الأعوام تتواكب والأجيال تتعاقب، وفي مطلع كل عام ينهض سؤال حائر عنوانه ، هل أن الأجيال تتكاتف؟
فهذا السؤال في محنة صعبة ، فهو الموؤد في أوحال التفاعلات الضارة بوجودنا والمدمرة لصيرورتنا الحضارية المثلى.
فالمتفحص لأحوالنا ومآلاتنا، وما نقوم به ، يرى بوضوح أن الأجيال تتصارع وتتعاوق ولا تعرف آليات ومهارات التكاتف والتآلف والتفاعل الإيجابي النافع.
كل جيل يريد أن يستأثر بالحياة على حساب أجيال.
وهذا ينطبق على الواقع السياسي في مجتمعاتنا، حيث تنتهي معضلة الإستحواذ على الأجيال إلى مأساة مروعة ومدمرة.
وقد تكررت مرارا في العراق.
وتابعناها بتفاصيلها في تونس ومصر وليبيا، حيث إنفجرت الأجيال المخنوقة المكبوسة وفعلت ما فعلته.
وهذا الموقف الغريب يطرح سؤالا آخر، مفاده، لماذا تغتصب الأجيال حقوق بعضها؟
لماذا يأخذ جيل حقوق الأجيال ويثرى، ويسرق وينهب، ويتحول إلى رمز للثراء الفاحش والظلم القاهر، ولماذا يتلذذ بإذلال الأجيال وتحويلها إلى قطيع؟!
يبدو أن غياب الدستور الصالح، وإنعدام الشعور الوطني، هما من أهم أركان هذا التفاعل الصراعي الضار بالجميع.
وفي ذلك تتميز المجتمعات المتأخرة عن المتقدمة ، فالأخيرة تدرك أن لا بد لنهر الأجيال أن يجري، ولكل موجة أن تساهم في حركة التيار، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن ترتضي لنفسها أن تكون سدا أو مانعا بوجه حركة الحياة.
حتى في الصين، عندما حصل تعثر الجريان، أسرعت القيادة إلى البحث عن الحلول اللازمة وتوفير المنافذ الضرورية لتأمين إنسياب الأجيال بسلاسة وهدوء وعطاء أكبر.
أما في مجتمعاتنا، فلا زلنا لا نعي هذه الحقيقة الحضارية، وشاهدنا كيف أن النظام المصري السابق، وإلى آخر لحظة ، لم يشر إلى وعي معاصر لهذه الحقيقة ، ومضى يغفل سلوكه المضاد لحركة الأجيال الصاعدة ، وكذلك فعلها النظام الليبي، والحاكم الوحيد الذي وعاها في آخر المطاف، أو أُجْبر على وعيها , ووجد أن لا حل للمشكلة التي أغفلها إلا بالهرب مرغما أو مخيرا ، هو الرئيس التونسي السابق، فقرر في لحظة يقظة أليمة أن يتيه في الأجواء , ووجد أرضا تأويه.
إن ما يجري في المجتمعات العربية هو مشكلة قهر للأجيال وغياب الفهم الموضوعي الحضاري المعاصر لأهمية تفاعلها وتكاتفها ، لكي يأخذ كل جيل فرصته ودوره في العطاء والبناء ويذلك تتقدم الشعوب.
ومن المعروف أن المجتمع في محنة الصراع القاسية، يدخل في تفاعلات إنفعالية إنتقامية ذات تداعيات خطيرة ، حيث الخراب والدمار وسفك الدماء.
ولهذا فأن المطلوب من المجتمع ، وعي حقيقة تواكب الأجيال وكيفيات إمتلاكها لفرصة التعبير عن طاقاتها وتأثيرها في جريان نهر الوجود الوطني.
ولا يضمن ذلك إلا دستور سامي أصيل , وإيمان بأن الوطن وعاء صيرورة لا بد من صيانته والحفاظ على سلامته وتأمين أسباب السعادة والأمن فيه.
فهل أجيالنا تتكاتف أم تتصارع؟!!