• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حكاية من القرن الماضي (قصة حقيقية)... .
                          • الكاتب : علاء سدخان .

حكاية من القرن الماضي (قصة حقيقية)...

في فجر احد ايام العراقيين المساكين المظلومين تحت وطأة طاغية من طغاة العصر قرين قارون ويزيد ان لم يكن قد تغلب عليهم، وقبل ان تشرق شمس آب اللهاب لتكشف ما هو مستور ولتبعث بأشعتها النارية استيقظت امرأة عراقية وفي صدرها مزيج من المشاعر ما بين غضب عارم وحزن يهد الجبال ونفس مقبوضة من شدة الضيم، امرأة ثكلى بأعزائها لا تستطيع البوح او التنفيس عما يجول في خلجاتها، فهي تخاف من ذرات الهواء ان تنقل لجلاوزة السلطان انينها وترتعد من ذرات الرمل ان سقطت دمعة فترسل بتقرير سري الى افراد الامن العامة او المنظمة الحزبية القريبة من بيتها وتأتي بمزنجرة تقتادها الى زنازين الطاغية.
فلم تجد لها مفر ولا مكان يحتضنها الا من كان يعين الفقير ويحتضن المهموم ويفرج عن المكروب وملاذ للمحتاج في حياته ومماته، فهبت مسرعة الى ذلك الرحب الكريم لتشكوا اليه همها وحزنها وما ان دخلت ذلك الكهف الحصين حتى بدأ سيل الدمع منهمرا من مقلتيها.
في الطرف الثاني كان هنالك شاب يسكن في المدينة العامرة بالقصص والتاريخ، زوراء المنصور مستديرة العباسيين شاغلة القاصي والداني حاضنة كل اطياف الشعب العراقي، في طرف من اطراف هذه المدينة كانت هنالك محلة تسمى(الكفاح) هذه المحلة اشتهرت بأهل بغداد الاصليين والذين كانوا اغلبهم يمتهنون الحرف اليدوية، مدينة (الشقاوات والفتوات)(*) هذا الشاب الكردي (**) عرف بقوته الجسمانية وايضا كحال اقرانه من منطقته والمناطق المجاورة ممشوق القامة مفتول العضلات، احس بملل وضجر هو واصدقاؤه ابناء المحلة بسبب الروتين المقيت الذي يعيشوه اضافة الى تذكرهم لأخوتهم واصدقائهم الذين رحلوا عن هذه الدنيا على يد الطاغية المتعنجه فارس الامة، فأتفقوا على ان يكسروا الروتين الذي هم به وان يتوجهوا صوب قبة ابو الفقراء والايتام مأوى المحتاج ليرموا بهمومهم في مضيف قداسته فهبت قلوبهم قبل اجسادهم نحو امير المؤمنين الكهف الحصين (علما ان بعض اصحابه الذين اتوا معه كانوا من ابناء العامة) وهذا هو حال العراق سني شيعي كردي صابئي علماني شيوعي ....الخ كلهم مركب واحد.
شاءت الصدف ان يكون اليوم الذي اتفقوا به للذهاب الى زيارة امامهم هو نفس اليوم الذي ذهبت به تلك المرأة المثكولة لزيارة امير المؤمنين وهو يوم (الخميس المصادف 13 آب 1998) وقد لا حظوا الشباب تلك المرأة وهي تجهش بالبكاء حالها حال كل نساء العراق، فلا يوجد بيت في زمن الطاغية لم يكن منكوبا (الا ما ندر ولا اعتقد بوجود هذا البيت)، وكما هو معلوم في تلك الفترة ان رجال الامن وازلام النظام كانوا متدشدشين متطربشين يراقبون همس الخواطر واحلام اليقظة عسى ان يحلم شخص بزوال الطاغية او يهمس في باله امنية تغير الحال حتى يقاد مباشرة الى مقاصل الطغاة.
وفعلا ما هي الا لحظات الا وضجت المرأة بالنحيب والصياح ومن شدة المها فقدت الاحساس بالزمان والمكان وبدأت تصرخ لعنة الله على صدام فليسقط صدام .... ، فما كان من رجال الامن المتخفين الا وقد انهالوا عليها بالضرب والرفس والشتم و(سحلوها) الى خارج الصحن الشريف ولم يحترموا كونها امرأة، لم يتحمل اخونا الكردي الفيلي هذا المنظر فهب لمساعدتها بعد ان منعوه اصدقاؤه لكن العِرق العراقي اراد ان يمزق جسده ويخرج، فخاطبهم:
ــــ اخوان على كيفكم وياهه هاي مره عيب هيج.
ــــ رجال الامن: (....) مالك لازم خليك بنفسك.
ــــ الشاب: اي شباب شسوت المرة وهيج دتسحلوها ؟
ــــ احد رجال الامن: سبّت السيد القائد.
ــــ الشاب: اني اعلمكم اليوم ولد الـ (....) انتو وقائدكم .
فقام بخلع حذائه من قدمه ورمى به صوب صورة للطاغية صدام حسين كانت معلقة على جدار صحن امير المؤمنين (عليه السلام) فسقطت الصورة وقال لهم:
ـــ الشاب: هذا رئيسكم جو رجليه. وبدأ بركل الصورة والقفز عليها.
فتوجه بعض من رجال الامن ممن كانوا حول المرأة لمسكه وضربه، فيذكر ممن كان حاضر الواقعة من اهل النجف انهم لم يستطيعوا السيطرة عليه لوضع الجامعة بيده، فكل من يتوجه نحوه يلكمه فيسقطه ارضا الا ان تكالبوا عليه (والكثرة تغلب الشجاعة) فأردوه ارضا واقتيد الى سجن النجف ليرحل الى الامن العامة .
وفي الأمن العامة ارادوا ان يعدموه حاله حال آلاف الشباب والنساء الذي اصبح مصيرهم مجهولا، لكن الفكر الاجرامي لأزلام النظام السابق ارتأى ان يكون عبرة لغيره فبعد ان قضى مدة طويلة في زنزانات النظام وهو متدلي للأسفل ورجله للأعلى وتعرض لأنواع التعذيب والممارسات الاجرامية حسبما ذكر احد اقاربه عندما كان حارسا على احد السجون، خرج ليصبح معاقا لا يعرف حتى اسمه او اسماء اخوانه وليعيش بقية عمره لا يعرف نفسه و ليس له المقدرة للسيطرة على نفسه (قضاء الحاجة) .
يذكر ابناء منطقته انه خرج قبل احداث سقوط النظام بفترة وعاش بعد السقوط الى ان وجد مغدورا مقتولا في ظروف غامضة لمقتله على احدى مزابل بغداد المحررة.
_______________

(*) ليس بالضرورة ان يكون (الشقاوة) رجلا سيئ (*) ليس بالضرورة ان يكون (الشقاوة) رجلا سيئ السمعة والصيت او ليس لديه اخلاق كما هي النظرة السائدة الخاطئة في المجتمع.

(**) اسمه حسين شاولي من اهالي منطقة الكفاح كردي فيلي .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=98732
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13