ارتقى المنبر خطيبنا الذي عوّد مستمعيه على الخوض في كل ما هو مسكوت عنه. بدأ بترتيب محاضرته ومستلزماتها من مقدمة وقصيدة ثم آية قرآنية كان سيتناولها بالتفسير خلال المحاضرة. كان الحضور يتابع الخطيب في النعي تارة وفي الإنصات أخرى. حتى إذا بدأ بشرح الآية وتفسيرها، وجم القوم وكأنّ على رؤوسهم الطير.
قال الشيخ فيما قاله: أسوق لكم اليوم حادثة كنتُ أحد شهودها. كنتُ أجالس يوما أحد الأغنياء الورعين. أرسل الرجل-أي الغني- في طلب أحد الأشخاص. ثم قام بتسليمه مبلغا ليوصله إلى شخص آخر يعرفانه. ثم قال له: خذ 20% من المبلغ وأعط صاحبنا 80% منه. وبعد أن همّ الرجل بالذهاب، قال له الغني: بل خذ 40% وأعطه 60%. وعندما وصل إلى الباب، قال له: خذ 80 % وأعطه 20% فقط. شكر الرسول الغني على ذلك وخرج.
بعد فترة التقيتُ الرجل الغني ودار الحديث بيننا في أمور شتى. قال لي الرجل: أتتذكر المبلغ الذي أرسلته بيد صاحبنا؟ قلت: أجل، ماذا حدث له؟ قال: لم يوصل المال، واستأثر به كله!!!
تعجبت لذلك، ثم دارت بيننا تساؤلات كثيرة، لم نحر لها جوابا.
ثم التفت الشيخ الخطيب إلى الحضور وطلب إليهم أن يعبروا عما يجول بخواطرهم عن ذلك الرجل-الذي لم يوصل الأمانة. عبروا عنه شتى التعابير، ونعتوه بأسوأ النعوت، حتى أن الكثير منهم قالوا إنهم يشكّون بوجود مثل هذا الشخص.
قال الشيخ: أتشكّون بوجود مثل هذا الشخص؟ فلننظر إلى أنفسنا. ألم يعطنا الله نعمة اشترط فينا أن نوصل خمسها أي 20% إلى السادة والفقراء والمساكين وغيرهم، ونأخذ 80% حلالا طيبا؟ لكننا استأثرنا بالكل وتركنا الأمر وراء ظهورنا. ألم يقل الله في سورة الأنفال: الآية|41 (واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير) وبصريح الآية؟
فساد الوجوم على الحضور لأنهم استحضروا ما كالوه لذلك الرجل من نعوت كانوا هم الأجدر بها!!!!
أ. د. حميد حسون بجية |