• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : الرحمة المهداة .
                          • الكاتب : نغم المسلماني/ مركز الحوراء زينب لرعاية الفتيات .

الرحمة المهداة

 

نغم المسلماني/ مركز الحوراء زينب لرعاية الفتيات
هنا في بلادي .. حيث يطوي الزمن أيامه المبعثرة ، تختنق عقارب الساعة فتمضي هاربة على عجالة تروم اللحاق بما يحدث، لتسرد كل ما يرد في صفحاته المسطرة أحداث كثيرة ومشاعر غريبة .. أخبار وأخبار ... كل شيء يتعلق بأرجوحة الزمن حيث يسخر من أقدارنا وأحلامنا، حتى بات حبر الفجائع الأسود يعلن عن بدء عصور جاهلية جديدة، وأصبحت أرض الرافدين تسمى (بالعراق المنكوب) .
بلادي التي بدأ أناسها يفرون منها الى المجهول هرباً من طوق النكبات الذي يحاصر أيامهم كغول لا يشبع .
وفجأة .. هناك وفي وسط هذا الليل الدامس رأينا قبسٌ لشمعة التف حولها ملايين اليراعات المضيئة اجتمعت لتكون شموساً تنثر معاني الإيثار وتحصد الآلاف الاجساد والدماء، وصيرت نورها جبلاً من الشموخ، فأصبحت كرحمة مهداة كسرت قيود الظلام وأنارت منعطفاً من الدرب واستبدلت الكوابيس المفزعة بأحلام الأمل، أخيراً تمزقت عباءة الظلم وأشرقت شمس بلادي من جديد بفضلها، وأحد هذه اليراعات المضيئة كان خادم أهل البيت (عليهم السلام)                           الشهيد .. سلام كامل  أحد أبطال لواء علي الأكبر فبعد أن نطق الشهادتين وطهر أرض بيجي بدمائه الزكية صعد الى جوار الباري في الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1436هـ حيث المنزلة العظيمة التي تليق بِجَسيم تضحيته حينها قادتنا قلوبنا كعادتها الى منطقة الجدول الغربي، إذ تقطن عائلته في بيت صغير، وبعد ان وصلنا أعتاب الدار طرقنا الباب وصرنا لا نطيق الانتظار حتى نرى وجوه من ترك وراءه دون أن يبالي، وما هي الا لحظات .. وإذا بامرأة تستقبلنا بحفاوة وكرم وقد تخالطت ملامح الفخر والحزن على بساطة جبينها فأخذ يسابق أحدهما الآخر على تارتين، وبدت التعاريج والخطوط التي أنجبتها قسوة الزمن واضحة على بشرتها المتعبة، كانت تحمل نظرة النسر الجسور في أحداقها لكن إذا ما أمعنا النظر رأينا أن الدمع ما زال يقف متأهباً خلف أهدابها فقد أضحى لها  خير ونيس تلجأ اليه فترمي أوجاعها في قطراته دون أن يشعر بها احد، هذه هي زوجة سلام ورفيقة دربه، قابعة كالنسر على أبناءها الخمسة، تروم أن تجعل منهم خير خليفة لخير سلف .
تحيرت في أمرها، من أين لها هذه القوة التي تلوي بها أيدي المصائب حين قالت 
أنا زوجة البطل سلام وأفخر لكوني كذلك، وأنا أول من آزره عندما قرر الالتحاق بركب المجاهدين، وكنت اعشق كلماتٍ كان يندي بها شفتيه الى أن رحل الى مثواه الأخير والكلمات كانت : " لي هدفان في هذه الحياة لا ثالث لهما إما الشهادة وإما النصر " حدثتنا ... وحدثتنا  وأنا أنظر الى شفتيها المجنونة بالمديح عن زوجها الغائب الغالي واللب يزداد حيرة 
ما هذا الرضا الذي يسكن نفسها رغم ما تمر من مصاعب مؤلمة، أنهيت لقاءي معها وخرجت  بفم صامت وكلمات هزيلة أمام هيلمان صبرها وقناعتها ، خرجت بشفاه صامته وقلب يهمس ما هذا الصبر وما هذه القناعة ؟؟؟ 
لم يسعفني طريق العودة الطويل أن أستشف مكامن الأسباب، وقد حان أوان العودة حيث الساعة قاربت على الثانية بعد الظهر، عدت من حيث أتيت من مرقد القدس والروحانية حيث يقبع أبا الأحرار، دخلت أبوابه الزكية فشعرت براحة وطمأنينة  ومشاعر أخرى متشابكة تائهة تريد البكاء بين يديه وأنا أردد بعبرة صوت مرتجف السلام عليك يا مولاي يا ابا عبد الله، انقضى الوقت وانا في رحابه  وارتاعت النفس  في حضرته وقاربت الشمس على المغيب فإذا بخيوطها المتعبة تذكرني بما كان من صبر جبل الأحزان زينب الكبرى (عليها السلام)، فأيقنت وسلمت أن ما رأيته من دماء الشهيد ويقين زوجته ما هي  الا رحمة مهداة .
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=89939
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12