على ماذا قتل السيد المسيح على وتد أو شجرة أو صليب ؟؟؟
بعد أن بينا بطلان عقيدة إعدام السيد المسيح بهذه الطريقة وأثبتنا أنه لم يمت بل رُفع، وأن تضارب النصوص واختلاف الروايات دلنا على أن السيد المسيح ارتفع إلى السماء ولم يرتفع على صليب واتفاق الإنجيل والقرآن على مسألة (شبّه لهم ) نأتي لنسلط الضوء على عقيدة أخرى من عقائد النصارى أصابها ما أصاب غيرها من التحريف والتزييف وهي أيضا من العقائد المهمة عندهم ألا وهي عقيدة الإيمان بالصليب حيث إنه بمثابة القبلة التي يتجه إليها النصارى عند كل مراسم وانها الشارة الأكثر استخداما في صلاة الأبانا حيث أن أي مصلي عليه أن يرسم شارة الصليب وذلك بإمرار يده على جبينه ثم وضعها على الكتف الأيمن ثم الأيسر كرمز للثالوث أو للصليب ذو ثلاث اتجاهات عمود في الوسط وعارضة بإتجاهين .
حيث يلاحظ الجميع أن النصارى عندما يريدون ممارسة أي شعيرة من شعائرهم يقومون باحتضان الصليب وإحناء الرأس ومن ثم التمتمة ببعض الكلمات على شكل دعاء ، يضاف إلى ذلك أن الصليب أصبح أهم رمز ديني يعلقه النصارى على أعناقهم وهم ينفردون من بين الأمم بذلك ، فلا نرى مثلا يهودي يعلق مثلثا أو بوذيا يعلق مجسما أو مسلما يعلق هلالا أو هندوسيا يعلق بقرة ثم يؤمنون بأنها تنفع وتضر وأنها مقدسة وطاردة للشياطين .
عقيدة بهذه الأهمية يا ترى هل تستحق كل هذه الاعتناء منهم وهل هي حقيقية أم باطلة.
صليب أم وتد أو شجرة !
لعلهُ ومن نافلة القول بأن أكبر رمز يمثل العالم المسيحي بكافة أطيافه هو الصليب ، فلا يكاد يخلو مكان في دنيا المسيحية إلا وللصليب مكان فيه ، والإنجيل ومن يقف وراءه من علماء النصرانية يلقنون الناس ويعلمونهم دائما على أن السيد المسيح إنما صلب ومات على هذا الصليب . فجميع نصارى العالم على اختلاف مذاهبهم يقدسون الصليب وينحنون لهُ أو يقفون أمامه بخشوع ويتمتمون بصلاتهم أو يرددون دعائهم . وعندما نقلب صفحات الكتاب المقدس على اختلاف فصوله وتنوع رواياته لن نجده يطرح فكرة الصليب على أنها من العقائد التي يجب إتباعها لأن الكتاب المقدس في الحقيقة لم يأت على ذكر الصليب كما نراه اليوم (صليب بعارضتين خشبيتين) بل أن الطبعات القديمة لهذا الكتاب تذكر بأن السيد المسيح صُلب على وتد خشبي (عمود قائم) .حيث أن هذه هي الطريقة الرومانية الأكثر شهرة لمعاقبة اللصوص وقطاع الطرق وإعدامهم.
فالرجوع إلى أصل الكلمة التي جاءت منها الترجمات إنما تعني وتد أو عمود، فاللغة اليونانية الأصلية التي كتبت بها الأناجيل تذكر من أن السيد المسيح أعدم على(( ستافروس)) وترجمتها الحرفية : وتد أو عمود . وقد استعمل الشاعر اليوناني هوميروس هذه الكلمة (ستافروس) ليشير إلى قطعة واحدة من الخشب وهو بذلك يشير إلى وتد أو عمود وقد استعيرت هذه الكلمة واستعملت في مختلف العلوم وكتب الأدب اليوناني .
ومن اللافت للنظر أن الترجمات القديمة للكتاب المقدس تشير إلى أن السيد المسيح صُلب ومات على شجرة فالترجمة اليونانية تترجم كلمة ( كسولن) أو (كسيلن) إلى شجرة أو خشبة تشبه الوتد وأن السيد المسيح إنما صلب على شجرة أوخشبة ولا يوجد إشارة أخرى في كل الترجمات القديمة إلى أن السيد المسيح قد صُلب على صليب ذو عارضتين . وكلمة الصليب أساسا ليست اسما لهذا الشكل ذو العارضتين إنما قيل له صليب من كلمة صلب فنُسب الإسم إلى هذا الشكل والأدات التي يُصلب عليها المجرم.
هذه البلبلة يؤكدها الاختلاف الكبير فيما دونه كتبة الأناجيل فبينما يورد مرقس نصا يؤكد فيه أن السيد المسيح كان يعرف الصليب وكان يأمر أتباعه بحمله بعد كل نصيحة يقدمها لهم ، كما في ترجمة إنجيل مرقس : (( اذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني حاملا الصليب)) مرقص الإصحاح 10 : 21 أي أن السيد المسيح كان يستخدم هذه المفردة للدلالة على التفاني والاستعداد للتضحية . ولكننا نرى في المقابل سكوت متى ولوقا عن ذكر هذه الجملة المهمة، ولكن عندما نرفع الجملة الأخيرة ـ حاملا الصليب ـ وهذا ما فعله متى ولوقا يستقيم النص ويصبح سلس في القراءة وهذا يؤكد لنا أن هذه الزيادة إنما وضعت هنا لتأكيد أمرا ما قد يعلمهُ القارئ المحترم من خلال سياق النص. ثم هل أن هذا التشريع خاص بهذا الرجل أن يبيع كل ماله ليحصل على كنز في السماء. أم أن هذا النص يشمل كل المؤمنين بالسيد المسيح, فإذا كان كذلك فلماذا سكتت الأناجيل الأخرى عن ذكره؟ والله عجيبة يقولون بأن الروح القدس هو الذي أوحى لمن كتب الأناجيل فمالنا نرى هذا التباين المريع فيما بينها . والغريب أنني كلما ناقشت مسيحيا عن هذه الاختلافات يقول لي : انك لم تفهم الجوهر لأنك لست مباركا بنعمة من الرب يسوع فادينا ومخلصنا .ومن لا يملك نعمة فليس له نور الروح القدس . والله معمعة .
فالنص كما ذكرته الأناجيل مجتمعة هو أن السيد المسيح كان يخاطب شخص ثري فيقول له: (( إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنزٌ في السماء وتعال واتبعني )) . متى الإصحاح 19 : 21 ويدلنا على صحة ما نذهب إليه أن الفقرة نفسها في لوقا 18 : 25 ولكنها تخلو من ذكر الصليب يعني انها تخلو من قول المسيح للثري : ((حاملا الصليب))حيث قام لوقا بحذفها. وأما يوحنا فسكت فلم يورد للقصة ذكرا من أساسها!
هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرا مهما وهو إن اعتماد العهد القديم (التوراة) كجزء متمم للكتاب المقدس الحالي فإنه يجعل صورة صلب السيد المسيح تكون أكثر وضوحا لأن هذا العهد يذكر الطريقة الرومانية في تعذيب وقتل أو تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المجرمين على الطريقة التي يذكرها أيضا العهد الجديد (الإنجيل) ، فكلمة كسولن ترجمها اليهود في توراتهم كما هي لم يغيروا فيها . فقد جاء في سفر التثنية : (( وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقُتل وعلقته على خشبة (كسولن) فلا تبت جثتهُ على الخشبة (كسولن) بل تدفنه في ذلك اليوم . لأن المعلق ملعون من الله)) . تثنية الإصحاح 21 : 23 وهذا نفسه جاء أيضا في غلاطية حيث قال : ((المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة )). غلاطية الإصحاح 3 : 13وحتى كلمة الصلب والصليب الواردة في كلا الكتابين فلا تعني الشكل الحالي المعلق عليه السيد المسيح وذلك لوضوح النصوص التي تقرن كلمة صلب بكلمة (كسولن) أو خشبة على شكل وتد . ففي استير إشارة واضحة إلى ان كل عمليات تعذيب وصلب المجرمين الملعونين إنما تتم على التعليق في الشجر او الأوتاد وقد جاء ذلك في أكثر من موضع : ((وأن يصلبوه هو وبنيه على الخشبة)). سفر أستير الإصحاح 9 : 25
وقد وردت كلمة الخشبة أو الوتد في الكثير من فقرات الكتاب المقدس بشقيه القديم والجديد ، وهنا لا يبقى مجال للشك إن يد التلاعب والتحريف هي التي غيرت ذلك وأحدثت كل هذه البلبلة بين صفوف النصارى ولربما يتسائل البعض عن الفائدة من التلاعب بنصوص الصلب وتغيير الكلمة من وتد أو خشبة إلى صليب كما نراه في هذه الأيام . الجواب سيأتي في نهاية هذا البحث إنشاء الله .
وأما الشكل الحالي للصليب ( وتد ذو عارضتين خشبيتين) فلم يرد ذكره في كل الترجمات القديمة والحديثة ، إلا في ترجمة الملك جيمس فهي الترجمة الوحيدة التي تترجم كلمة ( ستافروس) إلى صليب كما في الشكل الحالي الذي نراه عليه اليوم ، والغريب أن النصارى اعتمدوا هذه الترجمة دون غيرها ، وأن أساس جميع الترجمات الحالية يعود إلى هذه الترجمة ، وذلك ليتلاءم النص مع الشكل الحالي للصليب.
ولايخفى هنا على العاقل اللبيب أن اليهود عندما نسبوا الصلب للسيد المسيح دون غيره من أنواع القتل ـ وهم بارعون فيها ـ إنما يريدون بذلك أن يوحوا للناس ـ وكانوا كلهم من اليهود في ذلك الوقت ـ أن هذا المعلق على الخشبة ليس نبيا كما يدعي ، بل هو إنسان (ملعون من الله) وذلك لأن توراة اليهود تقول : ((وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقُتل وعلقتهُ على خشبة فلا تبت جثتهُ على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم . لأن المعلق ملعونٌ من الله )) تم ذكر المصدر.
فالمسيح هنا في نظر اليهود إنما جاء بخطية كبيرة حقها الموت وهي ادعاءه بأنه ابن الله ، بينما يرى اليهود أنفسهم أنهم وحدهم أبناء الله وأحباءه .
حقيقة الصليب !
إذن من أين جاء الصليب بشكله الحالي ؟
يبدو أن الشكل الحالي للصليب ـ وتد ذو عارضتين خشبيتين ـ قد أخذه المسيحيون من الكلدانيين المجاورين لهم الذين كانوا يستخدمونه كرمز للآلهة تموز في معابدهم . بعكس النصارى على رغم استعمالهم للصليب في كنائسهم أو على شكل تمائم تعلق على الصدور ، يرفضون فكرة عبادة الصليب ويعتبرونه رمزا بعكس الكنيسة المسيحية التي تراه من صميم عقائدها وتضفي عليه قدسية كبيرة.
ففي استطلاع أجرته صحيفة أخبار دالاس الصباحية قالت : أن بعض اللاهوتيين يتساءلون عما إذا كان من الملائم أن يكون الصليب رمز المسيحية لكونه أداة قتل ومرتبط بالعنف وتقول أن الصليب يعزز عبادة الموت وأدواته . وعلقت أحد المسيحيات بقولها : لا أحد يريد أن يكون كرسي إعدام كهربائي أو حبل مشنقة رمزا رئيسيا إلى الإيمان فهل كنا نستعمله لو أن الحكومة قتلت عليه يسوع اليوم ؟
على الرغم من كل الشكوك التي دارت حول شكل الصليب ونوع الصليب وغيره ، هناك إشكال آخر يفرض نفسه على مجمل الإشكالات التي وردت وذلك أن المسيحيين يعظمون الأداة التي قتل عليها عيسى المسيح غاية التعظيم ويضعونها في مكانة تأتي بعد مكانة نبيهم في الاحترام علما أن هذه الخشبة ـ الصليب ـ التي صلب عليها نبيهم لم يمكث عليها سوى ساعات قليلة ثم نقل إلى القبر في المغارة ـ قبر يوسف الرامي ـ وبقى في المغارة ثلاث أيام بلياليها ، ثم قام على حد زعمهم ، تاركا اللفائف والأكفان وغيرها من الآثار في باحة المغارة الخالية ، فلو كان المدفون في هذا القبر هو عيسى، لقام المسيحيون بتعظيم هذه المغارة المباركة التي حوت جسد نبيهم لبضعة أيام ، ولأصبحت مزارا مشهورا يحج إليه الملايين كل عام ، كما تراه عليهم اليوم من تعظيمهم لمغارة ميلاد السيد المسيح والتي ترنمت بها فيروز اللبنانية فغنت أغنيتها الشهيرة ( القدس في المغارة وأمه مريم طفلان يبكيان) وكذلك تعظيمهم لقبور القديسين والحج إليها ، والغريب في الأمر أن هؤلاء النصارى يحجون بالملايين كل عام إلى الفاتيكان لزيارة (رداء السيد المسيح) والتبرك برؤيته وهذا الرداء يطلق عليه ( رداء ترير المقدس) ولكنهم يجهلون مكان قبر نبيهم الذي يزعمون أن الحياة عادت إلى نبيهم فيه.

|