ماأروع أن يبحث الإنسان عن نفسه ، بحثَ العارف الواعي القاصد لربّه ، يثابر ليعثر على ذاته ، بما هي هي ، تشعر وتفكر ، تحبّ وتبغض وتقبل وترفض ، بمعناها الاستقلالي ، بفضاء تكليفها الإلهي ، لا أن يعثر عليها في جلباب ورسم ورغبة " الصنم " ، لا أن تتشدّق بالتقمّص أو التشبّه أو التقليد الأعمى لحركة ونطق أو سكون وصمت " الصنم " .
نعم " لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة " .. ولكن " رسول الله " لا " الصنم " ، ثم أوصياء الله ، ثم أولياء الله ... حسب المبادىء والموازين والقيم .
نقطة التأمّل والأسف والألم إنّما تكمن في محو وتذويب الذات والوجود في ذات ووجود " الصنم " من أجل جملة مطامح ونوايا مشروعة أوغير مشروعة بالأساس ، لا من أجل التأسّي المقدّس طبق ذاك المقياس .. فهذا المُصَنِّم وذاك المتلوّن والثالث المتملّق والرابع الببغائي ... الكلّ يركب الموج لبلوغ ساحل الرغبات والربح الدنيوي .
وهذا " الصنم " لو كان طبق الشروط من حيث الاستعداد والرغبة الجامحة باندكاك الآخرين في ذاته كي يكونوا نموذجاً وتجلّياً واضحاً لصفاته ، فرحاً مستبشراً بنتاجه ، باستنساخه الشبيه لوجوده ، المتماهي تمام التماهي مع سكوته ونطقه ، سكناته وحركاته .. لكان الحاصل مصداقاً بارزاً من مصاديق طمس الذات وسحق عزّة وكرامة الإنسان ، ثم شموخ العبودية والسلطوية والاستبدادية سيّئة المحتوى والعنوان ..
فالآخرون لايجدون ذواتهم وأمانيّهم وحاجاتهم - بل لايُرَوْن ولايُعْرَفون ولايُحتَرَمون- إلّا من خلال مرآة وإناء هذا " الصنم " ، وهو يجد فيهم أدوات رغباته وآليات سطوته لتحقيق هذا المأرب وذاك المقصد ، فتوافقا وتلاقيا في موقفٍ واحد بلا خُلف وعد .. بل يجد فيهم شخصه ، فهم ليسوا سوى جدرانه المكسوّة مرايا من كلّ جانب ، أنّى التفت لم يَرَ سوى شخصه .
شتّان بين هذا التوافق والتلاقي ، وذاك التوافق والتلاقي بين الوليّ والمؤمن الأُخروي .. فأُولاء من الله إلى الله في الله .. من الناس إلى الناس في الناس ... تذوب الأنفس المقدّسة المعصومة وتذوب معها الصفوة المصفّاة المعجونة بفاضل طينتها الطاهرة الطهورة في ذات الله لأجل الله ، لأجل إسعاد الإنسان الكادح للقيا الله . |