صفحة الكاتب : شاكر محمود تركي

الدولة الكردية... الحقائق والاوهام
شاكر محمود تركي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بعد توقيع أتفاقية سايكس- بيكو المعروفة وتقسيم مناطق النفوذ بين الدولتين الاستعماريتين أنذاك بريطانيا وفرنسا، تم تقسيم الشرق الاوسط مابين هاتين الدولتين حيث تشكلت وقتذاك الحدود السياسية لمجموعة من الدول، وابقيت قومية واحدة لم يتم تجميعها بدولة بل وزعت بالتحديد بين (تركيا والعراق وأيران وسوريا) هذه القومية هم الاكراد، من ذلك يتبين ومنذ الوهلة الاولى أنه على مدار التأريخ الانساني القديم والمعاصر تشكلت أمبراطوريات ودول وحضارات لم يكن للاكراد خلالها دولة أو أمبراطورية في تلك المنطقة ( اللهم الا دولة مهاباد التي أعلنت في ايران والتي لم تقاوم بضعة أشهر قبل أن تدخلها القوات البريطانية ) وهذه الحقيقة الاولى التي يجب أن يعرفها الجميع.
ولم يكن الفكر الاستعماري أنذاك غائبا\" عن القضية الكردية أو غافلا\" عنها ،بل كان متعمدا\" توزيع الاكراد مابين الدول الاربع لكي يجعل منهم أوراق ضغط على تلك الدول وبؤر توتر وقلق اليها يستطيع النفاذ منها متى شاء، وبالفعل وعلى طول العقود الماضية كانت القضية الكردية المعضلة الرئيسية في الشرق الاوسط ، وهي مازالت حتى وقتنا الحاضر وما نشهده من أفعال حزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا وما يفعله أكراد ايران في الشمال الغربي منها، ولاننسى اكراد سوريا ومشاكلهم المستمرة مع الحكومة السورية(وحتى مع المعارضين لحكومة الاسد) وايضا اكراد العراق وبالرغم من أمتيازاتهم الكثيرة والمتعددة الا أنهم ما زالوا يعيشوا على واقع الانفصال واعلان دولتهم وبالتأكيد أن هذه هي الحقيقة الثانية.
أما الحقيقة الثالثة فهي تعدد لهجات اللغة الكردية مابين دولة وأخرى بل مابين منطقة وأخرى ، أضافة لتعدد اللهجات فأن أختلاف الثقافات مابين أكراد الدول الاربع بسبب ارتباط كل جزء منهم في وطنه الام وتأثره به، وهذه حقيقة مهمة على القائمين بالشأن الكردي أدراكها.
ولعدم توفر قيادة كردية موحدة(وهي الحقيقة الرابعة) تلتف حولها الجماهير الكردية ,انما هناك قيادات كردية في كل دولة تدعي أنها هي الممثل الشرعي والرسمي لجميع الاكراد ولد تناحرات وصراعات مابين القوى الكردية ، وهنا يجب أن لا ننسى تجربة أكراد العراق المريرة وصراعهم المستمروخصوصا\" مابين بارزاني وطالباني وحزبيهما والتي وأن هدئت الان الا انها مرشحة للبروز عند أول نقطة خلاف جوهرية تبرز للسطح.هذه الصراعات تعيق وبصورة لا غبار عليها أعلان الدولة والمنافسة الشديدة على قيادتها حتى لو كان هناك انتخابات ديمقراطية.
القوى الدولية الكبرى في وقتنا الحاضر( في الحقيقة الخامسة) لا يمكن أن توافق على أعلان الدولة الكردية لان ذلك سيغير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة وسيولد صراعات جديدة في منطقة هي اصلا\" ملتهبة، لذلك تفضل القوى الكبرى أبقاء الوضع على حاله، والتحكم في الاوراق الكردية للدول الاربع على ضوء أقتراب أو أبتعاد ذلك البلد عنها ووفق مصالحها ومدى فائدتها من الوضع الكردي.
الدولة الكردية في حالة ولادتها ( وتلك الحقيقة السادسة) سوف تكون دولة داخلية الحدود( أي دولة لاتطل على البحر وتحتاج الى موانى بحرية لتصدير واستيراد المواد الاولية والبضائع) لذا سوف تكون دولة محاصرة من جميع الاتجاهات وحدودها ستكون مع دول أنفصلت عنها وبالتالي سيكون وضعها الاقتصادي صعب ، فبالتاكيد لايمكن أن تسمح تركيا مثلا\"بمرور نفط كردستان من أراضيها وكذلك ستفعل أيران وسوريا والعراق، لذلك سيكون حصار أقتصادي يؤثر وبصورة كبيرة على الوضع الاقتصادي للدولة الفتية.
تمركز الصيغة القبلية والعشائرية في المجتمع الكردي( وهذه الحقيقة السابعة) سيولد أنظمة عشائرية وراثية دكتاتورية ، وهذا ماسيرفضه الشعب الكردي ،لانه لا يريد الخروج من سيطرة قومية أخرى ليدخل تحت دكتاتورية عشائرية تسيطر على أوضاعه وتعد عليه أنفاسه، وما سيطرة عائلة البارزاني وعشيرته على كردستان العراق ومقدراتها خير مثال على مدى ماألت اليه الامور في تلك المنطقة.
أما بالنسبة للحقيقة الثامنة فهي ليس بالضرورة كل قومية لها دولة وكيان سياسي خاص بها، ولو كان لكل قومية دولة وكيان سياسي لشهدنا ولادة الاف الدول في العالم، وهذه الحقيقة على جميع الاكراد فهمها ودراستها بصورة معمقة.
ولو أخذنا وضع أكراد العراق وقارناه مع بقية أكراد الدول الثلاث لوجدنا مدى تمتع اكراد العراق بوضع سياسي وأقتصادي مثالي وخاص فلأول مرة نشهد في تأريخ العراق الحديث بل وفي تأريخ الاكراد بان يكون رئيس الدولة ووزير خارجيتها كرديا\"، وهذا لايمكن مجرد التفكيرفيه في الدول الاخرى التي تعيش بها القومية الكردية، أضافة الى تمتعهم بمميزات ثقافية كثيرة، أنهم بالحقيقة يعيشون في شبه دولة مستقلة وهذه هي الحقيقة التاسعة.
وأذا ما أراد البارزانيون الانفصال عن العراق وأعلان استقلالهم في شمال العراق والذي طال أنتظاره فلا أعتقد أن ذلك سيتم بسلام ولا يمر مرور الكرام، فلا الدستور العراقي الحالي يوافق على حق تقرير المصيرولا حكومة بغداد(بغض النظر عن شخص رئيس وزرائها)ولا الشعب العراقي سيوافق على تلك الدولة، وبذلك سنشهد صراع عسكري دموي كبير ومدمر لجميع الاطراف وتلك هي الحقيقة العاشرة.
كل هذه الحقائق السابقة تثبت وبالدليل القاطع صعوبة أعلان الدولة الكردية،لان ميلاد مثل تلك الدولة سيكون بمثابة أعلان حرب على تركيا وايران وسوريا، فعلى قادة الكرد الانتباه الى خطورة الاوضاع والابتعاد عن النار ومحاولة الارتباط بالدولة العراقية وفق صيغ فيدرالية صحيحة ومقبولة، لاعلى شاكلة الوضع الحالي (دولة داخل الدولة)، فالممارسات التي يمارسها البارزاني في الوقت الحالي هي أبعد ماتكون على الفيدرالية، فلا يوجد في الدول الفيدرالية (وهناك أكثر من عشرون دولة في العالم تتبع النظام الفيدرالي) جيوش منفصلة ولا سياسة خارجية مستقلة ولا تصدير للثروات الطبيعية والصناعة والتجارة والزراعة بعيدا\" عن الحكومة المركزية ، ولا نظام كمركي وهيئة رقابة مالية وفتح معابر حدودية بدون التنسيق مع حكومة المركز، ولا وضع قوات الحدود والمخابرات والسيطرة على المطارات من دون موافقة المركز وتحت أنظار الحكومة.
وبعد الاتفاق على جميع النقاط الخلافية والتي سبق ذكرها يمكن أن تطبق الفيدرالية في العراق (مع الكرد بالتحديد) بصيغها المقبولة، وغير ذلك يكون أحلام وأوهام عشعشت في عقول بعض قادة الكرد والذين عليهم مراجعة حساباتهم والانتباه الى خطورة المواقف والاجراءات والتصريحات التي يعبروا عنها مابين فترة وأخرى.
فحلم الدولة الكردية (في الوقت الحاضر على الاقل) هو خيال ومجموعة من الاوهام خيل للبعض أن تحقيقه بات قريبا\" ، ناسين أن هناك معطيات وحقائق لايمكن عبورها أو تجاوزها، وحتى في أحدى زيارات بارزاني الى واشنطن أبلغ الرئيس الامريكي أوباما ونائبه بايدن (البارزاني) دعمهم للكرد لكن ضمن عراق فيدرالي ديمقراطي، وعاد خائبا\" الى منتجعه في مصيف صلاح الدين (العراقي) بعد ان كان متحمسا\" للاعلان دولته الكردية وخصوصا\" في ليلة عيد نوروز (بعد أن أخبرونا ببشرى سارة سوف يعلنها في خطابه). الواقع والتأريخ والجغرافية تفرض على أكراد العراق الاحتماء والبقاء ضمن العراق ومحاولة تقويته والسير في ركابه، لاوضع المعرقلات له ومحاولة جعل مسيره يشوبه الكثير من الاعوجاج والتبعثر،لان العراق الموحد المزدهر هو الحقيقة الجوهرية الاولى وغير ذلك هي أوهام وكوابيس لايمكن حتى معرفة أسرارها لان نهايتها ستكون مؤلمة، لذلك على قادة الكرد معرفة أن حلم الدولة الكردية هو وهم ومن الحكمة نسيانه والابتعاد عنه والسير في ركاب عراق واحد لجميع أطيافه وقومياته.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شاكر محمود تركي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/01



كتابة تعليق لموضوع : الدولة الكردية... الحقائق والاوهام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net