حمل طائرته الورقية حين رافق أمه في نزهة ترفيهية وسط احد المتنزهات المطلة على دجلة الخير.. ومع اللحظات الأولى أطلق خيطه الملتف حول أنبوب مطاطي ليمنح طائرته حرية التحليق المقيد حيث الارتفاع التدريجي.. وما بين الشد والرخاوة كانت تحلق تارة وتارة تستقر وغمرة المسرة تطفح من بين مسامات روحه وهو يركض ببطء مراقبا صعودها واستقرارها.. إنها لحظات الفرح المنتظر الذي يعيشه وامه التي ترقبه من بعيد... مرددة: لا تذهب بعيدا يا بني....
ارتفعت الطائرة الورقية في السماء وهو ما يزال يركض ويشد الخيط بقوة لكي لا تفلت منه وعلى حين غفلة قطع الخيط لترتفع الطائرة وتذهب بعيدا....هرول باكيا نحو والدته التي هرعت إليه متسائلة:
ما حل بك يا ولدي هل أصابك مكروه؟
أجابها بحزن: انظري لقد رحلت... وأشار بيده الصغيرة إلى السماء.. رمقته الأم بنظرة حزينة ثم حلق بصرها خلف الطائرة الورقية واغرورقت عيناها بالدموع بعد أن عصف بها الحنين إلى أيام الصبا وقالت بصوت حزين: لا تحزن يا بني سأشتري لك طائرة أخرى..
ثم أعادت بصرها إلى الفضاء لتر نفسها قبل عدة أعوام عندما رحلت أحلامها الصغيرة التي كانت وما زالت تحلم بها بعد أن وضعت قدمها على أول الطريق بخطوات ثابتة حيث كانت تكتب الشعر بكل طلاقة وإتقان وهي تحلم بالتحليق عاليا ..عاليا ..لكن والدها الذي أسهم في دفن الأحلام الشفيفة تلك بزواجها من ابن عمها وهي ما تزال في ربيع العمر ومنعها من متابعة دراستها والطريق الذي بدأته حيث قال بصوت حازم ومخيف: ما تزال ترتعد منه ليومها هذا : اتركي هذه التفاهات وألا قمت بحبسك في المنزل إلى أن يوافيك الأجل أتفهمين..؟ وأعلمي جيدا أن مستقبل البنت في الزواج فقط..
حينها أذعنت لأوامر والدها وتركت حلمها خلف أسوار الروح دافئا عله يحلق يوما ويهرب كما هربت الطائرة الورقية بعيدا....
|