• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : ضاحكةٌ مستبشرة .

ضاحكةٌ مستبشرة

 كالخاليات من أيامنا كان يومنا، ترجمان لآيٍ من الذكر الحكيم ( (وتعاونوا على البرّ والتقوى)).. فتُسارع سريّة قتالية الى خيرات الجهاد؛ وتعود أخرى الى مقرّها متزودةً القوة لواجبها اللاحق.

تم ذلك وكان علينا الرجوع من (بيجي) الى أهلينا ومحافظاتنا؛ لكن الوقت قد تأخر؛ فقررنا اتخاذ ليلنا لباساً؛ ونسافر مصبحين إن شاء الله.
لم نُلبس كل الليل إذ بقينا مع قائد السريّة (عابس) بسمر ليل جهادي، نناغي نسائم هواء الميادين بضحكاتنا، فيرتشف النسيم منها شذى؛ ليزيل عن ذراته روائح البارود ويتطهّر به من أنفاس العدو.
كان القائد (عابس) أكثرنا ضحكاً، اختتم ضحكته بقوله: " لأول مرة أضحك هكذا، اللهم اجعلها ضحكة خير".. أطبقنا أجفاننا نائمين لنستيقظ على صوتٍ مدو، فيه دوي حقد وخسارة.. إنه الغدر مجدداً، إنها الذلة التي ترهقهم.. يولون أدبارهم ويخشون مباشرة المواجهة.. حان موعد الرحيل الى رغد الوالدين، الزوجة، الأولاد.. لكنّا حثثنا الخطى مسرعين الى (المشجب)؛ لتنتصر النفس بجهادها الأكبر.
اتجهنا الى أخوة لنا في جهة أخرى من (بيجي) لإمدادهم وتعزيزهم؛ فقد كان الهجوم قوياً وسقط، بل ارتفع كثير منهم شهداء.. بعد تعاوننا على البر؛ نالوا البر الذي ما فوقه بر كما يقول رسول الله.. القتل في سبيل الله.
كُنا نتجه بإتجاهات مختلفة لمساعدة بقية صنوف الحشد، تتباين أسماءنا فقط وتتساوى أهدافنا وقلوبنا، إننا أشداء على الكفّار، رحماء بيننا.. لا يفصلنا الكثير عن نقطة حوصر فيها بعض المجاهدين، فقال القائد (عابس):
ـــ       " إما أن نموت جميعنا أو نُخرِج أخوتنا المُحاصرين"!
واصلنا التقدّم ولم يبقَ إلا دار واحدة لنصل إليهم، وإذا بنا نسمع أنكر الأصوات:
ـــ       " أتيناكم يا روافض ".
لنردّ بصوت يرجم كل شيطان مارد:
ـــ       " لبّيك يا حسين ".
بدأت قنابل الهاون تتساقط كالمطر على نقطتنا، وعلمنا أن العدو في كل الجهات، حتى بدأ الأصحاب بنيل أوسمة الإصابة.. حاولنا إيجاد ثغرة لنقل الجرحى.
لم يهدأ أزيز الرصاص من بندقية (عابس)؛ ليؤمّن لنا المكان ونصنع ثغرة، وصنعناها.
كان آخرنا، خرجنا واطمأن علينا ثم خرج.. نقلنا الجرحى في السيارات وذهبوا، وبقينا ثلاثة رابعنا (عابس).. ومجدداً أدى دور الدرع والأب الذي إن خانته الماديات وتقطعت به سُبل المسببات يقتطف من عمره وروحه ومهجته في سبيل راحة أولاده؛ فيؤمّن (عابس) الطريق لنشق دربنا ويبقى آخرنا.. تتجدد شجاعته ويجددون ضعفهم لتأتيه رصاصة في لب قلبه.
سقط أرضاً؛ وارتفع شهيداً مع ارتفاع الشمس؛ لتؤذِن ببدأ ليل معتم.
والآن.. يا (عابس)؛ أ فككت لغز الضحكة التي اخترقت حجب الدنيا؛ وأبصرت سنا الآخرة الأبقى؟
قد استجيب دعاؤك فكانت ضحكة خير، و وجهك من (وُجوهٌ يَومَئِذٍ مُسفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُستَبشِرَةٌ).
 
زهراء حسام الشهربلي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91114
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13