صفحة الكاتب : ماجد الكعبي

المجانين العقلاء
ماجد الكعبي
أيها الآخر المتواري خلف الأشياء 
أيها الباحث عن الجواب 
أيها الضاحك بوجل 
أيها الراكض نحو الحتوف لوحدك 
أيها الجالس قرب النهر تلوك 
أحزانك .. 
الهائم على وجهه صوب الأحبة 
والخلاص .. 
الراكض بخفة نحو الألم 
أعمدة الضياء تلوح 
في افق السؤال 
تهدهد أنات الوجع 
وتبتلع الجواب 
هذه حياتك والناس فيها 
ضجيج .. 
 على ضفة النهر ثمة أشجار تطرح أوراقها .. في خريف عمرها تطرح في نهر الأمنيات كل أوراقها على أمل أن تنبت أخرى انصع لونا وبهاء . 
نهر الأمنيات هذا مازال مرتعا لكل قصص العابرين على شطآنه أو الجالسين على ضفافه .. انه يعيد للذكرى القها ولونها الذي فقد يوما ما ، انه شاهد على آلامهم وإنسانيتهم المهدورة 
ربما .. 
مرضى نفسيون ، قلقون جوابوا شوارع  ومقاه وأزقة أدمنت دشاديشهم وأقدامهم المتهرئة بفعل الزمن ، يلوذون بصمت مطبق وبالصراخ لا فرق .. فكلاهما وجهان لرحيل واحد .. رحيل الإنسان في دوامة يوم حافل يضاف إلى صفحة أعمارهم .. 
إنهم مرضى ولكنهم يجدون الكثير من الحرية  في الشوارع، ويجدون أيضا بعض التعاطف من الناس الأسوياء، غير أن هذا التعاطف غالبا ما ينقلب إلى صراخ أهوج و سخط عارم حين يخرج هؤلاء عن صمتهم ويحولون الشوارع إلى ساحات عبث وفوضى وربما خراب يضاف إلى سواد الأمكنة العتبى .. 
في لحظة صمت ، يمنحونك ابتسامة .. وفي ساعات الضجيج يمنحون أنفسهم راحة يبتعدون فيها عن العيون .. أنهم يجوبون الشوارع والأزقة يبحثون عن ملاذ  آمن يقيهم  مشاكسات الصبية وسخرية البعض الذي  يعتقد انهم مثار ضحك ليس إلا .. هؤلاء أناس يبيحون لأنفسهم  تقبل مصيرهم الذي لا يعرفون له حدودا او يتخيلون صورته .. انه مجهول على الدوام .. انهم في دوامة الحياة الدائرة ليل نهار لاتحدها فواصل وحواجز ، بل أنهم يصنعون عوالما من التخيل والإبهام لايستطيع أي شخص اخر ان يصل حدودها .. عوالم من الافكار والرؤى المختلفة في كل شيء .. حتى ضحكاتهم ، فهي تختلف عن ضحكات الاخرين ولنقل حتى صمتهم وتأملاتهم  هي رموز وشفرات لا يمكن الوصول الى مفاتيحها لانها من نوع آخر أيضا .. 
يجلسون في أمكنة عامة هي أمكنة الناس الآخرين .. ويرتادون الأسواق  كما يرتادها غيرهم ويفضلون الشاي الساخن في المقهى كما يفضله جلاس المقاهي من المتحلقين حولهم  .. هؤلاء ينظرون إلى المجتمع بنظرة ملؤها الخوف وخشية الإقصاء من كل شيء .. أنهم يخافون الصبية الذين ينهالون عليهم بكلمات لاذعة وأحيانا بأشد إيلاما منها . أنهم يخافون الاقتراب من حشود الناس لأنها تشعرهم بضآلتهم أحيانا ، بل أنهم يشعرون بالضياع  والبؤس  عندما ينهرهم شخص فيردون عليه بالهرب والاختباء .. 
هل حرموا من كل شيء ؟ أم أنهم حرموا أنفسهم لأنهم لا يستطيعون فعل شيء . 
منذ أزل الدنيا وهم جوابوا شوارع الفجيعة ومرتادوا غياهب النسيان .. 
يبحثون عن خل أو صديق آو عشيقة . لكنهم لا يجدون سوى ضحكات تتهادى نحوهم بخفة الضاحكين وبسخرية القدر الذي خيم بظلمة الليل على جفونهم .. 
ترى أية حلول تلوح في أفق الجواب ينجيهم من مذلة الهوان .. 
هنا يجلسون في المقهى يضحكون بمليء أشداقهم المشتهية لكل ماهو ممتع .. 
يجلسون في قارعة الطريق لأنهم لاينوون مغادرته أبدا . 
أيا أيتها اللحظات المنزوية خلف بلاهة العقول .. إلا من مغيث لهم ؟ 
إلا من سائل عنهم يوم ينفع حتما السؤال الذي ينتشلهم من التندر والسخرية ؟ 
إلا من مصحة تاويهم ؟ 
أنهم مرضى يحتاجون عناية المصحات النفسية والعصبية .. انها الجهة القادرة على إنقاذ انسايتهم المهدورة على الطرقات .. 
ربما يحتاجون لقيل من جرعات العطف الذي يبحثون عنه وربما قطرات من دواء تنقذهم من بؤس وحيرة .. 
هم يصنعوا مملكتهم الخاصة .. لها حدودها وقوانينها ولا يسمح لغيرهم بالاقتراب منها والعبث بها .. أنها مملكة من البساطة والهذيان وقلة الحيلة .. 
وربما يقوم بعض هؤلاء المرضى بفوضى عارمة حين تهدد مملكتهم ولكنها لاتصل إلى ما يفعله الأصحاء في عالم السياسة ربما .. وإذا كان المرضى  يصابون بين الفينة والأخرى بهستيريا تذكرهم بحالهم، إلا أنهم لا يتعدون حدودهم التي رسموها وفقا لبيئة  ضمتهم بين حناياها  .. 
أيتها المدينة الغافية على جبل الهموم .. 
أيها النهر الذي تغرقك الأساطير .. 
كيف لمن نسي نفسه .. 
في هوان الليل .. 
أن يعود .. 
هل يعود يوما ؟ 
هو الآخر المتواري خلف الأشياء .. 
والباحث عن الجواب .. 
في ظل الشجر المزين .. 
بألوان الحياة الأبدية.. 
 
مدير مركز الإعلام الحر 
majidalkabi@yahoo.co.uk
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/07



كتابة تعليق لموضوع : المجانين العقلاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net