الشهادة ليست مصادفة، جملة استوقفتني كثيرا، كنت ابحث عن مصاديقها في بيوت الشهداء واحدا تلو الاخر. في محاولة مني لفهم التوفيق الذي يختص الله به عباده وهو يمنحهم كرامة الابد وشفاعة ﻻ ترد. رافد عبد الواحد فرج اللامي شهيدا اخر على درب الفتوى لحفظ الوطن والمقدسات، شهيدا ادرك قيمة طريقه وهو يوصي من بعده بالثبات واسناد الفتوى وملازمة درب الحسين عليه السلام.. بيت متواضع صغير لم تكمل نواقص بناءه بعد.. ثمة حاجات هناك وهناك اغفل انجازها فالوقت ﻻ يسمح له بالكثير.. ها هما اخواه احدهما في الحشد واخر رابط مع قوافل الدعم ألتي يجهزها الجامع والمتبرعين للمتطوعين على السواتر.. اسمع من امرأته عزمه الذي ﻻ يلين حتى بعد تعرضه ﻻصابة في احدى المعارك، ثم التحاقه سريعا ما ان تماثل للشفاء.. رافد رغم كل ذلك كان يشكر الله، كان قد وعى ببصيرته هوان الدنيا وعظم الاخرة، والا من ذا الذي يترك ولده اليافع الذي لم يبلغ الحلم بعد وحيدا في هذه الحياة، ربما هي ثقته بالله عز وجل وهو يسمع ان الله يتولى رعاية اوﻻد الشهداء، اذن فولده بأمان.. علي الصغير كان ولدا جميلا بكل ما للكلمة من معنى، انيقا بكلماته الوﻻئية وصدق تعبيره وهو يستقبل المعزين فيزيدهم عزما وفخرا.. ولد هذا الولد لرافد بعد اثناعشر سنة زواج ولم يرزق غيره، وكأن الله عز وجل قد ذخر له هذه الدرة الثمينة.. كنت انظر اليه يلوذ بوالدته كعصفور صغير يلامس جسدها المنهك بالحزن والدموع، يهمس باذنها بكلماته فتمسح الدمع فورا.. ﻻ اعرف أتشفق عليه ام تخجل منه لكنها كانت تقول.. "هو كوالده ﻻ يتحمل ان ابكي امامه" ، ولكن علي كان اكبر مما تصورت بكثير.. عرفته حين قرأت الرسالة التي سطرها امامي في احدى زوايا المنزل باعثا بها مع وفد مركز الحوراء زينب للعتبة الحسينية.. كلمات وﻻئية ﻻ يجيدها غير رجل وقف على ساتر القتال.. سألته من اين لك هذا العزم؟! اما كنت تخاف على والدك من الموت؟ اجابني بسؤال ابلغ حين قال " كان والدي يعرف طريقه، وكان يرتدي زيه في ليلة الالتحاق ليصبح به مهيئا وﻻ تؤخره الدقائق واللحظات"، ابعد هذا علي ان استغرب تلك الجملة حقا؟ ان الشهادة ليست مصادفة، بل كرامة تليق بمن يحملها في روحه بعزم... كلمات تلك الرسالة شغلتني عما كان يدور حولي فلم انتبه لكل ما دار من حديث، الا اني سمعت والدته تعقب انه كان مدانا بمبلغ من المال لابن خالته وزوج اخته لم يسعه الحال والوقت لردها، فما كان من هذا الاخير الا ان يستقبل النعش بعبرة الاعتذار وحسرة الفراق ليعلن أمام الملئ ان "دين الشهيد وصل"، مبرئ الذمة يا رافد فلا تحمل هم شيء وانت تصعد الى الله....
لبنى مجيد حسين / مركز الحوراء زينب عليها السلام
|