• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الفرد لا يغير المجتمع .
                          • الكاتب : محمد زكي ابراهيم .

الفرد لا يغير المجتمع

كنت قد قرأت منذ زمن بعيد مقالة صاخبة بعنوان "الكاتب لا يغير المجتمع" على صفحات "الآداب" البيروتية. وفي هذه المقالة التي لم أعد أذكر اسم صاحبها الكثير من الجموح، إلى الدرجة التي جعلتني أعيد قراءتها أكثر من مرة. كان الكاتب قد تأثر بصعود حركة اليسار في العالم يومئذٍ وما رافقه من مناخات، فصب جام غضبه على أولئك الذين جعلوا من أفراد بعينهم أدوات تغيير حقيقية. فالأحزاب والحركات الثورية ومراكز الدراسات والنقابات العمالية.. ألخ بالنسبة إليه هي وحدها القادرة على تغيير المجتمع، وليس الأنبياء والعلماء والمفكرون والمصلحون.. وهكذا.
وأذكر أنني رغم حداثة سني لم أتقبل فكرة الازدراء بالقادة الأبطال، وكان لهم آنذاك وجود ضخم في حياتنا اليومية. ولم أنسق وراء رؤية الكاتب في توهين فكرة المصلح المنقذ، وهي من ركائز ثقافتنا المحلية. ومع ذلك لم أتخل عن شغفي بالمقال ولا عن إعجابي بكاتبه. فقد كان محامياً بارعاً دافع عن فكرته بكل قوة. 
وقد ذكرني هذا الموضوع بما كنا عليه من تطرف شديد، وحدية مفرطة. فإما أن يكون الفرد هو من يحمل مشعل التنوير، وإما الجماعة. وما من احتمال أن يكون الاثنان معاً تعاونا من أجل بناء مدينة فاضلة. كان هناك من غرق حتى أذنيه في أيديولوجيا صارمة لم ير في سواها غير القبح والدمامة والابتذال. وآخر لم يجد فيها ما يخلب لبه فآثر معارضتها بكل وسيلة.
وقد يشاطرني القارئ أن جزءً كبيراً من مقولة "الكاتب لا يغير المجتمع" ربما تحقق الآن بعد أن انحسر دوره بشكل مفجع، ولم تعد لديه القدرة التي كانت لأسلافه. فالزعماء التاريخيون شارفوا على الانتهاء، والكتاب المؤثرون أوشكوا على الانقراض، والفنانون النجوم لزموا بيوتهم. وبقي الإعلام المرئي يصول ويجول دون قيود، يرفع من يشاء ويضع من يشاء. أما صفحات التواصل الاجتماعي فقد غدت منابر حرة يشارك فيها الأشخاص اللامعون، وعوام الناس، سوية.وأصبح بوسع شخص شبه أمي أن يرد على عالم كبير بحسب اجتهاده دون أن يشعر بالحرج! وقد قرأت لبعض هؤلاء ملاحظات لم استطع إلا أن أقف بجانبها مذهولاً. فهناك من ينصح كاتباً أن يقرأ ويعتبر، ومن يحض مفكراً أن يتمحص ويتدبر! وهكذا.
في القضايا العامة لا يملك الفرد اليوم إلا أن ينصاع لرأي الجماعة، حتى وإن كانت على ضلال. فليس ثمة من يغامر بمستقبله بمعارضتها. ولكن حتى في مثل هذه الظروف لا أحد ينتبه لدور الفرد في تشكيل القناعات العامة وصنع الرأي العام. وحتى يتم اكتشاف ذلك بوضوح تبقى مقولة الكاتب المجهول "الفرد لا يغير المجتمع" صحيحة ونافذة. ويبقى هذا الفرد طريداً محاصراً في جل مراحل حياته حتى يتبين للناس فداحة ما وقعوا فيه من ارتباك.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88798
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15