الأثر الحقيقي على وجود القنصلية السعودية في النجف الأشرف .
باقر جميل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الكلام يقع تحت طاولت التحليل ، وبما انه تحليل فهو قابل للصواب والخطأ .

القنصلية السعودية في النجف الأشرف قد يكون وجودها مقصود ،  واختيار هذا المكان والزمان  بالتحديد قد تكون له أسبابه أيضا  ، ولذلك سوف نتكلم في منطلق أمر واقعي وطبيعي . أما السبب في اختيار المكان فأعتقد انه يكمن في أمرين مهمين هما :

الأول ، هو استفزاز الفصائل المسلحة (الشيعية) بالتحديد ، في عدم قبول هذه القنصلية والتظاهر عليها إذا ما تواجدت في ارض النجف الاشرف  واتهامها بالتجسس والعمالة  ، وبالتأكيد لن تترك مثل هكذا فرصة من زج بعض الاشخاص في رسم حالة مسلحة ضد القنصلية مما يمهد الى جعل بعض الفصائل المسلحة ضمن قوائم الارهاب العالمي ، وبالتالي ندخل في نفق نحن في غنى عنه الان ، خصوصا وان الحشد أصبح مؤسسسة حكومية .

الثاني ، هو ربط هذا الحذر وهذا الاختيار للمكان بموقع المرجعية وموقفها العام من النظام السعودي  ، حيث ان السعودية تعلم ان هناك الكثير من الناس ستبدأ حملاتها ضد المرجعية في مطالبتها بعدم القبول والموافقة على فتح قنصلية داخل مدينة النجف الاشرف ، أو اقلها إبداء التحفظ أو القلق في  وجود هكذا قنصلية ، خصوصا ان النجف الاشرف مهد العلماء والفقهاء للمذهب الشيعي ، ولدى السعودية موقف واضح من علماء الشيعة وذلك من  خلال إعدام الشيخ  نمر النمر (رحمه الله)، فتخلق حالة وموجة ضد مرجعية النجف الأشرف في محاولة إحراجها وإدخالها في نزاع مع كثير من الناس بأمر  لا طائل منه  ، وبالتأكيد أيضا مثل هكذا فرصة سوف تتستغل من قبل الأعداء وتمرر بعض الامور من خلالها ، أهمها الحالة العصبية القومية ، فاذا رفضت المرجعية سيكون الاتهام بانها فارسية وتعمل لايران ، وان قبلت فهي تساعد في وجود استخبارات وهابية ضد الشيعة في عقر دارهم .

الخلاصة :

1 - مجرد وجود قنصلية في أي مدينة ما ، لا ضير فيه بحد ذاته ، لكن الرفض المبني على التهور وعدم الاخذ بالحسابات الدقيقة هو ما يريده الاعداء .
2- العاملين في القنصليات عادة لا يتجاوز عددم خمسة انفار ، تكون مهمتهم الاساسية هو التعاون الاقتصادي والتجاري واصدار الفيزا للمسافرين وغيرها من الامور الثانوية ، وأما القضايا السياسية(  إذا أرادت ان تتدخل) فليس هي من تفعل  ، بل السفارة في بغداد ، يعني ان تمثيل القنصلية الساسي في  بلد ما ليس كتمثيل السفارة بالتحديد ، لذلك ففي المواقف السياسي يُستدعى السفير لا صاحب القنصلية .

3 - حتى وان كانت القنصلية السعودية ترمي الى تخطيط مخابراتي في النجف الاشرف ، فهذا الأمر متوقع جدا وغير بعيد  ، ومن السذاجة ان يعتقد أحد ان النجف الاشرف بعيدة عن العمل المخابراتي السعودي او الامريكي او الصهيوني أو غيرهم ، حتى انها الان التفت وتريد العمل ضد علماء النجف الاشرف من خلال مقر تواجدهم ، فهم على تواجد منذ وجود صدام ، وبعد السقوط دخل أكثر من تسعين جهاز مخابرات للعراق ، بعضهم في عمل  مشترك وبعضهم فردي . 

ولهذا يحتم على الحكومة العراقية تقوية جهاز المخابرات لديها لمعرفة ورصد التحركات التي قد تهدد الأمن القومي للبلد ، سواء صدر هذا التهديد من سفارة او من قنصلية .

4- وهذا أهم أمر اعتقد به ، وهو ان الدول الان تعلب بلعبة ترتكز على قاعدتين مهمتين ، هما القوة ، والكذبة العظمى (الديمقراطية وعدم التدخل) ، فالدول الكبيرة تلعب بهاتين اللعبتين ، فتجعل الثاني في المقدمة وتدعمها احيانا  بالاولى ، لان الحرب الاستخباراتية باتت افضل من العسكرية واقل خسائر  واكثر نفعا .

هنا تلعب الحنكة السياسية والدهاء السياسي  دورهما الكبير في التصدي لهكذا مخططات بدون التصريح بها ، فيكون العمل مكشوف في ان الطرف الاخر يخطط للنيل مني ولكن المواجهة تكون بالتخطيط ايضا مع حفظ الظواهر الخداعة .

وأفضل مثال على ذلك هو تعامل المرجع الاعلى السيد السيستاني  مع قوات الاحتلال الامريكي ، حيث دخلت بعنوان التحرير ، وهي الكذبة الكبرى كما قلنا ، مدعومة بالقوة ، فكانت المواجة من خلال الخيار الاول وهو الوقوف بوجههم من خلال كذبتهم واستغلال هذه الكذبة لفرض اشياء عليهم  قد تكون مستحيلة اذا استخدمت المواجة المباشرة من خلال القوة فقط .
فحققت المرجعية هدفين عظيمين لا يمكن للعراق ان ينساهما ، وهما الحنكة السياسية في والوقوف والكشف عن المخطط الكبير بتخطيط مماثل وبوجه دولي صحيح، وكذلك الاستفادة مما كانوا يدعون به وهو الحرية ، فكانت كتابة الدستور عن طريق عراقيين منتخبين  هو وقوف وتطبيق وانتصار مخطط المرجعية على مخططات الاحتلال ، وكل ذلك من دون الحاجة الى الرفض العلني أو المواجة المسلحة العلنية دائما ، لان الاعلان عن وجود مخطط استخباراتي يهدد الامن القومي للبلد ليس صحيحا دائما ، إذ يكون العمل على كشفه والتخطيط لعمل ضده ومواجهته والانتصار عليه هو الأهم ، وابسط مثال على ذلك هو ما بين روسيا وامريكا ، حيث ان كل منهما يعلم بوجود خلايا استخباراتية تعمل لكل واحدة منها ، وكلاهما يعلمان ان هناك مخططات لاختراق مفاصل الدولة ، لكن العمل المضاد وبنفس الوتيرة هو الحل الافضل للطرفين ، فتراهم لا يكثرون من الاتهام الاستخباراتي ، بل يكون الاتهام من خلال الكذبة الكبرى فقط وهي (الحرية والديمقراطية وعدم التدخل) .

الموضوع السابق روايات وقصص عن رجال الحشد الشعبي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat