صفحة الكاتب : علاء كرم الله

الحنين للماضي
علاء كرم الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا شك أن غالبية شعوب العالم تتذكر ماضيها وطرق معيشتها وصورة بلدانها كبف كانت وباقي تفاصيل حياتها اليومية قبل عشرات السنين . تتذكر ذلك بشيء من الأعتزاز والفخر لا يخلوا من حنان يصحبه شريط جميل من كل تلك الذكريات بحلوها ومرها أيام الطفولة والصبا والشباب . ولكنهم يتذكرون ذلك دون التمني بالعودة أليه!! لكون حاضرهم أصبح أحلى وأجمل وأكثر وعيا وتقدما ورفاها وثقافة وتحضرا من الماضي سواءأكان ذلك على مستوى الفرد والمجتمع أو على مستوى الوطن. ومثال قريب وحي على ذلك هو دول الخليج. ومما لا شك فيه ان أبناء الخليج يتذكرون ماضيهم وكييف كانوا يعيشون وخاصة أجيالهم السابقة وكيف كانت صورة بلداهم قبل 40 أو 50 عاما عندما كانت دولهم (جوله هوله)! لا شجر فيها ولا طير ولا ماء عذب تلفح وجوههم حرارة الصيف ورمال الصحراء ولا يجيدون غير مهنة الصيد والغوص في البحار من أجل الحصول على المحار واللؤلؤ. نعم يتذكرون ذلك ولكن بكل فخر وتباهي ولا يبكون ويتحسرون على تلك الأيام. بل انهم يقولون مع أنفسهم (أين كنا وأين أصبحنا)! لأن حاضرهم الآن أصبح أكثر رقيا وجمالا وتقدما وعمرانا بعد ان أصبحت دول الخليج قبلة أنظار العالم . وأذا كانت الكويت في فترة ما تسمى باريس الخليج فدولة الأمارات الان هي لؤلؤة الخليج ودرتها الجميلة  حتى أصبحت الان واحدة من اجمل دول الشرق حسب التصنيف العالمي!. فدولة الأمارات هذه التي كنا قد أهديناها عام 1972 أبان حكم الرئيس الراحل( أحمدحسن البكر) بضعة مئات من فسائل نخل العراق الذي كان عدد نخيله أكثر من 35 مليون نخلة تطرح أكثر من 450 نوع من أنواع التمور. دخلت هذه الأمارة عام 2010 كتاب جينيس للأرقام القياسية بعدد نخيلها الذي زاد على أكثر من 33 مليون نخلة ! فعادت لتهدي لنا! 15 ألف فسيلة من أنواع النخيل! بعد أن مات أكثر نخيل العراق ولم يبق من أنواع التمور ألا ما يعد على أصابع اليد!!. وفي دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم التي أقيمت في بغداد  عام 1979  كان اللاعب القطري (منصور مفتاح) بفترش أديم ملعب الشعب مذهولا مبهورا بما يرى ويأخذ صورة هنا وصورة هناك وهو يردد مع نفسه متى يصبح لدينا ملعبا كهذا!!. ودارت الأيام ودار معها دولاب الدهر وأذا بقطر ترشح نفسها بقوة وتتنافس لأحتضان كأس العالم عام 2022 !! في حين بقي ملعب الشعب يتيما وحيدا يبكي على ماضيه منذ أفتتاحه عام 1966!. أن هذا التحول الرهيب والأنقلاب الخرافي في مجمل تفاصيل الحياة في دول الخليج حدث بفعل وطنية  حكامهم وحبهم لشعوبهم ووطنهم حيث أستطاعوا ان يحولوا تلك الأراضي الجرداء ورمال الصحراء الى واحات خضراء وناطحات سحاب! ومعها حولوا ذلك الأنسان البدوي العشائري الأمي الجاهل الذي كان يعتاش على اكل الجرابيع!! بأن صار يأكل الكافيار! بالشوكة والسكين ويركب الطائرة ويجيد التحدث باللغة الأنكليزية ويقضي كل أعماله وأحتياجاته وباقي تفاصيل حياته اليومية عن طريق الحاسوب!!. أما في عراق اليوم عراق الضيم والقهروالظلم والضياع فالصورة معكوسة تماما بين الماضي والحاضر بكل ماتحمل من ألم وقهروحسرة فلم يبق من كل تاريخ العراق القديم والحديث ألا الأسم!! وصار الناس يتحسرون على أيام زمان ويقولون (كانوا وكنا)  بعد أن ضاع وأندثر كل شيء والى لا رجعة!. فعندما كانت دول الخليج أرضا جرداء تذروها الرياح والرمال  كان العراق ومنذ ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي يزهوا بأهله وناسه ومجتمعه حيث كان يمثل نقطة الأشعاع الفكرية والثقافية والتقدمية والعمرانية لعموم المنطقة.  فالعراق كان سباقا ورائدا عن جميع الدول العربية في الزراعة والصناعة والبناء والثقافة والرياضة والفن والأعلام وباقي فنون العلوم والمعرفة. فقد كان العراق بحق قبلة الشرق ومركز صناعة القرار السياسي الأقليمي وحتى الدولي بفضل وطنية وذكاء وفطنة ونزاهة وحرفة سياسيه أنذاك!.لذا ترى العراقيين اليوم من أكثرشعوب العالم  مسكونين بحب الماضي والحنين أليه الى حد التمني بالعودة أليه !في حالة تكاد تكون شاذة وغريبة! لأن حاضرهم هو أكثر بؤسا وشقاء وخرابا ودمارا وضياعا من الماضي القريب!. فلم تعد بغداد بلد الرشيد ومنارة المجد التليد ! كما لم تعد مدينة السلام والأمان بل بالعكس صارت من اكثرعواصم العالم خوفا ورعبا!بعد أن وطئتها أقدام الغزاة والطامعين وضعاف النفوس وصارت ملاذا آمنا لقوى الأرهاب العالمي!. فلم يبقى شيء يذكر من منتدياتها الثقافية ومسارحها ولاصالاتها السينمائية وحدائقها ومقاهيها العامرة بالأدباء والفنانين ومناطقها  العريقة وبناياتها المتميزة ولا حتى من ملاهيها الليلية و باراتها!! و حتى عوائلها العريقة والمعروفة هجرتها الى بلدان المهجر. فقد طال بغداد الخراب والأهمال والدمار وكل معالمها أهملت وضاعت و أصبحت بقاياأطلال مندرسة  تحكي وتبكي عن قصص أيام جميلة رائعة خلت لا امل في عودتها !. وأذا كان حال بغداد هكذا فليس حال المحافظات بأحسن منها فهي الأخرى لا تقل بؤسا وظلاما وأهمالا وخرابا من بغداد. وهذا كله حدث بفعل حكامنا فبعد أن زج بنا صدام بحروبه العبثية التي اكلت الزرع والضرع والأخضر واليابس وأزهقت أرواح مئات الألاف من خيرة شبابنا ومثقفينا وخريجينا  ترملت بسببها نسائنا وتيتموا أولادنا وتعنست بناتنا و التي أورثت جملة من المشاكل الأجتماعية المرعبة التي تراكمت وأزدادت أكثر في السنوات السبع الأخيرة ومعها ضاعت مليارات الدولارات عبثا في تلك الحروب بدل أن تستغل للأعمار طيلة 35 عاما من حكمه الأسود الذي أسس لكل هذا الخراب والدمار الذي نحن فيه. حتى جاء عام 2003 عام التحرير!!!! وأذا بحكامنا الجدد وطبقتنا السياسية الحاكمة تفتح علينا أبواب جهنم المتمثلة بالطائفية والعشائرية والدينية والمذهبية وحرب المليشيات والفساد المالي والأداري وسرقة المال العام بأبشع الصور وأقساها. ولا زال سياسيينا يغذون السيرفي صراعاتهم وعنادهم من أجل المناصب غير آبهين الى مسيرة الموت والضياع التي  تنتظرالوطن والمواطن. وأمام هذا وذاك وبالمقارنة بين ما كنا عليه وما كانوا عليه جيراننا وما صاروا وما أصبحنا عليه . وكأن لسان حال العراقيين يرددون:  مو مسكين العاش بغربة      ولا مسكين التيه دربه       بس مسكين الظل محتار وخل الناس البعده تغلبه!. 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء كرم الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/05



كتابة تعليق لموضوع : الحنين للماضي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net