عن “الزيارات العراقية” المزعومة للكيان الصهيوني
محمود المفرجي الحسيني

كالعادة .. لا يمر في يوم في العراق الا واثير فيه حدث معين يشغل المشهد السياسي والرأي العام، كان اخره ما اثير من مزاعم صهيونية بزيارة ثلاثة وفود عراقية تضم شخصيات بارزة مؤثرة سنية وشيعية الى الكيان الصهيوني .

ويدّعي صحفي صهيوني يدعى ايدي كوهين، بان ثلاثة وفود عراقية رفيعة المستوى زارت الكيان الصهيوني (رسميا)، قائلا، ان “وزارة خارجية الكيان هي التي اعلنت عن هذه الزيارات ، وان التلفزيون الصهيوني نقل هذا الاعلان على وسائل الاعلام.

كما كشف كوهين عن بعض الاسماء العراقية التي ادعى انها زارت الكيان الصهيوني سريا، وقال في لقاء متلفز، اطلعت عليه بنفسي،  “ان الذين اتهموا كردستان بفتح علاقات علنية مع “اسرائيل” هم اليوم يطلبون بزيارتها، وان عصر الزيارات السرية انتهى “.

واضاف، ان “عملي يتمحور في كشف الزيارات واللقاءات “الاسرائيلية” مع المسؤولين العراق، كاشفا عن لقاء جمع وزير الخارجية القطري بالمسؤولين الاسرائيلين في قبرص”.

ومع هذه الأنباء المزعومة، خرجت مجموعة من الشخصيات العراقية التي وردت اسما ؤها على لسان كوهين بزيارة الكيان الصهيوني، تنفي هذه الادعاءات ، وتؤكد تمسكها بمقاطعة هذا الكيان الذي وصفوه بالغاصب لارض فلسطين العربية.

من خلال متابعتنا للموضوع ، تبين ان الصفحة التي يستغلها كوهين في /تويتر/ لكشف هذه المعلومات، بانها غير مزورة كما ادعى بعض المسؤولين الذين وردت اسما ؤهم  في الادعاءات بزيارة الكيان الصهيوني، بل فعلا لصحفي صهيوني يدعى ايدي كوهين، لان له افلاما مصورة ولقاءات صحفية يتحدث بها عن هذه الزيارات المزعومة بنفس اللهجة والمعلومات التي يكتبها في هذه الصفحة.

الملفت بالموضوع، ان هناك تناغما عجيبا بين هذا الصحفي وبين وسائل الاعلام الصهيونية الرسمية وكذلك وزارة خارجية الكيان، ما يوحي بان الموضوع ليس موضوعا عفويا انطلق من صحفي كشف عن معلومات سرية، انما موضوع  تم الاعداد له بشكل محبوك ومقصود وبتنسيق بين كوهين وبعض المؤسسات الصهيوينة الرسمية، لان كل ما يقوله كوهين يؤيده مباشرة التلفزيون الصهيوني وكذلك وزارة الخارجية.

ان توقيت اعلان هذه الزيارات المزعومة ، كان متزامنا مع العلاقات والزيارات العلنية التي قام بها مسؤولون   صهاينة الى بعض الدول العربية، وكذلك اللقاءات والاجتماعات (السرية – العلنية)، التي عقدت بين المسؤولين الصهاينة والمسؤولين العرب .

واذا تركنا كل هذه الادعاءات ، ورجعنا قليلا للخلف ، بالتحديد الى بعض الزيارات التي قام بها بعض النواب ومنهم مثال الالوسي، وما تبعها بعد ذلك من ردود فعل قوية في داخل العراق ضد من زار هذا الكيان، لترسخت لدينا قناعة واحدة بان العراق بات اكثر دولة عربية لا تتقبل التطبيع مع الكيان الصهيوني بتاتا ، ولا تتقبل اي فكرة او موقف يقرب المسافات مع هذا الكيان الغاصب… وقد شاهدنا جميعا ردود فعل العراقيين ان كانت على مستوى مجلس النواب ، وكذلك اراء العراقيين في منصات التواصل الاجتماعي، على خلفية تصريح وزير الخارجية العراقي المتعلق بموقف العراق من القضية الفلسطينية، والتي جا ءت قوية وحادة جدا رافقتها مطالبات باستجواب هذا الوزير.

ولو جمعنا المسألتين (اعلان هذه الزيارات) و (الرفض العراقي للتطبيع مع الكيان)، لتوصلنا الى نتيجة واحدة وهي : ان مسؤولي ومؤسسات الكيان الصهيوني ليسوا قلقين من اي دولة عربية بعد ان وصلوا مع هذه الدول الى مسافات بعيدة من العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، اكثر من قلقهم من العراق الذي يكاد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تقف موقفا متصلبا مع الكيان الصهيوني وتتمسك بتحرير فلسطين واعلان دولتها وعاصمتها القدس.

ومن جملة شواهد هذه الفكرة، ان العراق هو الدولة الوحيدة في العالم الذي يمتلك عددا هائلا من فصائل المقاومة العسكرية المسلحة، التي تؤمن بعقيدتها العسكرية المقاومة ان العدو الاول لها هو الكيان الصهيوني ، قبل العداء لامريكا التي احتلت ارض العراق .

لذا فان العمل الصهيوني المقبل يتمحور بالتركيز على العراق بشكل كبير، لصنع وتهيئة اجواء للرأي العام العراقي، بان زيارة الكيان الصهيوني لم يعد مثلبة او ذنبا حتى يتم تأنيب وتوبيخ او معاقبة من يزوره، انما زيارة طبيعية تنسجم مع الاجواء العامة في المنطقة العربية التي استطاع الكيان الصهيوني ترويضها وارضاخها بالترغيب والترهيب .

لكن بنفس الوقت .. لا نعلم هل  توجد اتصالات سرية بين بعض المسؤولين العراقيين (وخاصة القريبين والمنفذين للأجندة الأمريكية في داخل العراق) وبين الكيان الصهيوني، الا ان ما ادعى به كوهين عن بعض   اسماء العراقية يبدو انها غير حقيقية، ولا يمكن لها ان تخطو هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، ولاسباب بعضها يتعلق بان بعض الاسماء لا يمكن ان تغامر بمستقبلها السياسي من اجل زيارة للكيان الصهيوني، على اعتبار ان اكثر جمهور هذه الاسماء هم من الطبقات التي تكن العداء والكراهية للصهاينة .. هذا اولا

ثانيا، ان بيانات النفي والاستنكار التي اصدرها هؤلاء المسؤولون فيها لهجة تحدي، وتوحي بان نفيهم ينطلق من ثقة راسخة بكذب ادعاءات كوهين .

خلاصة الموضوع .. ان هذه الادعاءات ليست عفوية، وهي ليست محاولة صهيونية لفضح بعض المسؤولين العراقيين، بقدر كونها انطلاقة لاجندة صهيونية مقبلة من اجل ان تكون امرا مفروضا حتى على العراق الذي لا يمكن اقناعه بوجود هذا الكيان في المنطقة ، ومحاولة لعزل ايران كليا التي ترعى وتتبنى اي منطلق لمقاومة هذا الكيان في جميع انحاء العالم .

ورغم ان الادعاءات الصهيونية نجحت في شغل الرأي العام العراقي، الا انها لا يمكن لها ان تؤثر على اراء العراقيين وخاصة من الذين (زقوا زقا كرها وبغضا للكيان الصهيوني) ، فحلم التطبيع العراقي مع الكيان الصهيوني حلما بعيد المنال عن هذا الكيان، ولا يحققه زيارة شخصية مزعومة معينة ليس لها اي اعتبار على الخارطة العراقية، فالعداء العراقي للكيان الصهيوني عداء ازلي وعداء عقائدي ، اكبر بكثير من اي مديات يمكن ان تصل اليها الاحلام الصهيونية .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود المفرجي الحسيني

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/08



كتابة تعليق لموضوع : عن “الزيارات العراقية” المزعومة للكيان الصهيوني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net