تعطيل الذات المعارضة يعني مزيداً من الأخطاء والآثام ، فالذات المفكّرة الخلّاقة المؤمنة الفاعلة لابدّ وأن تتركّب من وحدتين : مآلفة ومناوئة ؛ حيث ناتج التحاور بينهما والتباحث والتراقب والتنافس ثمار يانعة .
إلّا أنّ حال الغالب منّا كحال النعامة التي رامت التخفّي فغوّصت الرأس دون الباقي ، فعطّلنا بذلك الذات المناوئة ظنّاً منّا أنّ المآلفة ستوصلنا برّ الأمان .. مشكلتنا غفلتنا عن كون الأنا المستبدّة لاتمنحنا سوى مزيداً من الوهم والغرور الخادع، فنغرس رأس العقل في وحل الجهل مستهترين بجوراح وجوانح الخلق التي تعمل ليلَ نهار لتوثّق هذا الفعل وذاك القول بلاأدنى كللٍ وملل .
إنّ الثقة العالية بالنفس شيءٌ ، وادّعاء الكمال شيءٌ آخر ؛ والبعض واهمٌ لمّا يخلط بين الأمرين ؛ لوضوح المائز والفارق بينهما .
إلى ذلك : إنّ الصمت والسكوت لايعنيان بالضرورة الإمضاء ؛ فلعلّ الصمت لحكمةٍ والسكوت لمصلحةٍ ؛ لكنّ البعض قد يستفيد منهما الإمضاء على الدوام فيقذفه الكبر في متاهات الخيال ؛ وخطورة الأمر تتمظهر عبر الأساليب والأفكار المتغطرسة المخالفة للقيم والأخلاق تارةً ، والزائغة عن الدرب والهدف تارةً أُخرى ، وهذا مايمهّد السبيل لرؤىً باطلة ومدّعيات سخيفةٍ صنعتها الأنا الخادعة ، كمثل : " لولاي أنا لمتّم جوعا " بحذف " الله " من قائمة الرزّاقين ، و " أنا الذي أحفظ مبادىء الشرع وغيري فيه شكّ " .. إلى ذلك : عبادة الأصنام ، الحربائية ، الببغائية ، الاستخفاف بكرامات الناس ، المنّة الرديئة الرائحة والطعم واللون ، الهروب من الواجب ولوازمه إلى الأمام بحجّة المستحبّ الكفائي المؤدّي أحياناً إلى الانغماس حتى الأخمس في أرقام المصارف وحساباتها وسندات العقارات وتعدادها، بلا نفحةٍ نوريّةٍ مائزةٍ تفوق ملك الدنيا ومافيها ، من إرشادٍ أوتدوينٍ أو تدريسٍ أوتحقيقٍ فيه رضى الله ورسوله وأوليائه والمؤمنين ...
إنّ الحكمة التي تعني الخير الكثير ، الحاصلة إثر الجهد الإيمانيّ المعرفيّ المرير ومحاسبة النفس برقابة الذات على الذات ، قد خصّها الله تبارك وتعالى بقومٍ دون آخرين ، بقومٍ صاروا " تيجان الخلق " وصمّام الأمان ومهوى أفئدة بني الإنسان .
فكما أنّ رمال الدنيا وثلوج العالم كلّها لم تنقذ نعامات التخفّي ، فكذا تعطيل الذات المناوئة لن ينقذ الكبر والغرور والاستبداد من سوط الحقّ الجلي .
|