لايخفى على ذلك الجيل ما لهذه الكلمتين من معنى عميق وذكريات جميلة ، ودلالة مفهومة وواضحة ، فهي من القصائد التي كانت من ضمن منهاج المرحلة الابتدائية ، وهي مثال جيد وكبير على ان الحرية المطلقة هي اثمن شيء يمكن للشخص حيازته والحصول على رخصته ، وان الصوت الذي يصدر من ذلك البلبل يثير مشاعر السامع له ويشدو معه ، واطلقت كلمة الفتّان هنا لانبهار الناس وفتونهم بجمال صوته ، ومنها استمد تلك الصفة ،لانه لاينطق الا بكل ماهو جميل ويضيف بمرح حركاته لذلك المكان جمالا ونضارة .
اما البُلبُل الفتّان في الوقت الحاضر ، هي تسمية تطلق على المتملق لمسؤوله في دوائر الدولة والمؤسسات الحكومية، او ربما حتى في الحياة العامة بين الافراد ، والكثير منا اصطدم بهذا النموذج وعايشه ، فهو بمثابة مسجل فيديو بتقنيات مميزة ،فيهمس بأذن المسؤول عن كل شاردة و واردة ، او ساقطة و محلقة، فحواسه تعمل بانتظام كانه روبوت آلي ، ويسترق السمع خلف ابواب الدائرة لعله يصطاد لقمة لمسالة ما ، يسد بها الجوع والنقص في شخصيته ، فهو لايجني من تلك الاساليب الوضيعة اي مكسب او غنيمةباي حال من الاحوال الا كلمة (عفية عليك) ، ومع كل الاسف يرخص نفسه لشراء الذلة والخضوع ،لكي يستحصل على كلمات غردت وعلى مواقع تواصله في خياله المريض كاحلى الهاشتاكات التي داعبت مسامعه وربما تسلقت لاعلى عشرة ترندات في الاقوال المتعفنة التي محتواها لايقل نتانة عن قالبها ،وهنا تاتي كلمة الفتّان بمعنى النمام، فهذا البشر اختار ان يكمل حياته حبيسا في قفص العبودية ،اما ذلك الطائر اختار من الحرية حياة ، وشتان بين طائرفتان وبشرنمام .
واما الطرف الاخر فلجوئه الى هؤلاء الشواذ من البشر انما هو لدليل واضح على انه ليس اهلا لهذه المسؤولية ، وهو ليس محل ثقة واخلاص بالعمل وبالتالي فهو الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، ولو كان عمله سليم وقويم ومنظم لما احتاج لان يستنسخ التجارب البعثية التي كان المقبور قد اسس لها في كل مفاصل الحياة العامة .
وهنا نتسائل متى يمكننا ان نضع رادع لكل هذه الامراض والعقد النفسية التي تؤثر سلبا على المجتمع ،لان الوباء حينما ينتشر في منطقة ما ستنتقل العدوى الى المناطق واحدة تلوالاخرى، وسيصاب الجميع بضرر فادح لايمكن ايقافه ، كما اننا متيقنون بانه لا النمام يتغير لانه بأرادته لبس رداء الخضوع واتخذ منه نهجا واسلوبا ،ولا بعض المسؤولين ينتهون من استعمالهم كادوات ، بفرض النظام والالتزام بالعمل ، وقبولهم مسؤولية التواجد في مراكز تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم العلمية لئلا يخفقوا ويقعوا في الحرج ، وان لايقفوا مكتوفي الايدي حبيسي نظام عمل قديم ، ويلجأوا لتطوير أنفسهم وطريقة عملهم بوجود هذا الكم الهائل من التقنيات والتكنلوجيا الحديثة، الذي اصبح امرمستساغ لدى الجميع بكبسة زر ، بدلا من الالتجاء الى هذه الاساليب الرخيصة .
|