواهر السلبية بالنقد اللاذع مهما كانت هذه الظواهر مستحقة لأكثر من النقد إلا أن تكثيف حملات النقد عليها قد يثير قرف المتلقي خصوصاً إذا كان المتلقي يلتقي مع هذه الظواهر ببعض الثوابت ولعل المركز الأساس في الاعتبارات النقدية هو شئون وخصوصيات المتلقي فإذا كان الشطر الأكبر من المتلقين لا يثقون بكل القناعات التي يلتصق بها الناقد فلا بد حينئذ من الناقد أن يبتكر طريقة للتلاقي مع هذا الشطر من دون اللجوء إلى الممارسات الاستفزازية والتي لاحظنا أن الكثير من المصطلحات التي أبدعها الأستاذ عادل رءوف تختزن الكثير من دواعي الاستفزاز على الرغم من أنها تكتنز الكثير من جواهر الحقيقة إن اهتمام الناقد بمشاعر وخصوصيات المتلقي المؤيد وتنكّره لخصوصيات ومشاعر المتلقي المعارض على إطلاقها يمكن أن يخل كثيراً بالظاهرة النقدية كظاهرة صحية يجب الحفاظ عليها فإنني كناقد حينما أرى شيئاً قبيحاً جداً قد يراه صديقي جميلاً بنظره فحين يسألني عن رأيي مثلاً لا يليق بي أن أقول عن ذلك الشيء إنه قبيح ولكن يمكنني أن أخفف عنه وقع الصدمة وأقول عنه إنه ليس بجميل فصياغة الناقد واهتمامه بالمفادات التي تؤدي إليها مصطلحاته من جهة واهتمامه بخصوصيات وشئون المتلقي من جهة أخرى هي من أساسيات العملية النقدية.
نحت المصطلحات وتكثيف المعاني إبداع أدبي أم ظاهرة تعويم
المشكلة في بعض قرّاء الثقافة النقدية أو أي ثقافة أخرى أنهم حين يقرئون لا يراعون أدوات القراءة الصحيحة فهم يلتهمون المادة الثقافية كما هي وكأنها مسلمّات منطقية المهم أنها تتلاءم مع توجهاتهم القبلية وارتكازاتهم الذهنية حتى وإن كانت هذه الارتكازات لا تتكئ على أسس مقبولة.
وأنا هنا أوجه بعض كلامي إلى القارئ العراقي بصورة خاصة فالقارئ العراقي وبسبب الاضطهاد الثقافي الذي تعرض له لعقود طويلة ومن ثَم إغراقه بكمٍّ هائل من الثقافات مباشرةً بعد سقوط النظام أدى ذلك بالفعل إلى إرباك حقيقي في توجهاته الثقافية فأصبح يعاني مشاكل معرفية كثيرة منها مشكلة التمييز و شخصنة المادة الثقافية وأنا هنا مع إجلالي وإكباري لكل ما يمتلك أستاذنا العزيز عادل رءوف من معطيات ثقافية نعتز بها خصوصاً وأن الرجل ينحدر من نفس المدينة التي أنحدر منها وقد أثرت تلك البيئة الطيبة كثيراً في ثقافته وكانت إلهاماً من إلهاماته بما تحمل مدينة الرميثة من إرث ثقافي يمتد إلى عقود طويلة إلى أن الرجل بعد أن امّ شطر الاغتراب فإن ثقافته وأفكاره كان اغترابياً بالدرجة الأساس ولعل اهتمامه بمنابع الثقافة الحداثوية أثَّر كثيراً حتى على اتجاهاته النقدية على الرغم من أن جذوره الحوزوية ماثلة في عطاءاته الأخرى ولعل العنصر الأهم الذي استلهمه الأستاذ عادل رءوف من تجربته مع الإحاطة والحداثة معاً هو عنصر الجرأة النقدية والعنصر الآخر الذي استلهمه من مدرسة الحداثة هو مهارته في نحت الاصطلاح حتى إن هذه المهارة دعت بعض الكتاب إلى المبالغة في انبهاره من هذا الإبداع بل إن أحد القرّاء المثقفين يكتب في أحد المواقع وهو موقع السيد أحمد البغدادي دام ظله يقول في نص كلامه: >لو لم تكن الأصنام قد حطمت في زمن إبراهيم لصنعت منه صنماً وعبدته الدهر كله<( ).
ولا أدري ما الذي دعا هذا الكاتب إلى هذه الشطحة هل هي الصنمية التي حاربها السيد محمد الصدر+ والذي يتشرف نفس الكاتب بحبه وإتباعه والتي حاربها أيضاً الأستاذ عادل رؤوف خصوصاً في مسمى وعنوان كتابه الأخير (أنبياء وأصنام) حتى إنه خصّص مصطلحاً لهذه الصنمية التي يقول بها هذا الكاتب المنبهر سماها (الصنمية الفكرية) ولعله غفل ـ أي هذا المثقف الكاتب ـ على أن الأصنام لم تحطم في زمن إبراهيم× فقط وإنما حطمت في زمن النبي محمد’ أيضاً إلا إنها تعبد الآن وللأسف والدليل هو نص الكاتب وكلمة ـ لو ـ لا ترفع المعصية عن صاحبها بعد أن علمنا أنها لم ترفع العصمة عن يوسف× حينما همَّ بزليخا {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} يوسف: 24، خصوصاً إنه علّقها على تحطيم الأصنام وتحن نعلم أن الأصنام لا زالت تعبد إلى الآن في بعض أماكن العالم فغفر الله لمثل هذا الكاتب زلاته ولنا ولجميع المؤمنين.
وعوداً على ذي بدء فإن عملية نحت المصطلح التي برع بها الأستاذ عادل رؤوف والتي يصفها أحد الكتاب والباحثين العراقيين بحسب ما يعتقده بقوله: >قد يصعب على المثقف أو المفكر أن يختزل أو يلخص ويختصر ما يكتبه رؤوف دون أن يخل بالمضمون والمحتوى لأن ما يخطه قلمه هو أصلاً مكثف ويستعصي على إعادة التكثيف أو الاختزال<( ).
ونحن هنا لا نريد أن نناقش الكاتب في اعتقاده وقناعاته على الرغم من عدم إنكارنا للإبداع الثقافي في هذا المجال الذي تميّز به الأستاذ عادل رؤوف إلا أننا نريد أن نناقش أصل مسألة نحت المصطلح ودورها في صناعة ثقافة المتلقي فإن إبداع المفكر والمثقف من خلال تنضيد المصطلحات الجديدة وابتكاره انبثاق اصطلاحي جديد يحتم عليه أن يضع قواعد إضافية تنسجم مع الفهم العرفي وتحقق مقاربات لغوية تتوافق مع الأبعاد الدلالية مع هذه المصطلحات فهو إما أن يكون متعهداً باعتباره واضعاً جديداً أو أن يوجد قرناً أكيداً بين المصطلح ومعناه الذي يبقى عائماً إذا لم يتكئ على هذه الآلية خصوصاً أننا سنعرف لاحقاً أن معظم مصطلحات الأستاذ عادل هي عائمة أساساً لأنها منقولة من وقائع إما علمية صرفة أو حداثوية غريبة وعليه ولكي يكون إبداعه الاصطلاحي معتبراً ومقبولاً عند المتلقي لا بد أن يكون مُعتبراً وإلا فسوف ينغلق على ذاته ويجعل من إبداعه نتاجاً طورانياً وترفاً فكرياً لا طائل منه.
إن خلق الاصطلاح مهما كان صاحبه متكئ على مصادر معرفية متعددة فإن هذا الاتكاء لا يجعل منه مقبولاً ما لم يؤطر هذا الإبداع الخلاّق بمنهجةٍ فكرية تتصل بمصادر المعرفة لدى المتلقي فليس له الحق مثلاً أن يتكئ على منابع المدرسة الغربية في انبثاقها الحداثوي وتراكماتها الاصطلاحية ومن ثَم يسوّق هذه التراكمات إلى بيئة معرفية مختلفة من دون الرجوع إلى قواعد تتفق مع ارتكازات المتلقي لا أقل أن يوجد له حالة أنس مشروعة مع المصطلح الجديد فهل إن هذا المصطلح مثلاً يخبئ خلفه ارتكازاً معرفياً غريباً أم أنه ابتكار معرفي محلي فإن كان يخبئ خلفه ابتكاراً محلياً فلا بد أن يعتمد قواعد الاتفاق اللغوي مع هذا الفكر المحلي.
فإذا كان مخترع المصطلح هو وحده من يتحكم بتفسيره فلا يستطيع لوحده أن يتحكم بفهم المتلقي وتفسيره الذاتي الخاص إلا أن يقولبه في قانون عام يتواضع عليه القرّاء وهذه المصطلحات السياسية مصطلحات تواضع عليها أصحاب الصناعة وبالتالي ليس لفرد وحده أن يحتكر تفسير المصطلح وإلا أصبح مصطلحاً مختزلاً بتفسير واحد مع أنه قابل لافهام متعددة أمّا أنه هو الذي يقرر تحديد طريقة فهم الآخرين فلا بد أن يكون ذلك ضمن قانون لغوي من جهة ويتحاشى مع قانون ابستمولوجي من جهة أخرى يتواضع عليه الواضعون وهم أهل الصنعة إما صناعة السياسة أو صناع الفكر أن اختراع ونحت المصطلح لا بد أن يخضع لما ورائيات معرفية أولاً ولسياق ارتكازي جديد يقولب المصطلح على وفق قواعد عامة لا أن يكون مصطلحاً عائماً لا يضره سوى واضعه ومهما كان المصطلح مضغوطاً ومكثفاً فهو لا يستثنى عن الاختزال بعد تفكيك ضغطه وفق قواعد التفكيك اللغوية إلا إذا كان هذا المصطلح لا يخضع لهذه القواعد.
إننا إذا أردنا أن نتعامل مع انبثاق معرفي جديد هو إبداع المصطلحات وبما أن هذا الإبداع في تراكم مستمر والتراكم لا بد أن يستند إلى تنظيم معرفي فلا بد إذاً من ابتكار شعبة جديدة من شعب العلم ولنسمها فقه المصطلح يأخذ على عاتقه وضع قواعد معينة تستند إلى أصول موضوعة في الشعب المعرفية المختلفة من لغة وفقه وفلسفة وأصول فإن المصلح لا بد أن يمر بمراحل بحثية من خلال هذه الشعب حتى يحكم عليه أنه مقبول معرفياً.
مصطلحات عادل رؤوف والارجاعات العائمة مصطلح (الرباعي المرجعي) أنموذجا
إن معظم المصطلحات التي أبدعها الأستاذ عادل رؤوف هي توليفات مفاهيمية مع بعض المفردات الحوزوية كمفهوم الصنمية المتوالف مع مفردة الفكر والقائد ومفهوم وطن، غربة، سياسة، أصل، ملحق مع مفردات حوزة، فتاوي دين، معرفة، رجال... الخ.
إلا أن ما لفت انتباهي هو مصطلح الرباعي المرجعي الذي يحاول الأستاذ عادل أن يجيره بمناسبة اتفاقية لحساب جدله النقدي في نقد السلوك النخبوي لمراجع النجف الأربعة (حفظهم الله تعالى).
فإن هذا المصطلح بالأساس يعاني من  التعويم وعدم الاستقرار فإن أول من أبدع هذا المصطلح هو انشتاين في نسبيته الميكانيكية حينما أوجد من خلالها انقلاباً شاملاً على قوانين نيوتن النسبية ومن ثم نقلها كلاً من لورانتز وفيتزجيرالد من الميكانيكيا النيوتونية وعمماها إلى كل المفاهيم البشرية وهو ما يسمى بالمعرفة النسبة أو تعدد القراءات وهو بحسب اعتقاد هؤلاء الذي يعتبرون من خلاله أن الكون بكل انفعالاته وجدانية عبارة عن ظاهرة ميكانيكية تنتظم من خلال قوانين النسبية وبذلك يصبح الإنسان خاضعاً لهذه القوانين حتى في قراءته المعرفية للواقع والحياة فارتبط مصطلح (الرباعي المرجعي) والذي يقصدون به بعض الرموز الارتجاعية في ميدان الميكانيكيا ارتبط هذا المصطلح بين هذا الميدان وبين التعاطي المعرفي والفكري ثم يأتي الأستاذ عادل رؤوف بعد ذلك لينقل المصطلح إلى ميدان ثالث وهو نقد الظواهر الاجتماعية والسلوك النخبوي فإن استعانة عادل رؤوف بهذا المصطلح لإبراز وتكشيف ظاهرة اجتماعية زاد هذا المصطلح تعويماً ولا ندري في أي ميدان سيكون القرار النهائي لهذا المصطلح ولذلك فنحن نتمنى على الأستاذ عادل رؤوف أن يأخذ هذه الملاحظات بالحسبان على بساطتها وبساطة كاتبها وأن يغفر لي ما كان بخساً لحقه من دون أن أشعر وإن الله هو الغفور الرحيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
( ) لسان العرب، ابن منظور: 3 / 700.
( ) مقدمة في النقد الأدبي، د. علي جواد الطاهر: 339.
( ) نهج البلاغة:
( ) يقول الشيخ محمد تقي مصباح يزدي في هذا الصدد (لا توجد شبهة أشد على الدين وأخطر منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا أشد من هذه الشبهة (تعدد القراءات) / محاضرة بعنوان الفكر السياسي وتعدد القراءات أقيمت في البحرين 16 / 5 / 2004م.
( ) نسبة إلى فصوص الحكم لابن عربي.
( ) نسبة إلى ابن سينا.
( ) أصول الكافي: 1 / 328 ح3 و ص332 ح1، وعلل الشرائع ص245 ح5.
( ) أصول الكافي: 1 / 333 ح2.
( ) أصول الكافي: 1 / 333 ح4.
( ) أصول الكافي: 1 / 333 ح3.
( ) الأربعين، الشيخ الماحوزي: ص391.
( ) محاضرة بعنوان الفكر السياسي وتعدد القراءات محمد تقي مصباح يزدي أقيمت في جامع الإمام علي في منطقة عراد في البحرين بتاريخ 16 / 5 / 2004م.
( ) المصدر السابق.
( ) المصدر السابق.
( ) في مقال تحت عنوان (لأجلك عادل رؤوف) أضيف في 17 / أيلول تحت تصنيف القراءة الحادية والسبعون من صفحة قراءات (موقع السيد البغدادي).
( ) من مقال تحت عنوان ـ نحت المصطلحات وتكثيف المعاني مصطلح الرباعي المرجعي انموذجاً ـ للكاتب والمحلل السياسي رعد الجبوري / موقع الكادر للحزب الشيوعي العراقي تاريخ الإضافة 29 / 5 / 2009م. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عدنان الحساني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/17



كتابة تعليق لموضوع : الاتجاهات النقدية عند مفكري الشيعة بين المراس المعرفي والتوجه الذاتياني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net